رد: رسالة إلى صديقة
للمرة الثالثة لم تنجح في رسم زنبقة الماء التي تريد، لقد رأت أن الخطأ في الأبعاد لا في الشكل و لا في الألوان هذه المرة.
الزنبقة التي رسمتها كانت في نظرها تفتقد للواقعية و الإقناع.
تنحت، تأملت اللوحة جيدا وتأكدت من عدم رضاها قبل أن تضع ما بيدها و تستلقي على الأريكة البنية.
مالذي يجعلها متمسكة برسم زنبقة الماء ؟ حاولت أن تنبش في ذاكرتها ولا شعورها لعلها تجد سببا وجيها.
هناك في ذلك المكان الذي لم تدرك جغرافيته وقعت عينها على فارس غريب يمتطي حصانه وهناك سمعت ماسمعه.
أنشودة شجية تنبعث من وسط الغابة؛ تتبعها أوصل الفارس إلى البركة.
مامن زعنف يتحرك، لاشيء على الماء غير بضع زنابق مائية .
ترك الفارس حصانه على الضفة، خلع ثيابه ودخل البركة، إقترب من الزنابق أولى وثانية وثالثة وعند الرابعة توقف.
مد يده إليها ولامست هي الأبعاد عن قرب .
توقف الغناء واحتار فيما يفعل .
نظر خلفه ولاحظ أن الضفة بعيدة وأن الحصان قد غاب.
الزنبقة في يده تقول شيئا ما، إنها تحدثه هو المقصود لاأحد غيره في الجوار، لازعنف يتحرك ولا يعسوب يطير :'هناك امرأة تنتظرك ، امرأة تستلقي الآن على أريكة جلدية ؛ تنتظرك بثياب جديدة بعد أن تخرج من البركة وتقطع الغابة و تعبر الوقت '.
Nassira
نصيرة وكما وعدت يا غالية أنا أعود إليك بأوقات الفرح .. أنا أعود إليك وفي جعبتي حكاية جديدة من حكايات ألف ليلة وليلة ..
لا تسأليني من أين أتيتُ بزنبقاتك المائية وكيف التقيت بخيول طراودة ؟
فأنا أبحث عنك وفيك جيدا ً ..
أنا يا نصيرة أسبر أغوار الحروف جيدا ً وأعلم تماما ً متى يضيء وميض العشق بسمائها ومتى ترعد سمائها ومتى تركض هذه الزنبقات خلف السحاب لتصطاد منها غيمة لها كتبت باسمها تنتظر لحظة الميلاد .
نصيرة ماذا لو كان خيل واثنان وثلاثة وأربعة .. ماذا لو كانوا فرسانا ً لجميع زنبقات الماء ؟
ماذا لو كنا أمام ثورة عشقية تجتاح هذا الكون .. وتحتل قلوب جميع العذارى ؟
ماذا لو كانت ثورة جديدة وحرب مختلفة واحتلال آخر غير ما عهدته البشرية ؟
ماذا لو أصبحت قلوب زنبقات الماء هذه جميعها تحتلها فرسان العشق وخيوله وترفع راية الحب مرفرفة في سماء هذا الكون ؟
نصيرة .. قولي لي .. أجيبيني ..
لماذا تغار الطبيعة من توائم الحب ؟
لماذا يكفهر لونها وترسل رياحها الصفراء لتصفعنا .. لماذا تزمجر رياحها غاضبة منا .. لماذا تصرّ هذه الطبيعة على أن تحكم الكون وتقبض عليه بين أسنانها ؟
وهذه الزنبقات المائية التي تحلم بنسمات عشقية جديدة تغير فيها ملامح الكون .. ما هو ذنبها ؟
ما هو ذنبها إن اشتاقت لربيع دائم وخضرة دائمة وجداول مياه عذبة تركض في روابيها ؟
ما هو ذنبها إن رغبت أن تعبر خيوط الشمس الأرجوانية كل صباح من نوافذها وأن تستقبل العصافير الغريبة على شرفة النهار وأن تنتظر القمر كل ليلة ليصافح انتظارها ويبارك مساءها ويتلو لها تعويذة ليلية تقيها شر الكوابيس التي تلقيها إليها رياح الطبيعة ؟
لماذا تصرّ الطبيعة على أن تغير ملامحنا .. لماذا تصرّ على أن نوصد شبابيك قلوبنا جيدا ً في وجه شمس النهار وأن نسدل ستائر المساء في وجه القمر القادم إلينا من غياهب السماء ؟
لماذا تسنّ قوانينا عجيبة تمنع فيها استقبال العصافير الغريبة على شرفة القلوب .. من قال أن القلب يُسكن حسب الهوية وجوازات المرور ..
من قال أن القلب لا يسكنه العابرون في محطات العمر ومحطات الحياة ؟
من قال أن القلب لا يحتله فرسان ظهروا في وضح النهار .. خلعوا عنهم عباءة الحكايات القديمة .. ترجلوا عن فُرس تعطلت قوائمها عن المسير وغاصوا في مياهنا الباردة ليحملوا بين أيديهم وفي طيات قلوبهم زنبقات مائية جارت عليها الطبيعة ومنعت عنها قوانين الحياة ؟
من قال أن هؤلاء الفرسان لا يحملون بين أيديهم الحياة ومن قال بأنهم راحلون فيما بعد ومن قال أنهم عابرون ومن قال أن القلب يُسكن حسب قوانين الطبيعة الجائرة ؟
نصيرة ..
هذه الزنبقات عرفت طريقها إلى الحياة .. عرفت طريقها إلى الخلاص .. وهي الآن تعلن استقلالها عن هذه الطبيعة الجائرة وتستعد لإستقبال حلمها الجديد الذي لا ولم ولن يمر بخارطة الطبيعة ..
حلما ً تنسجه لها أنامل الشمس .. تحمله لها عصافير الحب .. تطير من حوله فراشات ملونه بحجم الكون .. تباركه السماء ويضيء قنديل ليله قمر المساء .. فلتهدأ الطبيعة ..
لتسكن الطبيعة ..
لتصمت الطبيعة ..
هذه إحدى الثورات العشقية التي لن تستطيع أن تقف في وجهها مهما زمجرت رياحها الصفراء .. مهما عربدت .. مهما ثارت براكينها .. فهي مجرد زوبعة في فنجان ..
هنيئا ً لزنبقات الماء يا نصيرة .. هنيئا ً لخيول الحب .. هنيئا ً للفرسان العابرين ..
وهنيئا ً لفصل جديد من كتاب الحكايات تنحني لفصوله هامات الطبيعة وترفع عن رأسها مليون قبعة .
|