دمشق 1988
مسار الشاعر
نديم الوزه
سماء القابون
تبدو السماء قرويّة
إذ جعلت الريح غيومها أرضاً محروثة..
و القمر الذي يُري ذلك
و القمر الذي يبحث عن أصدقائه
في أزقّة المدينة
ظلّ لساعات وحيداً
ثمّ مضى بحسرة..
لم يستطع نزع النير
من تحت النير
لا أحد ينظر إلى السماء!
ساحة العباسيين
بعد كلّ هذه القرون
و الثيران
و الدماء
لم يبقَ في هذه الساحة
سوى ملعب لكرة القدم
يشهد هزائمنا المتتالية
منذ سقوط بغداد
و عودة صقر قريش من أوربا
بجناح مكسور
و عينين مفقوءتين
تحت نظارة سوداء!
باب توما
لمَ أكذب؟
لا يحتاج الأمر بخوراً
و لا زيتاً كي يُسكب في قناديل النذور
و لم أرَ أحداً
يدخل على رؤوس الأصابع..
فالمكان ليس أكثر من سوق
و لا أقلّ من أمسية رائقة
و ازدحام يوميّ مألوف..
شارع، رصيف، دكاكين، مطاعم، مساكن،
و ثمّة شجرة، شجرتان، و أكثر...
أسمع دقّات الكنيسة
و أصغي..
لا مسيح يعاني
فقط، صلبانٌ تتراقص فوق الصدور
سوق الحميدية" حين تدخلون،
أبداً لن تروا السماء..،
قال طفلٌ يتسوّل عادةً هذه الدكاكين اللعوبة
و فرّ بعيداً..
شارع النصر
أمرّ بتمثال صلاح الدين
و بعد خطوتين من الإشارة الخضراء
تستوقفني آلاف القضايا لمحامين منتصرين
و مهزومين
بين البيع و الشراء
و الزواج و الطلاق
و القتلة و اللصوص
و لا أدري لماذا لا أعبأ كثيراً
بكتّاب العدل
و لا بمصلحة المياه التي جفّت..
ربما وحده صلاح الدين يوصلني إلى مركز البريد
كي أسأل عن رسائل محاربين قدماء
لم تصل
أوعن أسلحة أصابها الصدأ
في محطة الحجاز!
ساحة المرجة
نصب كالألف
حوله فنادق جميلات
و دكاكين حلويات
و مياه جارية
ربما كي ننسى ثوّاراً تدلّت رؤوسهم-
من أجل أن يبقى منتصباً دائماً
كما نراه..
لولا أنه منذ متى يتطلع صامتاً
إلى شارع النصر
و أحياناً
ربما وحدي
من يراه يبكي..
جسر الثورة
مرهق صعود جسر..،
و أنا في عزّ ظهيرة تموز،
متعرّق،
لا أدري هل أهبط من حيث صعدت
أم أهبط إلى حيث أنظر:
غراب يحطّ بين الأشجار الشاحبة
على الإسفلت..
منظر
مطرٌ هادئ يضيء شوارع المدينة،
و على التلّ بناء شاحب يزداد شحوباً..
من دخله مرّة يقول:" إنّه السجن"!
بار فريدي
أدخل الحانة
و قليلاً ما أدخل الحانة
كي يراني العامل عاطلاً
و الطالب فاشلاً
و المخبر مجرماً
و أنا أدخل الحانة
كي أدخلها
و أشرب
أشرب
حتى أنسى كلّ هؤلاء!
آخر الليل
المدينة على الأرصفة،
مستلقية بلا دثار..
الشوارع التواءات كهوفٍ
تحت سماء مطبقة،
المباني معلّبات،
و النوافذ مستطيلات عيونٍ باهتة،
الحدائق مغلقة على نفسها،
أشجار الرصيف نائمة،
نباح تحت جسر فيكتوريا،
تدخل قطّة حانة،
و توجّس البوليس...
..................
أضواء الشوارع
تنعش ثانيةً أرواح العواهر
و السكارى!
جبل قاسيون
في فجر شتائيّ،
و أنا أتطلّ من شرفة شهواتي الفتيّة،
كان الفجر فوق المدينة أشهى شفة،
كان هذا رأياً،
لم أشأ البوح به..
لكنّ نفحةً باردة
تسلّلت بين ثيابي،
رأت ارتعاش خلاياي،
و فضحت ذلك!
دمشق-القابون
تنشر هذه القصائد بمناسبة الاحتفال بدمشق عاصمة للثقافة العربية 2008
شكر خاص لمجلة أوغاريت