ما أسعد قطتي سوسن وهي مستلقية في دعة تحت أشعة الشمس الدافئة . و ما أهنأ أمي القابعة في المنزل ولا هم لها سوى الطبخ والكنس . يا ليتني كنت ذلك الصوان أو تلك الأريكة فأهنأ وأسعد بالمكوث في البيت . وما أتعسني من صبي قضي عليه أن يختلف يوميا إلى تلك البناية الموحشة لأضيع في الزحام و الضجيج ، وأتلظى بلهيب الزجر والنهي والعقاب . من لي بيوم أنهض فيه من نومي اللذيذ فيقال لي إن البناية قد انهارت بفعل زلزال ، أو أن العطلة ابتدأت ولن تنتهي ، أو أن مدرسنا مريض و ستطول مدة رخصته ؟... من يبشرني يوما بأني لم أعد أنتمي لهذه المؤسسة وأني قد صرت حرا طليقا، أستيقظ متى أشاء ، وأذهب أنى أشاء ، وأصاحب من أشاء ؟ متى يأتي يوم لا أصطدم فيه بنظرات العزم والثقة في عيون هؤلاء " المجتهدين" ولا بإطراء المدرس على انضباطهم وتفوقهم ؟... كم أتمنى لو كنت مثلهم فأفوز بنظرة تقدير من هذا أو بكلمة ثناء من تلك ، ثم... لم لا تحظى أسئلتي بنفس الاهتمام الذي يوليه الجميع لهؤلاء "المتفوقين" ؟... حقا ، لا أريد بأسئلتي حول جدوى كثرة الأدوات المدرسية غير الخروج من هذه العزلة التي تؤرقني و تقض مضجعي . لكن ، لم أواجه بالسخرية كلما نبست بكلمة أو أبديت ملاحظة ؟ ولماذا أجابه بالتقريع و التأنيب في كل مرة أضبط فيها متلبسا وأنا أرسم مدرستي بشكل يسيء إليها كما يقولون ؟ أليس الرسم الذي يمثل قسما يعج عجا بالتلاميذ ويشبهه بإسطبل جديرا بالاهتمام ؟ ثم ... لماذا منيت بصفعة أطارت صوابي وكادت تذهب بلبي لولا العناية الربانية ، لا لشيء سوى أني لم أستطع كبت ضحك هستيري لازمني منذ فترة الاستراحة ، تسبب فيه زميل لي حين حكى لي كيف تخلص من قبضة شرطي أمسك بحزام سرواله أمام مقهى وهو يتابع بشغف رسوما متحركة على شاشة التلفاز، وكيف انطلق هاربا بينما يد الشرطي تمسك بالقطعة الخلفية من السروال . الشقي ... لم أكد أبدأ قراءة النص حتى وكزني بخفة هامسا :"السروال..." لماذا هذه الصفعة ولماذا هذا الصفر الذي نلته بعد حرماني من استظهار سورة قرآنية وقد حفظتها – لأول مرة- عن ظهر قلب ؟... كان ذاك الصفر العاشر خلال أسبوع ، حتى نلت ألقاب عدة منها " الإسفنجي" و "المليونير" ؟ . لماذا الامتحان ؟ ولماذا لا يكون المدرسون سواسية ؟... طوبى لك يا سيد " مرتضى" . ما ألين قلبك وأرحم نفسك . لم لا يضاهيك زملاؤك فيكتبون الأجوبة عن الامتحان على السبورة ويريحوننا من عناءه ويريحون أنفسهم من جحيم الحراسة وعناء التصحيح ؟... ولله ذرك يا آنسة "خالصة" . لقد كنت تعفيننا من أعباء الواجبات ومن رتابة الدروس وشرحها ، فتجلسين لتغزلي صوفك وتقلمي أظافرك أو لتصبغيها حتى تنتهي الحصة بسلام . وغريب أن أحتفظ من أحدكما ببيت شعري لم أقتنع به أبدا مع فهمي الجيد له : أنا المدرسة اجعلني كأم لا تمل عني كأم ؟... أليست أمي وأم زميلي ومعهما نفر من نسوة الحي هن اللواتي عقبن على رجوعنا أمس باكرا من المدرسة بسبب اجتماع للمدرسين بقولهن :" الله يجمع لهم الرأس . لحسن الحظ أن هذا الاجتماع لا يستغرق إلا ساعة أو ساعتين . لم نكد نصدق أن العطلة انتهت لتريحنا المدرسة من هؤلاء العفاريت ..." وما هذا بأعجب من قول جارنا لرهط من أصحابه قرب المقهى ، حتى تمنيت لو كنت مدرسا لا تفرغ جيوبه من المال وتلبى رغباته بإشارة منه : - عجبا لهؤلاء... في كل مرة إضراب . لم يمر شهر على حوارهم مع الوزارة حتى زيد في أجورهم . وهاهم يتحاورون من جديد... إذن ، زيادة جديدة ، بينما مستوى أبنائنا في تدهور؟... أولم يكفهم ما يطلبونه من الصغار رغم كدحنا ؟" لقد سمعت عن هذا الحوار في التلفزيون وتشاءمت من ذكره لأنه يجعلني أحس بألم الصفعات التي كانت تنزل على خداي و قفاي كلما جاء دوري لاستظهار الحوار مع زميلي فلا أفلح ... ولكن ما شأني به الآن وكل همي أن أجد نفسي يوما وقد صرت بناء أو بائعا متجولا ، فأكسب قوت يومي دون أن يزجرني مدير ولا حارس ولا مدرس . ما أثقل هذا اليوم . لحمله أشد وطأ من هذه المحفظة التي ينوء بها وبدفاترها وكتبها ظهري . ثم... أليس الحمال أسعد مني حظا وهو يتقاضى عن حمله أجرا ؟ نامي يا قطتي"سوسن" ، واهنئي يا أمي ، واسعدوا يا زملائي . حسب الله ونعم الوكيل ... ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .