عرض مشاركة واحدة
قديم 22 / 04 / 2010, 12 : 03 AM   رقم المشاركة : [85]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

[align=justify]
30


كم من الوقت لبثنا ننتظر هدوء العاصفة ؟ لا أدري .. ربما لأني كنت في غيبوبة ولا أفقه ما يدور من حولي .. كنت مشتت الذهن ، شارد الفكر .. وفي لحظات استرددت فيها وعيي ، كنت أحدق في الظلام الذي حل ، منزعجا مما قد يسببه تأخرنا عن البيت من قلق لأسرة حليمة .. حليمة نفسها لم يكن يبدو عليها أنها في أتم وعيها .. كنت أسترق النظر على وميض البرق إليها فأجد عينيها ساهمتين وكأنها تحلم ..
الآن هدأ كل شيء .. ومرت العاصفة تاركة سكونا تاما .. إلا من رقرقة الجداول و السواقي التي اندفعت في نشوة نحو الوادي .. وبدت السماء متلألئة من جديد بنجوم تنتشر عبرها كأنها لآلئ .. وحين أحدق مليا إلى الأعلى ، أجد بعضها على شكل ضباب يغطي مساحة شاسعة من الفضاء .. هل نسير في هذا الظلام الدامس ، أم ننتظر الصبح ؟ .. في كلا الحالتين ، لن أشعر بالاطمئنان . أريد أن أتزحزح قليلا لكني لا أريد أن أزعج حليمة وهي مستندة برأسها على كتفي .. أحس بأنفاسها وأعود لأحدق في الظلام أمامي في الأفق لعل وجه الراحل يطل من جديد و أتفحص ملامحه .. حليمة بدورها تنظر إلى الأفق .. هل أؤاخذها إن فعلت ذلك ؟ .. ما شأني بها و ما دخلي بعواطفها .. ما يهمني هو احترام ذكراه و الاطمئنان على أنني لم أقم بشيء يسيء إلى هذه الذكرى .. وفي لحظة ، فاجأتني حليمة و رأسها لا يزال مستندا كتفي :
- هل رأيته أنت أيضا ؟
- نعم .. لكنني لم أتبين ملامحه جيدا .. و أنت ؟
تنهدت طويلا ولم تجب ..
- كان يحبك كثيرا .. لكنه كان يائسا ..
رأيتها تطرق .. هل أثرت أشجانها .. يا لي من غبي .. بل يالي من سادي أتلذذ جراح الآخرين ..
- اعذريني .. لم أكن أقصد تذكيرك بالماضي .. قولي لي .. هل تعرفين الطريق جيدا ؟
- لماذا ؟ هل أنت مستعجل ؟
- لا .. ولكني خائف مما سوف نسببه لأسرتك من قلق ..
سكتت قليلا وهي تلتفت حولها ..
- اسمع .. منذ زمان و أنا أتوق لأعيش مثل هذه اللحظات بين الطبيعة ليلا .. بعيدا عن البيت و ضوء الشموع و الفنانيس .. وها قد واتتني الفرصة لأفعل ذلك .. ما ضرني لو قضيت ليلة أرتع و العب على هواي ، قبل أن أعود إلى البيت و أنهمك في العمل ؟ .. هذه الرحلة جعلتني أحيا من جديد وأستعيد حيويتي بعد فترة كدت أموت هما و غما ..
كنت أستمع إليها متعجبا من تعابيرها ، وكأنني كنت أستصغرها في نفسي فلا أرى فيها سوى بدوية ساذجة لا تعرف من الحياة سوى الحقل و أمور البيت .
رأيتها تتجه إلى الجدول الصغير بالقرب من الكهف و تغوص قدماها الحافيتان فيه .. كنت أحس بتأجج مشاعرها في تلك اللحظة وكأني بها كانت تريد إطفاء جذوتها الملتهبة في أنحاء جسدها .. فجلست أتأملها و أتابع حركاتها بفضول .. حتى إذا انتهت من طقوس لهوها البريء عادت إلى جانبي وجلست .. كان القمر قد بزغ .. غير أنه لم يكن يبدو منه سوى نصفه ونحن في بداية العشر الأواخر من الشهر .. بدت لي ملامحها تحمل كل البشر وقد افترت شفتاها عن ابتسامة مشرقة .. ثم التفتت إلي وقالت :
- الآن .. يمكننا الذهاب .. الطريق واضحة .. هيا بنا .. سترى كيف هو ممتع السير ليلا ..
- أعرف .. فقد جربته من قبل ..
- أراك منقبضا قليلا .. هل ندمت على مجيئك لمرافقتي ؟
- لا .. بالعكس .. ما الذي يدعوك لقول هذا ؟
- لا شيء .. في الوقت الذي أشعر بمتعة السير ليلا وسط القفار ، لا أراك تحس بنفس الشيء ..
- لا أخفيك أنني لا زلت .. اقصد .. لا زال ذهني منشغل بـ...
قاطعتني قائلة :
- المفضل ؟ .. رحمه الله .. هذا وفاء منك .. لكن هل معنى هذا أنك ستبقى طول حياتك مرهونا بذكراه ؟
صدمني قولها لأول وهلة ، لكنني بعد تفكير و تأمل وجدت أن عقلها هو الذي يتحدث .. وبدأت أحس بوخز الضمير يتلاشى ويحل محله شعور بالحبور و اللهفة على الحياة ومتعها بعيدا عن كل ما يعكر صفوها .. وعدت أنظر إلى الأفق الصافي و قد زادته هالة القمر بهاء .. فلم يبد لي شيء .. تنفست الصعداء و ذهبت حيث ربطت البغل بباب الكهف ، ثم انطلقنا أنا وحليمة جنبا إلى جنب .. وفي كل خطوة أخطوها ، كانت تتمثل لي غادتي وقد علت مسحة الحزن وجهها و عينيها النجلاوين .. لكني كنت عاجزا عن التفكير و إدراك ما يعتريني من أحاسيس متضاربة .. وجدت نفسي أوغل في متاهة لا نهاية لها .. غير أنها متاهة مرصعة بشتى الألوان .. كنت أسير و أشعر أني محاط بدوامة من آلاف النجوم .. هل علي الآن أن أتخذ قرارا و أحسم أمرا صار أكثر إلحاحا ؟ .. أم سأبقى هكذا مترددا فأخسر كل شيء .. هل أعود إلى عشي من جديد و أقضي بقية عمري هناك بعيدا عن الحب و معاناته أم أستسلم لهذه الموجة العاتية التي أشعر بها تجتاحني وتجرفني إلى هاوية لا قرار لها دون أن أستطيع مقاومتها أو السير عكسها ؟
لم اعد اسمع إلا وقع أقدامنا و هي تطأ بعض البرك المائية فتحدث صوتا خافتا بينما حوافر البغل تحافظ على إيقاعها الرتيب. يتناهى إلينا نباح الكلاب من بعيد فأعلم أننا قاب قوسين أو أدنى من الوصول ويشملني انقباض لا ادري سببه .. أيكون قرب وصولي إلى البلدة و مروري أمام قبر صديقي من وراء كل هذا الانقباض المفاجئ ؟ أم أن نفسي استلذت الرحلة و صارت تتوق لأن تطول ؟ .. لكن ظهور بعض المنازل و الأكواخ إلى جانب المنبع قطع علي تفكيري وصرت أتساءل في قرارة نفسي كيف سيكون دخولنا في هذه الساعة و الكل نيام .
لم يكن يبدو على حليمة أنها منشغلة بما أنا فيه .. توقفت فجأة وقالت مبتسمة :
- لن نستطيع دخول البيت الآن .. فلا أحد مستعد ليستيقظ كي يفتح الباب .. هيا بنا فوق الدويرة لننتظر .. أظن أن الفجر قريب ولن يطول انتظارنا ..
صعدنا سلالم ضيقة من الطين وافترشت حليمة أغطية و جلودا كانت مكومة قرب إحدى النوافذ ..ثم جلسنا ننظر أمامنا . صياح الديكة يوحي فعلا بأن الفجر قريب رغم ظلمة السحر .. الجو ليس باردا و السكون تام .. كنت أفكر في شيء أقوله لأبدد الصمت فلا أجد شيئا .. إلا أن حليمة انتزعتني من حيرتي قائلة و بدون مقدمات :
- هل حقا تريد مغادرة بلدتنا ؟
- سأكون مضطرا لذلك طال الزمان أم قصر ..
- ولم ؟ هل ينقصك شيء هنا أم أنك مللت منا ..
- لا تقولي هذا .. فأنت تعلمين مدى معزتكم عندي .. و أنا مدين لكم كما تعرفين .
- هل اشتقت لعشك الدافئ ؟
التفت إليها مندهشا .. كيف علمت أنني قدمت من عشي ؟ المفضل ؟ لا أعتقد ..
- لا تندهش .. فقد اطلعت أثناء مرض المرحوم على ما كنت تكتبه .. لا تحسبني أمية ..
أطرقت ساكتا لا أحير جوابا ..
- ألا زلت تحبها ؟
ارتج علي ولم أعد أدري ما أقوله .. يا لجرأتها .. لكن .. هي محقة في سؤالها الذي لا زلت لم أجد له جوابا .. هل لا زلت أحبها ؟ أم أنها في طريق التلاشي من ذهني و من قلبي .. نظرت إلى الأفق فإذا به كفوهة بركان .. هو الفجر إذن .. نظرت إلى حليمة فوجدتها تنظر إلي بدورها .. لبثنا لحظات نحدق في عيني بعضنا البعض وكأننا نحاول أن سبر أغوارها و نستشف ما وراء نظراتنا .. أستطيع القول رغم ما أصاب ذهني من بلبلة أنني وجدت في عينيها بريقا غريبا لم أعهده قط فيهما .. بريق ذكرني بغادتي حين تواعدنا على اللقاء على ضفة الغدير في تلك الليلة الممطرة قبل أن ترحل ..
- هل سترحل ؟
في سؤالها إلحاح .. بل رجاء و ضراعة كي لا أفعل .. نظرت إليها من جديد فوجدت عينيها تتوسلان .. حاولت قول شيء لكن الحركة دبت في المنزل و ظهرت أشباح تسير هنا وهناك .. نهضنا إلى الباب حيث وقف الأب يتثاءب .. رآنا فأقبل نحونا مبستما :
- الحمد لله على السلامة .. متى وصلتما ..
قبلت حليمة يديه دون أن ترد .. بينما شددت على يديه قائلا :
- لم نشأ أن نزعجكم .. كنا هنا قبل الفجر ..
- حسنا .. سنصلي الفجر إن شاء الله و نتناول الفطور . سيكون يوما جميلا كما يبدو . إيه .. نسيت ..كان عندنا ضيوف أمس.. بل قل ضيفة .. جاءت و سألت عنك .. حاولنا استبقاءها لكنها لم تقبل وانصرفت بعد أن استراحت ..
نظرت إلى حيث كانت حليمة تستمع إلى أبيها بفضول كبير .. تبادلنا النظرات .. أشاحت بوجهها عني و دخلت البيت .
[/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس