حسن الحاجبي
|
رد: الدين هو الصلاة : رسالة واجبة التبليغ
*** الصلاة لا تبرأ ذمة منها حتى تؤديها ***
... ولو تتبعت موضوعات الصلاة في القرآن لجئت بالقرآن كله , فماذا بقي للإنسان من دينه إذا هو ضيع الصلاة؟ .
وما رأيت مثالا أشد وضوحا ولا أشد رهبة في بيان مركزية الصلاة في الإسلام , وعظمتها عند الله من مثل ما يسميه الفقهاء ب"صلاة الخوف" , وقد كان لنا فيها كلام في موطن آخر نختصر منه ههنا ما يلي : فمن أعجب العجب أن ألزم الله ــ جل جلاله ــ المسلمين بالصلاة إلزاما حتى في أحرج الظروف وأخطرها : الحرب والقتال , قال جل جلاله :" حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين , فإن خفتم فرجالا أو ركبانا , فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ". فقوله سبحانه :"فإن خفتم" يعني في حال الحرب وانعدام السلم والأمن , سواء لحظة الإشتباك أو لحظة الترقب . وقوله تعالى "فرجالا أو ركبانا" أي فصلوا صلاة الخوف ــ باصطلاح الفقهاءــ على ما تيسر لكم من هيأة ووضع , وصلاة الخوف عندهم هي : عين الصلوات المفروضة , عندما تؤدى في ظروف الحرب , حيث قد تؤدى "رجالا" أي : على أرجلكم , واقفين أو سائرين , أو "ركبانا" أي: راكبين خيولكم أو دباباتكم ومصفحاتكم , أو طائراتكم . وقد فصل الفقهاء والمفسرون وشراح الحديث في صور صلاة الخوف وأشكالها , بناء على قوله تعالى :" وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة , فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم , فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم , ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك , وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم, ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة . ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم . وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا , فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم , فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ".
فماذا بقي لك بعد هذا يا صاح من الأعمال الحادية إلى باب الله ؟ وها أنت ترى الصلاة أساس السير على كل حال , منشطا ومكرها ؟ ... ولصلاة الخوف صور كثيرة معروفة في كتب السنن وكتب الفقه . وإنما الغاية عندنا ههنا العبرة من الأحكام لا أنفس الأحكام . وذلك أن الله عز وجل طلب من المسلم الصلاة على كل حال مادام عقله سليما , لا ينقصه جنون أو إغماء أو ما في معناهما .
وأحب ههنا أن أعرض لبعض الفقه في صلاة الخوف , لتعرف حجم هاته الفريضة التي ضيعها كثير من الناس اليوم , ولتعرف حجم الخسارة الواقعة بما ضيعوا ...
ذلك أن من أحرج الوجوه في صلاة الخوف ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :"غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد , فوازينا العدو , فصاففناهم , فقام رسول الله يصلي لنا , فقامت طائفة معه تصلي , وأقبلت طائفة على العدو , وركع رسول الله بمن معه , وسجد سجدتين ثم انصرفوا , مكان الطائفة التي لم تصل , فجاؤوا فركع رسول الله بهم ركعة , وسجد سجدتين ثم سلم , فقام كل واحد منهم , فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين ".
ومن ذلك مارواه البخاري أيضا عن ابن عباس رضي الله عنه في صفة صلاة الخوف قال :" قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس معه , فكبر وكبروا معه , وركع وركع ناس منهم , ثم سجد وسجدوا معه , ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم , وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه , والناس كلهم في صلاة , ولكن يحرس بعضهم بعضا ".
ولعل أحرج صورها على الإطلاق أن يصليها كل واحد لنفسه ركعة واحدة بالإيماء , وذلك أنه إذا اشتد الخوف كما هو الحال عند المسايفة ونحوها من صور الإشتباك في القتال , يصلي كل واحد لنفسه ركعة واحدة , راكبا أو راجلا , مقبلا أو مدبرا ...
... فعجيب أمر هذه العبادة العظمى , لا تبرأ ذمة المسلم منها حتى يؤديها , وقد جاء تأكيد ربطها بالوقت حتى في ظروف الحرب كما قرأت , حتى لا يؤخرها مسلم عن وقتها الذي فرضها الله فيه . فالحرب , بل الإشتباك في المعركة , أي ما يسمى قديما بالمسايفة , ليس عذرا لتأخير صلاة عن وقتها , بله أن يكون عذرا لتركها , وإنما هو يؤثر فقط في شكل أدائها لا في إسقاطها , أو إخراجها عن وقتها . فصل على أي حال كنت وخذ حذرك ," إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا "....
يتبع ..
|