27 / 04 / 2010, 54 : 08 PM
|
رقم المشاركة : [1]
|
مشرف - مشرفة اجتماعية
|
محمود درويش تحرجني الكلمات... ويقتلني الحنين إليك - الأديبة مادلين اسبر
[frame="14 98"]
دمشق
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الخميس 21 آب 2008
مادلين اسبر
محمود درويش تحرجني الكلمات... ويقتلني الحنين إليك
ماأصغر المفردات وهي تتحدث عنك.. كلما مر الوقت تزداد فجوة الحزن عمقاً
ما اصغرني وأنا أنعيك أيها الفارس الغائب الحاضر المعتق بالهوى لهذا التراب أيها السنديانة الرائعة التكوين الخارجة
عن كل قوانين الأرض الراسخة في اعماق اعماقنا... بتلافيف أدمغتنا في تاريخنا في مفرداتنا في تفاصيل حياتنا الصغيرة والكبيرة حتى في هزائمنا
مااغربك أيها الموت كيف استطعت وكيف طاوعك قلبك أن تأخذ نوراً نهتدي به في عتمة ظلمة وحدتنا...
آه وألف آه لوكنت من الذين يقفون بوجهك لمنعتك في تلك اللحظة الهاربة وأنت تتسلل إليه كاللص
لقبضت عليك ومنعتك وسجنتك أما كان الأجدر بك أن تتأخر قليلاً.
أي قبر سيتسع لكل هذا الحنين لكل هذا الأنين وهذا القلب وهذه الروح وهذه التراتيل وهذا الصوت الطالع من فضاءات كثيرة.
من الذي اغمض عينيك في تلك اللحظة، من جفف هاتين الدمعتين الحزينتين اللتين انحدرتا على خديك وأنت ترتمي
على اريكة لايتسع لها لا المكان ولا الزمان من الذي قبل شفتيك القبلة الأخيرة.
كيف لهذا الحنين أن يذهب مع الضباب بعيداً بعيداً مع الغياب وأنت تموت في غرفة باردة وبلاد أشد برودة....
وتحن حتى اللحظة الأخيرة الى خبز وقهوة ورائحة أمك لو كان لتلك الأم ان تبصر الآن الرابطة التي بين فراشها
وهي تلدك في تلك القرية الصغيرة (البروة في الجليل الغربي) وبين سريرك الوحيد الأبيض الصغير البارد في مشفى (هيستون)
بولاية تكساس لو كان لها أن ترى قطرات الحياة وصراخ الرؤية الأولى التي انبعثت في رحمها ومنه تلك الليلة تغور الآن
وبعد سبعة وستين عاماً في رحم الموت في رحم الزمان الكئيب وفي بلاد محوطة بكل شياطن الأرض لتحولت بهجتها وفرحها
الى رعشة خانقة ولعادت الى قلبها وروحها آلام المخاض لو كان لأمك التي تحن إليها والتي تخجل من دمعها حتى في ساعة موتك
والتي غامرت بحياتك مرارا لأجل أن ترى عينيها أن تتلمس الآن الآن حبال الروح الخفية التي تربط ولدها بكل شعوب الأرض
وحتى بأرواح لم تحضر بعد بل مازالت خلف ستار الكون لو كان لها أن تتلمس تلك الحبال السرية التي تذهب الآن مع الغياب
مع الضباب مع قطرات الندى لتوقف نبضها عن الحركة وماتت حزينة كئيبة وحيدة.
أيها الفارس اللاعب المترجل الآن من أعلى صهوة للإحتضار، الكاتب أبدا أنشودة، أزلية لم يهزمك الموت، ولن يهزمك حتى بموتك،
فأنت تحيا الآن وغدا وبعد غد وإلى اخر الأزمان...
يامن كنت ترى مالانراه، وتشعر بما لانشعر به، ويسكن خيالك عوالم غير عالمنا الأرضي فتترجم تلك الرؤى والمشاهد المحجوبة عنا
بتراتيل شعرية ونثرية يقرؤها ويسمعها الناس وهم مصابون بالدهشة...
دعنا الآن ندفئ أرواحنا الباردة التي جف دمها بتلك الكلمات، ونحن نلبس ثياب الحداد ونناديك...
(من الأزرق يبدأ البحر) ومنك درويش تبدأ المفردات أيها العربي الأول الذي سجل في رأس الصفحة الأولى أنه عربي...
هذه هي جثتك نلتقطها الآن وكما قلت دائما نفرغك من القمح ونأخذك الى الحرب...
كي تنهي الحرب وكي يولد في الزمن العربي (ربما) نهار جديد.
ما أصغرني وأنا أنعيك أيها الفارس...أيها الراحل... أيها العاشق أبداً... فنم ... نم ياحبيبي نوما هادئاً واستفق في آخر المدى...
نم فنجمة الصبح ترعاك وكل الأقمار رعاة لك وحرس،... نم ياحبيبي فالفجر يطل حزيناً والشمس لن تشرق ولاالقمر والنجوم،
فهم يتناوبون الحراسة عليك، يكافئونك الآن لأنك كنت حارسا للوطن للكلمات في البراري، في البساتين.
وكروم الزيتون واللوز والبرتقال والمرافىء نم فكلها تدفنك. فالقبر أبدا لم يكون دافئا ...
نم ياحبيبي في أمان وسلام. هاهو الظلام يزحف إلينا من كل ناح وهانحن أصبحنا بدونك؛ عصافير بلا أجنحة ...
نم ياحبيبي غدا ستأتي ورد خزامى وحبقا وياسميناً وأقحواناً وعطرا وزهر لوز وخبزا وزعترا ...
فشمس بلادي وتراتيلك خالدان الى الأبد...
محمود درويش.. نم... فنجمة الصبح ترعاك[/frame]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|