رد: للنيل وللبلاد
أوقاتك زهر بساتين يافا وياسمين الشام
سيدتي الغالي الأديب الرائع عبد الحافظ بخيت
أراني أيها المبدع القدير أتكئ على إحدى حواف كرسي خشبي عتيق ووجهي باتجاه الماء
بموجه الأسمر الجميل يتهادى في غنج ودلال وكأنه ينظر نحو وجوه الناظرين إليه والشاكرين
وهو يعلم ، انه النعمة التي ادخرها الله لعباده المنتشرين على طول مجراه منذ ما قبل التاريخ بتاريخ
وتشاء الصدف أن التقيك في نفس المكان .. وقبلتي كانت قبلتك لساعات تأملنا فيها لساعات دون أن ندري !
فأنت لا تكلم أحدا غير ذاك النادل الذي حفظ قهوتك وكميات السكر التي تحملها كؤوس الشاي
التي غالبا ما تبرد قبل أن تشربها يُلهيك عنها حبر و ورق ..
أما أنا يا سيدي فملحاح .. لا يشبع رغبتي حديث تافه ، عابر ، ولا لطف زبون يسألني من أين ..!
فنشّنت بعيناي عليك .. وتحينت الفرصة لأجد مدخلا يقربني للحديث إليك ..
وكأني بك قد فهمتني بفراسة بدت على محياك .. ففتحت لي القلب قبل
ثغرك بابتسامة لطيفة قربتني منك وم ثم سألتني : ما سرّ أسباب تأملك انت لوقت طويل ... ؟
فقلت لك .. ما زلت أذكر : آه يا سيدي .. النيل .. والتاريخ .. ومصر .
فمصر التي في خاطري وفي دمي ، هي – واعذرني أيها العزيز – هي اليوم ليست كما كانت بالأمس القريب
برغم أني ما زلت أحبها من كل روحي ودمي ... وبرغم أن لسان الشعب فيها يقول :
" لا تبخلوا بمائها على ظمي واطعموا من خيرها كلّّ فم ... "
تأثرت بك يا سيدي ... وجدت في مقلتيك دمعة عزّت عليّ لكنها حدثتني بما لم تقله ولا تريد ..
فأدرت معك رأسي باتجاه الماء حين اقترب منا شخص ما .. ودون أن تستدير باتجاهي قلت :
دعك منه إذا حدّثنا فهو فضولي مثل غيره وسيذهب بعد ألا يرى منا مجيب ..
فقط ابقي بعيناك على ذاك الشراع ودعنا نستغرق بالتأمل فهو نعمة منّ بها الله على عباده
الذين للعقل مستخدمين ، وبعد ذلك إن شئت نتحدث ونحن نشرب أكواب الشاي ..
سُرّت نفسي ولا تتصور كم فقلت لها ابشري :
أنت في حضرة أديب مبدع إنسان كما اراد له الخالق أن يكون فكان
ووجدت فيه ما تبحثين عنه في ارض الحبيبة مصر ..
فاهنئي ، وأسعدي ، وأطربي ، وأمني ... فغير هنا الأمان محال .
|