رد: نقاط الأختلاف بين أرسطو وابن سينا في نظريات علم النفس ..
[align=center]8 . اقسام العقل او درجاته [/align]
يرى ارسطو ان كل معرفة تبدا بالاحساس، و المقصود بهذا الاحساس هو مايحصل فى مكان و زمان معينين . وبعدان تبدا المعرفة بالاحساس تقع فى مجراها التحولي في تدرج متوال، و في هذا التحول تخرج كل درجة من درجات المعرفة منالمعرفة السابقة عليها . اى ان الدرجةالعليا منالمعرفة كامنة فيالدرجة الاسفل منها، و لكن بالقوه . فيالواقع ان مسالة المعرفة و مساله الوجود، مثل كثير من المسائل الاخرى، يمكن حلها باللجوء الى «بالقوه» و «بالفعل» . ما من معرفة كان لها وجود بالفعل من قبل، و لاهي خارجة منالعدم المطلق . فالمعرفة التي هي الآن معرفة بالفعل، قد نشات من معرفة «بالقوة» متقدمه عليها . اى ان الانسان قد بدا معرفتة بالاحساس الجزئي، ثم اسبغ الفعلية بالتدريج علىالمفهوم الكلي الموجود بالقوه في ذلك الاحساس . و لكن في الوقت نفسه لابدان نعرف ان المفهوم الكلي، فينظر ارسطو، ليس و ليد الاحساس و التخيل، بل لتقدم «بالفعل» على «بالقوة» . لضرورة بيان المراحل السفلى و المرحلة الاعلى - و هي من مبادئ فلسفة ارسطو - يجب ان نعتبر التعقل العلة الغائية للاحساس، و ان العقل هو موجد المفاهيم الكلية، او انه هو المفاهيم بعينها .
و علىالرغم من ان ارسطو يرى الحس مبدا المعرفة، فان رايه بشان المعرفة لايمكن اقامته على اصالة الحس، بل ان الاحساس بالاشياء الجزئية و جمعها و تاليفها في صور خيالية يعتبر من الشروط اللازمة لحصول المفهوم الكلي عندالانسان و استعداده لبلوغه، من دون تطابق مع ماهية هذا المفهوم او وجود هذهالماهية .
المسالة الاخرى التي يجب ان تطرح هنا هي ان ارسطو، بخلاف افلاطون، لا يقول بوجود «بالفعل» للمعقولات، بل يراها امورا يجب ان يتم تجريدها و توليدها من مادة المحسات و المتخيلات، و ان العقل، من حيث كونه انه هو الذي ينقل المعقولات الى «بالفعل» فانه هو نفسه يتحقق بالفعلية ايضا . اذن لابد هنا من القول بوجود عقلين متميزين، او وجهين متميزين للعقل، يطلق على احدهما مفسرو فلسفة ارسطو اسم العقل الممكن، او العقل القابل، اوالعقل المنفعل، و يطلقون على الثاني اسم العقل الفعال .
ولكن بالنظر للابهام الموجود في اصل اقوال ارسطو ، فقد طرا سؤال عما اذا كان احد ذينك العقلين خارج النفس الانسانية، او ان كليهما حال فيها؟ فاذا فرضنا صحة الشق الثاني من السؤال، فهل هذان العقلان منفصلان احدهما عن الآخر و كل منهما مستقل عن الآخر، ام انهما يوجدان وحدة واحدة بينهما؟ اي ان للانسان عقلا واحدا فيه جانبان متميزان .
يقول ارسطو في كتابه «في النفس» بعد بيان ضرورة التمييزبين المادة و العلة الفاعلة: «اذن يجب ان نقول بوجود هذا التمييز في النفس ايضا، فمن جهة نميز فيها عقلا يكون اشبه بالمادة لانه يصبح هوالمعقولات كلها، و من جهة اخرى نميز عقلا آخر اشبه بالعلة الفاعلة، لانه يحدث كل ذلك بصفته ملكة تشبه النور، اذ بمعنى من المعاني يقوم النور بتغيير الالوان بالقوة الى الوان بالفعل . و هذا هو العقل الذي لكونه فعلا بالذات، يكون مفارقا و غير منفعل و خاليا من الاختلاط .»
ان في اسلوب هذا الكلام المجمل ما يجعل الاحتمالين جائزين بالنسبة للعقل . اما ابن سينا و بعض شارحي فلسفة ارسطو، كالفارابي و ابن رشد، فيضعون العقل الفعال خارج النفس و يقولون انه مستقل استقلالا جوهريا عن النفس . ولابد من القول ان ابن سينا يشير الى عقول خمسة هي: العقل الهيولائي والعقل الفعال، و العقل بالملكة، و العقل بالفعل، و العقل المستفاد .
و في «الاشارات» يشرح ابن سينا العقل قائلا: «من قوى الانسان الاخرى قوة تحتاجها النفس لاكمال جوهرها حتى تستطيع ان تبلغ مرتبة «العقل بالفعل» . اذن، فالمرتبة الاولى هي قوة الاستعداد الى جانب المتلقيات العقلية، و هي مايسميه بعضهم «العقل الهيولائي» و تليها قوة اخرى تكون للنفس عندما تحصل لها المعقولات الاولى لكي تتهيا لاستقبال المعقولات الثانية . ان استقبال المعقولات الثانية اما ان يكون بالتفكير اذا كان ضعفا، مثل شجرة الزيتون، و اما ان يكون بالحدس، مثل زيت الزيتون . و اذا كان اقوى من التفكير يكون اسم النفس في هذه المرتبة «العقل بالملكة» و هو مثل الزجاجة، و نفس الشخصية العظيمة التي تصل في هذه المرتبة الى القوة القدسية يصدق عليها «يكاد زيتها يضي ولو لم تمسسه نار» ثم بعد هذه المرتبة تحصل للنفس قوة و كمال . والكمال هوان تكونالمعقولات بصورة مشاهدات فيالذهن، وهي في تفتحها تكون اشبه بالنور على نور . اما القوة فهي ان تكون المعقولات الحاصلة و التي انتهى تلقيها مثل المشاهدة، كالمصباح . ويدعى ذلك الكمال العقل المستفاد، و تدعى هذه القوة العقل بالفعل . وما يوصل النفس من العقل بالملكة الى الفعل التام، و من [الهيو لائية] الى بالملكة، هو «العقل الفعال» و هو مثل النار .
|