عرض مشاركة واحدة
قديم 20 / 03 / 2010, 14 : 11 AM   رقم المشاركة : [1]
عبد المنعم محمد خير إسبير
شاعر وأديب إسلامي، عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية - رئيس شرفي لقسم همس الروح (الشعر الإسلامي) منتدى ديوان الشاعر عبد المنعم محمد خير إسبير، هيئة مجلس الحكماء (انتقل إلى رحمة الله)

 الصورة الرمزية عبد المنعم محمد خير إسبير
 





عبد المنعم محمد خير إسبير has a reputation beyond reputeعبد المنعم محمد خير إسبير has a reputation beyond reputeعبد المنعم محمد خير إسبير has a reputation beyond reputeعبد المنعم محمد خير إسبير has a reputation beyond reputeعبد المنعم محمد خير إسبير has a reputation beyond reputeعبد المنعم محمد خير إسبير has a reputation beyond reputeعبد المنعم محمد خير إسبير has a reputation beyond reputeعبد المنعم محمد خير إسبير has a reputation beyond reputeعبد المنعم محمد خير إسبير has a reputation beyond reputeعبد المنعم محمد خير إسبير has a reputation beyond reputeعبد المنعم محمد خير إسبير has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سورية

مشاهد من الحياة 1

بقلم : عبد المنعم (محمّد خير) إسبير
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالميّة
أيّتها الأمّ الفاضلة ، والمربيّة الجليلة ، في عيدك السّنوي "عيد الأمّ " ، أقف فيه بكل الإجلال والتقدير ، لأحيّي فيك حُسنَ الأمومة الفاضلة ، وأقطف زَهَراً من القلب ، لأصنع منها طوقاً ، أطوّق به عنقك ، وأشدّ على يدك البيضاء الطاهرة ، التي زرَعَتْ فأنبَتَت ، ورَعَت فأثمرَتْ، وجاهدَتْ في سبيل أولادها فأعطَتْ فأوفت ، وجمعت أولادها في الحياة فوحّدتْ ، وبعد رحيلها ، ظلّت عينها في مثواها تستشرف أحوالهم لاتغمض ولا تنام ، وبقي قلبها طيّ تربتها حيّاً نابضاً ينطق بالدّعاء المستدام.
أمّا أنت أيتّها الأمّ التي أسرَفت على نفسها فقصّرَتْ ، وزرعَت فما أنبتَتْ ، وأهدَرَت فما حفظتْ ،وحملتِ الأمانةَ فما أوفَتْ . إليكِ أيّتها الأمّ أقدّم لك مشهداً حزيناً رأيته في حياتي "وكم رأيت منه الكثير" ، ليكون لكِ ولمن أنبتك في الحياة ، مشهد تذكير وتبصير وتحذير، فلربّما كنت أنت أيضاً قبل أولادكِ ضحية التقصير .
*
إنّ أعظمَ خسارةٍ يخسرها المرء في الحياة ، هي خسارةُ الوقتِ الّذي يُهدرُ بلاطائل . فالوقت جزءٌ ثمينٌ من حياة الإنسانِ ،يقدَّرُ به يوم مولده وأيام حياته ويوم موته ، ويُحسَبُ به عمره الفعليّ على قدر أعماله فيه ، وأكررمقولتي بأنّ من الخطأ أن نقول إنّ فلاناً عاش ستينَ أو سبعينَ عاماً في الحياة الدّنيا ، بينما " في واقع الأمر" قدعاشَ العمْرَ الّذي عمل وجدَّ فيهِ ، ليكتسبَ ويُكسِبَ أولاده ربحاً في الحياتين ، فإنْ عمل عملاً صالحاً في مدى عشرينَ عاماً ثم رحلَ عن الحياةِ الدّنيا وهو في السّبعين من العمرِ مثلاً ـ فيكون عمره الحقيقي عشرين عاماً لاأكثر؛ أي عمرهُ العامل لا عمرهُ الخامل ؛ فالعمْرُ يقدّرُ بالمدى الّذي عمّرَ فيه المرءُ لا ما ماعمَر ، أما الوقت الخامل فهو وقت ضائع لايُردُّ ولايُستردّ ، والمرءُ فيه يكون مَيتاً فيما هو على قيد الحياة في ظاهره .
*
تعالوا معي الى المشهد التالي لنأخذ منه العبرة ؛ لنا ولأولادنا :
في عام مضى ،كنتُ أقف قرب باب مدرسة ثانويّة يدرس فيها حفيدي ، أنتظرُ خروجه ومعه نتائج الإختبارات السنويّة النّهائيّة التي تكون دائماً من النّاجحين ، وفيما أنا أتابع انتظاري ، إذ بي ألمحُ ابنَ أحد أصدقائي خارجاً من المدرسة مطأطئ الرأس حزينا ، وما إن رآني حتّى أسرعَ في خطاه باتّجاهٍ آخرَ ليتجنّبَ لقائي ، فلقد كان دائماً كسولاً في دراسته ، وكثيراً ما كنتُ أنصحه وأحرّضه على الإجتهاد خلال السنة الدراسيّة ،وأُبصّرهُ بعاقبة الكسل والّلهو وإضاعة الوقت في اللّعب والتسكّعِ في الطريق.وأسرعتُ نحوهُ لأخفّف عنه بكلماتٍ طيبة يقتضيها الموقف ، إذ من الحكمة ألاّ تعاقبَ إنساناً عاقب نفسه قبلكَ بالبكاء والخجل والنّدامة ، فذلك العقاب الذّاتي كافٍ لهدايته إلى طريق الهدى والصّلاحِ والإصلاح. وحينما خفّفْتُ من معاناته ، قلت له :
ـــ هل علمْتَ سببَ رسوبك ؟ إنّه الشيطان ورفاق السّوء ،أليس كذلك؟.
ــ هذا صحيح .
وودّعني وسار في طريقٍ غير طريق بيته .
ــ انتظر قليلاً ، فحفيدي سيخرج بعد قليل ، وسنرافقك إلى بيتك .
ــ لنْ أذهب إلى بيتي ، ولاأستطيع لقاء أمّي وأبي وأنا راسب ، سأبقى في الشارع .
ــ كيف تقول ذلك؟! هل الشارع سوف ينجيكَ مما أنت فيه ؟
ــ كثيراً ما كنت أُقضّي فيه أوقاتاً طويلة بطلبٍ من أمّي .
ــ كيف تقول ذلك يابنيّ ؟!
ــ كانت تفضّل أن أخرج إلى الشارع في كثير من الأوقات ، إمّا حين تعود من وظيفتها الحكوميّة متعبة ،فلاتحتمل منّي ومن أختي أيّ خطأ فتضربني وتخرجني من البيت، أو حينما لاتطيق أصوات لعبنا معاً ، أو حينما تدعو صديقاتها إلى ( استقبالاتٍ) في بيتنا ، أوحين يصيبني القلق ليلاً فلا أستطيع النّوم ، في تلك الحالات كانت تفضّل أن أخرج إلى (الحارة) لتنفرد هي في مشاهدة برامج تلفزيونية خاصّة تفضّلها !!
سكت طويلاً ثمّ أجاب:
ــ ليت لي أباً وأمّاً مثلك ، ولو كان لي ذلك لما رأيتني على هذه الحال ... فدعني . لاأريد الذهاب إلى البيت .
أمسكْتُ بيده ،وقبّلت رأسه قائلاً :
ــ بقاؤك في الشارع ليس حلاّ ياولدي.
ــ وما الحلّ؟
ــ الحلّ يكون بالعزم على تصحيح خطأ أعمالنا ، تحمله إلى السنة الدراسية المقبلة ، فكلّنا نُخطئ ، ولاعيب إن أخطأنا ولكن عيبٌ علينا إن تمادينا في أخطائنا ، وانحنينا أمام نتائجها بيأس واستسلام .
قم ياولدي قَومةَ رجل يتحدّى الخطأ ويتصدّى للفشل با لعزم والتوكّل على الله .
وبينا نحن في غمرة التّحادث ، خرج حفيدي من المدرسة ضاحكاً مستبشراً ، فلحظ زميله معي ، فأشرت إليه إشارة فهم معناها ، فاقتصدَ في إظهار فرحة نجاحه ، وأقبل على زميله يعانقه وهما يبكيان ، فأحسن حفيدي صُنعاً بذلك . إذ ليس من الرّحمة وحسنِ الخُلُق ، أن يستعرض المرءُ فرحتــــه( أية فرحة ) و نعمتهُ ( أيّة نعمة) أمام من افتقد الفرحة والنّعمة ، ويرقص على أسى الآخرين ؛ وما أكثر الخاطئين في تلك المواقف الإنسانيّة.
سألتُ حفيدي بعد إشارة خاصّة مني فهمها :
ــ هل تذكر ياوضّاح حديثاً للرسول الكريم يصف فيها القويّ ؟:
ــ نعم . فقد قال رسول الله : ليس الشديدُ بالصُّرَعة ، ولكن الشديد هو الّذي يملك نفسه عند الشدائد .
ــ هل سَمعْتَ ياولدي؟ ، هيا قم ياولدي إلى بيتك ، وكنِِ ذلك الرجل القويّ الّذي عناه الرسول الكريم .
ــ سأفعل ياعمي
وغادرني إلى بيته .
*
في نهاية السنة الدراسية التالية،رأيته يخرجُ من المدرسة ضاحكاً يقفز في الهواء من فرحة نجاحه ، وحينما شاهدني أقبل عليّ يبكي.
ــ أتبكي ثانية ياولدي ؟!
ــ من الفرحة ياعمّي أنا ناجح ... أنا ناجح ، شكراً لك على نصيحتك في السنة الماضية ، فالفضل لك بنجاحي .
ــ أستغفر الله ياولدي ممّا تقول ، فالفضل لله أّولاً ، ثم لعزمك وتوكّلكَ عليه .
ثمّ أمسكت بيده لأنتهز الفرصة للمقاربة والمقارنة بين امتحانين ، فقلت :
ــ كيف رأيتَ نفسك بينَ الأمس واليوم؟
ــ الحمد لله فسعادتي الآن لاتوصف .
ــ أتسمح لي ياولدي أن أُذكِّرَكَ بالإستعداد لامتحانٍ آخر ؟
ــ تفضّل .
ــ في امتحانِ الماضي كنتَ على قارعة الطريق تبكي ألماً ، والآن أنت عليها تبكي فرحاً ، ألم تفكّر يوماً في مصيرك عند رسوبك في الإمتحان الأعظم ؟
ــ بدهشة بالغة سأل : أيّ امتحان ياعمّي أما اكتفينا من الإمتحانات ؟!
ــ أعني ياولدي الإمتحان الأخروي ؛ امتحانك أمام الله ، يومَ تشيب فيه الوِلْدان ، ألا يستحقّ منك التّفكّرَ والتدبّر والعمل من أجله ؟
سكت طويلاً ... ثم أدركَ مقصد كلامي ، فأطرق .... .....
ــ أرى في دموعكَ خيراً وأملاً ياولدي ، وهذا أمْرٌ يسعدني ويُغنيك عن الجواب .
أطرقَ ثم رفع رأسه تجاهي فلمحْتُ دموعه تتلالاً تحت أشعة الشمس كقطع الألماس ، وتتدحرج على خدّيه كقطر النّدى ، ونظر إليّ بحسرة يغالب فيها نحيب بكاء وقال :
ــ كم أتمنّى أن تكون أمّي وأبي ، كم أتمنّى .
ــ لا ياولدي ، أنت تخطئ ، فلأبويك فضل كبير عليك ، وسوف تُُحِسُّ به في المستقبل.
فهزّ برأسهِ كمن لمْ يقتنع بكلامي وقال :
ــ كن معي دائماً ياعمّي ...... فأنت أبي وأمّي .
تركتهُ يتّجه إلى بيته ، ومضيت ساهماً في طريقي ، أسترجع بيتين من قصيد لي كنت نظمته لوالدي في بداياتي أيّام شبابي قلت فيهما :
*
تاللهِ لونِعَـــــمَ الإلهِ فقدتهـــــا **** وأبي يعيشُ ، فلاشقاءَ ولا غُمَمْ
جُرحُ البنوّةِ لا يُضمّده سـوى **** أيدي الأبوّةِ في الدّنا وفـــؤادُ أمّ
*
( عيد الأم ) يا أخواتي، عيدٌ سنوي يتفاخر فيه على السواء طرفان نقيضان من الأمهات :
الطرف الأول ــ الّلواتي أنشأنَ أولادهنّ على مبادئ الحقّ والخير والصلاح والتّقى والفلاح ، والى مايُرضي الله والمجتمع والوطن.
والطرف الآخرــ الّلواتي يتلَهَين عن أولادهنّ بوسائل شتّى ، ويرميْن بهم إلى قارعة الطريق والحارات مع رفاق السوء ، ليخلُدْن إلى الراحة ، و/أوينعمْن بمجالس وزياراتٍ نسائية ، يتخلّين فيها عن دور ( الأمّ المدرسة ) في غيبة أبٍ هارب من بيته ،لسبب من الأسباب ، لايُعفيه أيّ سبب منها من مسئوليته التربوية والرعويّة.
هذه الخواطر والمخاطر، ساقتني إلى نظم قصيد لأحد الفتية المراهقين الذي أطلقتُ عليه اسماً مستعاراً هو(عمّار) ،قلتُ له فيه :
*
(عمّارُ) يامَثَلَ الرّجولةِ أيّها الطفْلُ الكمـــــيلْ
*
إنْ شِئتَ تَبدو كالرّجالِ فكُنْ كما الرّجلُ العَقيلْ
*
فاسلُكْ طريقَ العِلْمِ تَغدو عالِماً عَلَماً جليــــــلْ
*
وإذا سَلَكْتَ الّلهْوَ والألعابَ تلْقَ العمْرَ وَيْـــــلْ
*
ولئن عشِقْتَ هوايةً أهوَتْك للقاعِ الوبـــــــــيلْ
*
وإذا قصدْتَ زميل جِدٍّ سائلاً، سَخِر الزميــــلْ
*
ويُديرُ ظهرَهُ قائلاً:اِبحثْ بجهلِكَ عنْ مُعـيــلْ
*
سَهَرُ الّليالي في اجتِهـــادٍ سُلّمٌ للمُسْتَحــــــيلْ
*
فيُنيرُ عِلْمُكَ حالِكاتٍ قدْ تُضِلُّ بِكَ السّبيـــــــلْ
*
وإذا سَقَطْتَ جَهالَةً لاتَبْكِ ،لايُجدي العَويــــــلْ
*
فحَذارِ مِنْ دُنيـا تَدورُ ولاتَرَى فيها خليــــــــلْ
*
إنّي أرى مُسْتَقْبَلَ الـ(العمّارِ) وضّاحاً جمــــيلْ
*
فابدأ بِتَقْوَى اللهِ عِلْمــاً،واتّكِلْ فهُما الكفيـــــلْ
****

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
عبد المنعم محمد خير إسبير غير متصل   رد مع اقتباس