رد: هلموا معي بين أحضان جبال الريف .
[align=justify]
مرحبا بكل الأحبة المشاركين في الرحلة .. كنت حدثتكم عن قرب امتطائنا للبغال بدل الحافلة رغم أن الطريق التي تظهر أمامنا وهي تتفرع عن الطريق الرئيسية المتجهة إلى الريف صالحة للاستعمال .. حقا ، ولكني أردت أن تعرف رحلتنا تغييرا حتى لا تكون مجرد مرور عابر .. ثم إن بعض الأودية التي لا بد من الوصول إليها تتطلب وسيلة نقل غير الحافلة نظرا لوعورة المسالك الموغلة بين الوديان و الغابات الكثيفة .. وربما مررنا على جسر لا يكاد يكفي شخصا واحدا فبالأحرى حافلة بعرض مترين ..
إذن نشد الرحال ونحكم "الشواري" و "البردع" على ظهر البغال .. لا يجب أن نمتطيها كما نمتطي الفرس .. يعني ان أرجلنا يجب أن تكون إلى جهة واحدة وهي جهة اليسار فتصير جلستنا كأنها جانبية .
نسير بضعة أمتار قبل أن نبدا في الانحدار نحو الوادي .. الشمس تقترب من المغيب وعلينا أن نصل إلى بلدة صغيرة قبل أن يحل الظلام .. لن نبيت هناك و إنما سوف ننتظر بزوغ القمر و ننطلق من جديد .. هل رأيتم أحلى من السفر عبر البراري و القمر يعلو في السماء ؟ سوف ترون بأم أعينكم وهي فرصة ربما لن تسنح لنا بعد اليوم ..
لا تخشوا المنعرجات و الانحدارات السحيقة فالبغال لها من التجربة ما يجعلها تسير بكل اطمئنان ولو كان الطريق ضيقا .. حذار من أن يعلق نبات العليق المنتشر على جنبات الممر الضيق بذراعكم .. هو عبارة عن توت أسود اللون لذيذ الطعم .. يسميه أهل المنطقة "تيزلت"..
على مقربة من النهر يوجد منزل لأحد البدويين ممن شاركوا في الحرب الأهلية الاسبانية في أواخر الثلاثينات .. هو شيخ هرم وكله حيوية وميل للتنكيت و المرح .. سوف يحكي لنا عجائب من تلك الحرب التي سيق إليها الأهالي عنوة ليشاركوا في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل ..
القرى سوف يكون عبارة عن طماطم مسحوقة ممزوجة بالثوم و البصل و البهارات قبل أن تضاف إليها الكفتة على شكل كرات صغيرة ، وحين تصبح جاهزة يضاف البيض .. بالصحة و العافية ..
الشاي لا مفر منه .. لأنه المشروب الرئيسي هنا و في كل البلد .. قد تجدونه أكثر حلاوة ، لكنكم سوف تتلذذون بارتشافه .
استرحتم ؟ حسنا سوف أطل من كوة صغيرة لأرى هل بزغ القمر .. تعالوا و انظروا إلى جمال خلق الله .. بدر يسطع بين الجبال .. يذكرني المنظر بقصيدة القمر الأحمر المغناة :
خجولا أطل وراء الجبال /////// وجفن الدجى حوله يسهر .
لننطلق ولننظر إلى الروابي و الغابات و قد اصطبغت باللون الأبيض .. النهر يهدر من تحتنا و نحن نمر على الجسر .. لا داعي للخوف .. خرير المياه ممتع في هذا الليل الجميل .. من يريد أن يمتعنا بما تجود قريحته بشيء من الشعر أو الخواطر فليتفضل ..
بعد مسيرة ساعتين نقترب من الوصول إلى القرية التي جئت بكم إليها .. هدف الرحلة .. هي تسمى عند الأهالي بـ"المجرى" و الإسم يغني عن السؤال .. أما عند البعض و في الوثائق الإدارية فهي "أسيفان" ومعناها بالأمازيغية النهر الصغير أو مجرى النهر .. وتقع في قبيلة بني سلمان العربية بينما تقابلها على الضفة الأخرى من النهر قبيلة بني منصور العربية أيضا .. والطريق منها تتجه مباشرة إلى الساحل المتوسطي عبر مسالك وعرة أيضا ..
لقد وصلنا .. هنا عشت جزءا من طفولتي .. وفي الغد إن شاء الله ، سوف نقوم بجولة عبر القرية لأطلعكم على كل جزء منها يحمل من ذكرياتي الشيء الكثير .. لكنكم الآن تعبون من وعثاء السفر .. وسوف نفترش زربية وسط أحد الحقول المطلة على القرية بالقرب من المنبع لنتأمل القمر معا .. شيخ القبيلة من معارفي .. وهو يلح علي في استضافتكم هذه الليلة .. بل عدة أيام ..
تحياتي .
[/align]
|