رد: نقاط الأختلاف بين أرسطو وابن سينا في نظريات علم النفس ..
[align=center]3 . النفس صورة للجسم [/align]
النفس عند ارسطو جوهر، و لكنها جوهر ذو انواع مختلفة، فلابد ان نعرف النفس من اي انواع الجوهر هي عند ارسطو . ان قسما من اقسام الجوهر هو المادة، و هي مالا تكون بذاتها شيئا معينا، و انما لها قوة تقبل الاشياء فحسب . و قسم آخر من الجوهر هو الصورة التي تعطي للمادة فعليتها و تجعلها شيئا معينا . و القسم الثالث من الجوهر هو تركيب يجمع بين المادة و الصورة، و هذا ما يطلق عليه ارسطو اسم الجوهر الاول، و يرى انه اجدر بحمل اسم الجوهر، و هذا الجوهر هو الجسم نفسه .
والنفس، عند ارسطو، هي النوع الثاني من انواع الجوهر . بناء على ذلك، فالنفس صورة تتحقق في المادة و تمنحه الفعلية، و تخلق نوعا خاصا من انواع الجسم . و هذا ما يصرح به ارسطو في موضعين اثنين:
1- «النفس جوهر بالضرورة، اي انها صورة للجسم الطبيعى الآلي الحي بالقوة .»
2- «النفس جوهر بمعنى الصورة، اي انها ماهية جسم ذي كيفية معينة .»
و عليه، عند ما يقول ارسطو في تعريف النفس: «الكمال الاول للجسم الطبيعي الآلي» فانه يقصد بالكمال الفعلية ذاتها، اي الصورة، و قوله الصريح يدل على ان النفس صورة كمال . و هو يضيف الى ما سبق: «اماالجوهر الصوري فكمال، و عليه فان النفس كمال للجسم الذي له مثل هذه الطبيعة .»عندما يقول ارسطو في تعريفه المشهور ان النفس كمال الجسم الطبيعي الآلي، يعتبرالكمال مرادفا للفعلية، التي هي بدورها تعني الصورة .
اما الشيخ الرئيس فانه على الرغم من اعتبارهالنفس كمالا للجسم، و لكنه لايراها صورته، الا اذا اصطلحناعلى الصورة انها تعنيالكمال . على كل حال، الكمال في هذه الحالة هو المعنى الذي يعطي كل معنى غير محدود و لا معين، حدوده و تعينه، و بعبارة اخرى، يصبح الجنس، بانضمامه اليه نوعا، اي ان الكمال اعم من الصورة، اذ ان شرط الصورة هو ان تكون منطبعة في المادة، بينما الكمال قد يكون منطبعا في المادة و قد لا يكون . و لكن بمجرد تسببه في تحقق المعنى الجنسي المبهم و تعينه في صورة النوع، يثبت كماله .
بناء على ذلك، لا يرى ابن سينا معنى النفس منطبقا على معنى الصورة، و هذا ما يراه بعض الباحثين اهم ما في آراء ابن سينا فيالنفس، اذ ان هذا الراى هو الذي يؤكد ثبوت تجرد النفس و خلودها . و عندها يعتبر ابن سينا النفس في حالة ما، صورة، فانه يسرع الى تحديد قوله و تقييده، لكيلا يختلط ذلك بالصورة المنطبعة في المادة و الملازمة لها . فهو يقول ان الصورة نفسها اما ان او يقول ان النفس صورة و لكن بمعنى كونها كمالا، لان هوية الشيء تكمل بها . و هو يشرح في بعض مؤلفاتهالفرق بينالكمال و الصورة شرحا مفصلا، سوف نعرض خلاصة له:
اذا اعتبرنا النفس صورة، فلابدان نقارنها بالمادة التي تحل فيها النفس بحيثيحصل من اجتماعهما نبات او حيوان . اما اذا اعتبرنا النفس من حيث كونها وسيلة لحصول الجنس الذي يخرج فى صورة نوع، فلابدان نطلق عليها اسم الكمال . و ذلك لانه مادامت طبيعة الجنس لم يضف اليها فصل ما، تعتبر غير محدودة و لا متعينة، و لذلك فهي ناقصة، و باضافة الفصل تصبح محدودة و متعينة و كاملة . والفرق بين المادة و الجنس هو انه يشترط في المادة ان يمتنع امكان تصور اي مفهوم لها غير معنىالمادة نفسها، الا اذا كان فيها زيادة . اما تصور الجنس فلا يستلزم مثل هذا الشرط، بل يجوز ان يقترن بمعنى آخر و ان يتصور بمفرده . و لذلك فان المادة مغايرة للصورة التي تحل فيها، و يتكون من هذين الشيئين ماهية واحدة بحيثيكون كل واحد منهما جزءا من هذه الماهية، و لا يمكن حمل اي منهما على هذه الماهية . اما الجنس، فانه بالفصل الذي يضاف اليه، يمكن ان يكون مغايرا و ان يكون متحدا، اي بالنظر الى ان الجنس ليس له معنى محصل او محدود، فلا يشترط فيه ان يمتنع عن الاقتران بمعنى آخر، بل قد يمكن ضمه الى معاني متعددة، من دون ان تصبح هذه المعاني زائدة على ماهيته . و بما انه فد تحصل بالفصل الذي اضيف اليه، و ظهر في صورة معنى محدد و كامل، فانه يمكن حمله على هذا المعنى الكامل . و بعبارة اخرى، في تصور معنى الجنس يكفي الالتفات الى نقص ذلك المعنى و عدم تعينه و لزوم رفع النقص بضمه الى معنى آخر . اما معنى المادة، ففضلا عن كونه، مثل معنى الجنس، يتطلب الاقتران بمعنى آخر ليتحصل و يتعين، فانه مشروط فيه ان يكون هذا المعنى الآخر مغايرا للمعنى المحدود الخاص بالمادة، حيثيتكون من اقترانهما، او من حلول احدهما في الآخر، ماهية يؤلف كلاهما جزءا من هذه الماهية . و على هذا يكون الجنس اعم من المادة، و الكمال اعم من الصورة، اي ان كل صورة كمال و ليس كل كمال صورة .
وباخذ المقدمة المذكورة بنظر الاعتبار نقول: النفس عند ابن سينا كمال، لاصورة، و اذا ما سميناها صورة ايضا وجب ان نعني بها معاني الكمال . اي علينا ان ندرك ان المعنى غير المحدد و غير المتعين يصبح بها محددا و متعينا و يظهر في صورة نوع معين هي مبدا الآثار و الافعال . ان هذا المعنى غير المتعين هو جسم الكائن الحي، و النفس مبدا تعطي الفعلية للحياة بالقوة الكامنة فيه، و هذه الفعلية تسبب حصول المعنى المبهم للحياة في صورة نبات او حيوان او بصورة نوع معين منهما او كليهما . و عليه فلا يمكن اعتبار العلاقة بين النفس و الجسم هي علاقة الصورة بالمادة، الا اذا اعتبرنا الصورة كمالا، اي شيئا يزول به النقص من معنى الجنس و حصوله في صورة نوع، و يجعل ما كان بالقوة ذاتا بسيطة قائمة بالفعل .وعليه فان الكمال الذي يمكن تصوره بالقياس الى النوع يعني الجملة التي تظهر من انضمام مبدا بالفعل الى مبدا بالقوة كمصدر للآثار و الافعال . اما الصورة فيمكن فهمها بالقياس الى المادة، يعني بالنسبة للقوة و القابلية . و هكذا فان الكمال فضلا عن كونه اعم من الصورة، فانه اتم منها ايضا . و اذا قارنا النفس من هذه الناحية بالجسم، فليس ثمة ما يلزمنا ان نجعلها مقترنة بالجسم و ملازمة له، و ذلك لان كثيرا من مبادي الكمال خارجة من الاشياء نفسها، و بديهي ان هذه الكمالات لايمكن ان تكون بمثابة صور تلك الاشياء كان نصف الملك بانه كمال للبلد، او ان الربان كمال للسفينة، و ذلك لان الغاية الاصلية من البلد والسفينة بدون ملك و ربان غير حاصلة، و في الواقع ان البلد بدون ملك و السفينة بدون ربان انما هما يشتركان بالاسم فقط مع البلد و السفينة . مع ذلك يمكن ان ندرك بكل وضوح ان الملك مفارق للبلد و ان الربان مفارق للسفينة، اي ان كلا مبداي الكمال هذين خارجان عن شيئين ناقصين يكملان بذينك المبداين . اما اذا اعتبرنا النفس صورة للجسم من دون تقييد معنى الصورة بمعنى الكمال، فلابد من ان نعتبرها منطبعة في الجسم و قائمة بالشيء الحاصل من تركيبها مع المجسم، و على ذلك نخرج النفوس المفارقة من المعنى الذي قلنا به للنفس . اما اذا اصطلحنا على الصورة ان تقوم مقام الكمال، بخلاف الحرف المالوف، عندئذ لامناقشة في المصطلحات .
|