رد: رسالة إلى صديقة
نصيرة يا غاليتي
ما بيننا ليست ردودا ً مفتوحة بل قلوب مشرعة على الحب والوفاء والحلم ..
تكتبين لي في وقت أمارس فيه الهروب إلى اللاشيء ! .. ولست نادمة .. لأنه على هذه الأرض ومع بالغ احترامي لشاعرنا الكبير محمود درويش على هذه الأرض لا يوجد ما يستحق الحياة ..
على هذه الأرض أرض تخلو من الحياة .
غادة السمان وغيرها من النساء اللواتي احترفن الكلمة واحترقن بالكلمة هن في نظر هذا الكون ورجال هذا الكون بقين مجرد نساء .. مستضعفات .. باكيات .. شاكيات .. متذمرات ..
لم تستطع كلماتهن الحارقة أن تخرج رجالنا من أقفاص الذكورة وظلت النظرة إلينا تنطلق عبر نوافذ هذه الأقفاص .. وبعد رحلة من العناء والضنك للمطالبة بالمساواة في الحقوق مع الرجل فقد وصلن إلى أن هذا الرجل مخلوق غريب يرفض أن تشاركه هذه الحياة أية امرأة لا تحمل صفة الجارية .. يرفض أن تكون العلاقة التي تربطهما ببعض سوى علاقة السادة بالعبيد وليس فقط السادة بالجواري الحسان اللواتي أغرقن حكايات ألف ليلة وليلة .
تكتبين لي من نافذة المرض .. هذا لأن الإنسان تحت وطأة المرض يكون أكثر صدقا ً .. أكثر شفافية .. أكثر صراحة .. أكثر ألما ً .. أكثر تحررا ً من القيود التي تفنن هؤلاء السادة بصنعها لنا .
كنت أحاول لملمة أطراف قصيدة جميلة ولدت بقلبي .. حاولت أن أنسج لها قافية جميلة بلون الورد .. أن أزرع عرق من الريحان في ذيل كل سطر فيها .. ماذا حصل ؟ أندلق الحبر فأغرق القصيدة وأغرق الريحان وأغرق قلبي بسواد لا ينبت فيه أي لون للفرح ..
هربت اليوم إلى البحر .. أشكو له هذا الزمان الذي يأكل كل شيء جميل في حياتنا دون أن تبدو عليه مظاهر الشبع أو الامتلاء .. متى يشبع هذا الزمان من ابتلاعنا دون هضم حتى .. متى يصاب بعسر هضم ويتبع حمية شرسة يغيب فيها عنا ونرتاح نحن من غول اسمه الزمان ؟
الآن لا أحتاج لمحبرة ولا أحتاج لحبر لأنني اكتشفت بكل بساطة أن هذا الحب المنثور على أرضية هذا الزمان لا يصلح للاستهلاك البشري .. هو باختصار شديد طُعم كالذي يرمى للأسماك في البحار حتى يسهل صيدها وابتلاعها ومن ثم البحث عن أسماك جميلة صغيرة ملونة براقة تشبع هذا الغول الذي اسمه الزمان .
لا تقولي لي أنني يائسة أو متشائمة .. لا تنسي أن الحبر أغرق كل أوراقي لذلك صعب جدا ً عليّ أن أجد مساحة بيضاء أرسم لك فيها ابتسامة بالألوان .
لا أعلم إلى أين المسير ؟ لكننا في هذا الكون نحتاج هدنة .. نحتاج مصالحة .. نحتاج اعتراف من هذا الزمان بأننا لنا وجود .. من حقنا أن نتنفس من أكسجين الحياة .. من حقنا ألا نكون طعما ً للأسماك أو أن نعلق كأزهار للزينة .. من حقنا أن نعيش هذه الحياة إن كان فيها فعلا ً ما يستحق الحياة ..
وبالنهاية كلمة أخيرة أوجهها لرجال هذا الزمان .. يا رجال الكون نحن نساء هذا الكون مثلكم .. نريد أن نحيا معكم وبكم وليس تحت إمرتكم .. متى يصبح حبركم ملونا ً ومتى تحطمون أقفاص الذكورة وتنتقلون معنا إلى حدائق الحياة .. متى ؟
نصيرة سلامتك يا حبيبتي .. باقة من الريحان الذي لم يطله الحبر أهديها إليك يا أجمل نساء الكون .
|