عرض مشاركة واحدة
قديم 01 / 04 / 2010, 04 : 03 AM   رقم المشاركة : [69]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

28

[align=justify]
لم أحرك ساكنا و أنا أترقب وصول حليمة إلى حيث أنا .. مغمض العينين ، تسري في جسدي نشوة الهدوء و المتعة بمنظر الأشجار المحيطة بي من كل جانب .. أحسست بها تتوجه أولا إلى الكوخ و تتوقف .. طال وقوفها ففتحت عيني و استويت جالسا .. بينما أقبلت العنزة تتشممني وكأنها اشتاقت لأن أربت على وبرها .
- مساء الخير ..هل كنت نائما ؟ .. لم أشأ إزعاجك .. يبدو أنك سبقتني إلى الكوخ وتعهدته بما يلزم ..
- مساء الخير .. لم أكن أعلم أنك آتية إلى هنا . عملت اللازم ، لكن ذلك يبقى ناقصا .. تلزمه لمسة خاصة .
ضحكت ثم أضافت :
- ما هو إلا كوخ يستريح فيه الرعاة لمدة محددة .. وما عملته يكفي ..
لكني شردت و أنا أتمتم في سري :
- ليس كوخا عاديا .. بل هو أكثر من ذلك ..
- هل قلت شيئا ؟
نظرت إليها طويلا ، و اعتقد أنها فهمت ما أعنيه رغم عدم سماعها لما قلت .. تضرج خداها احمرارا وأشاحت بوجهها كي لا ألاحظ ذلك ، ثم قالت مغيرة موضوع الحديث :
- يبدو أن العنزة اشتاقت إليك ..
- نعم .. كما اشتقت إليها أنا .. كنت أحس برغبة في مداعبتها منذ وصولي .. قولي .. هل أتيت قصد إعداد الكوخ ؟
- أجل .. كلفني أبي بإعداد الزاد للراعي الذي ... سوف ... يأتي .. أعني الراعي الجديد ..
ساد الصمت .. ولا شك أن ما كان يدور بخلدها هو نفسه الذي كنت أفكر فيه .. كانت لحظات قاسية و أليمة لكلينا .. الراعي الجديد ؟ .. مرة أخرى يرن اسم المفضل كالطنين حتى ليكاد يصم أذني .. واستطردت حليمة قائلة دون أن تنجح إخفاء تهدج صوتها :
- وكلفني بإبلاغك ضرورة العودة باكرا حتى لا تضل الطريق .. ستعود معي .. و أظن أن الوقت قد حان .. سيأتي الراعي بعد قليل .. بل .. إنه أتى .. هاهو ..
فعلا جاء الراعي صحبة القطيع . شاب في مقتبل العمر و يفور حيوية . ذكرني بالمفضل . هكذا كان حين التقينا أول مرة .. آلمني حضوره وشعرت نحوه بالنفور .. لكنه أقبل علي يحييني مبتسما ، فلم أملك أن مددت يدي وشعوري يتبدد ليحل محله إحساس بالود .. ما ذنبه هو إن أخذ مكان المرحوم ؟ .. حدثتني نفسي أن ألازمه بضعة أيام ، أو على الأقل هذه الليلة ، لكن منظر الشمس وهي آيلة للمغيب ، و ضرورة عودة حليمة جعلني أخجل من تركها تعود وحيدة عبر الأدغال .. هي لن تهاب شيئا ولكن الأصول تلزمني بمصاحبتها .. ماذا ستقول عني أو ماذا سيقول عني والدها حين يراها مقبلة وحيدة ، و تخبره أنني قررت المبيت هنا ؟.. يعني أنني رفضت دعوته .. وفي هذا نكران للجميل الذي غمرني به هو و أسرته منذ وصولي عندهم ..
ترى هل كان هذا المونولوج يعبر فقط عن الحرج الذي كنت أشعر به تجاه أسرة حليمة أم أن لا وعيي كان يبحث عن الأسباب التي تجعلني أرافق حليمة في طريق عودتها دون الشعور بالذنب تجاه صديقي الراحل ؟
تحدثت حليمة إلى الراعي و أبلغته تعليمات والدها ، ثم ناولته الزاد قبل أن تتوجه نحوي منتظرة ما سأفعله .
- هل نذهب ؟
التزمت الصمت قليلا و أنا أداعب العنزة التي لم تتوقف من مص شحمة أذني ، لكني قلت أخيرا :
- أجل .. يجب أن نذهب قبل أن تغيب الشمس و يحل الظلام ..
سلمت على الراعي الذي بدا مبتهجا بعمله الجديد .. وتركناه يجمع بعض الحطب ليشعل النار و يصطلي عندما ينزل الظلام و يبرد الجو ..
لم نتبادل أثناء الطريق كلمة .. كنا نسمع فقط وقع خطواتنا وهي تدوس بعض الأوراق الجافة محدثة خشخشة ممتعة .. كنت امشي أمامها و كثيرا ما ألتفت لأجدها بعيدة من ورائي فأتوقف حتى تصل .. إمارات التعب بادية عليها و هي تلهث . لا أدري لم كنت أتعجل الوصول . هل كنت خائفا من شيء أجهله ؟ أم تراني كنت أتجاهل ذلك ؟ لكن منظرها أثر في فقلت :
- نحن نقترب من الوصول كما ترين .. لكن إذا رغبت في التوقف لتستريحي قليلا ..
- أجل .. قدمي تؤلمني من المشي طيلة النهار .. شكرا لك .
كانت هناك صخرة تحاذي الطريق .. ومنها نستطيع رؤية البلدة و هي تستكين في دعة وطمأنينة بين الروابي و الحقول اليانعة .. وبالقرب منها كان النهر وقد التف من حولها كالحزام .. جلسنا نتأمل في صمت المنظر وقد غرب آخر شعاع من الشمس من خلفنا .. وهدأ النسيم التي كانت يهب بعد الظهر فلم يعد هناك شيء يتحرك من حولنا .. نظرت إلى الشجر فرأيت الأوراق جامدة .. ولا حركة .. حتى الطيور آبت إلى أوكارها وتوقفت زقزقتها .. صمت سمح لنا أن نسمع نباحا بعيدا و خوارا آتيين من البلدة التي كنت أجول عبر أنحائها ببصري و أتوقف طويلا عند الربوة حيث قبر صديقي .. ولا أدري ما الذي دفعني للالتفات فجأة نحو حليمة لأجدها تنظر بدورها إليه .. تلاقت أعيننا في ما يشبه التساؤل وكأننا ضبطنا بعضنا البعض متلبسين بشيء كان علينا تجنبه .. فلم أملك إلا أن أقول محاولا تبديد وقع المفاجأة :
- رحمه الله .. كان نعم الصديق المخلص ..
بينما همست هي بصوت أقرب ما يكون من الإجهاش بالبكاء :
- رحمه الله ..
التفت إليها من جديد .. فلم تملك نفسها من البكاء وقد علا نحيبها .. ربما كانت تنتظر مثل هذه الفرصة لتنفس عما حاولت كبته منذ فترة طويلة من المعاناة و اليأس. بكت طويلا ، بينما كنت أغالب دموعي . ثم لم أشعر إلا و رأسها يميل على كتفي .. كنت أنظر إليها واجما و أنا أفكر في أمرنا نحن الاثنين وأرثي لحالنا ..
تعيسان التقيا .. محب أعياه البحث عن غادته ، و عاشقة حرمت ممن تحب قبل وفاته و بعدها .. ترى هل وجدت في ما يذكرها بالفقيد الغالي ؟ وهل يمثل لي شبهها بغادتي عزاء لفشلي و خيبتي ؟
كانت هذه التساؤلات تغزو فكري وأنا أتأمل عينيها النجلاوين الصافيتين مثل صفاء عيني غادتي تماما . ولو خيرت في تلك اللحظة لاخترت تأملهما طويلا دون ملل .. هنا أدركت أن شوقي الدفين لغادتي لا يمكن أن ينسى سريعا و أن حبي لها لا يمكن أن ينمحي بسهولة حتى ولو طال غيابها دهرا . وما زلت أرنو إلى عيني حليمة حتى تزحزحت من مكانها و انتصبت واقفة وهي تمسح دمعها بكم قميصها . ثم انحدرنا لا نلوي على شيء وقد بدأ الظلام يحجب عنا رؤية الطريق .. لكننا كنا قريبين من المنزل حين ساد الظلام تماما . أسرعت هي إلى غرفتها بينما لبثت أنا على عتبة الباب أحدق في سواد الليل مترنما بصوت خافت :
سألت عقلي فأصغى
وقال لا .. لن تراها
وقال قلبي أراها
ولن أحب سواها .
ما أنت يا قلب قل لي
أأنت نعمة حبي ؟
أأنت نقمة ربي ؟
إلى متى أنت قلبي ؟
[/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس