[عبد الحافظ بخيت متولى]

اقتباس   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد حجار [gdwl] الأول من أيار/2010 أيّـــار عَــاد يـا للغـروبِ وساعــةَ النزف الأخــيرِ قلمي تكسَّــــرَ في الشهيقِ وفي الزَّفيرِ أعــدو عــلى حـبــلِ الــزمــانِ كـــأنــــه سِـــرُّ السكــــونِ ينـــــامُ ملتحفـــا سـريـــري أيّــــارُ عـــادَ بِــلَــــونِه المصلــوب في أشـــــلاء ذكـــــرى نظـــرةِ الوطنِ الأسيرِ أيّـــــارُ والعمـــــال تـلـــــهــــثُ خـَـــــــلــفــــهُ والدَّمُّ يُسكـــبُ في كـــــــؤوسٍ مِــــن أثيــــرِ نـــجـــــمٌ هـــوى مـن قـريـةٍ كانت هــنـا بستانها المشنـــوق في حـــبــــل الأمــــيـــرِ رُسِمت على أهداب حسناءِ مَضت أصواتُ بـلـبــــهِ يـــغــــردُ للـهجـــيــــرِ حــــيــــفــــا الصحيفـــة واليراعُ مُكسَّـــرٌ قـــمْ وانسجِ الكلمـاتِ مِـــن حبِّ الشعيرِ قُــــمْ واسكب العَبَراتِ صمغاً فوقها وارفقْ على الأسماء وأصرخ لا تثوري واتــــــركْ لمـــــــرحــــــلـة الهزيمةِ بـــرهــــا واستصـــرخِ الــدَّمَّ المُـــعتَّـــقَ في القـــبــــورِ ********* حسناءُ هـذا العصرِ تفتحُ ساقها وسْطَ الغـزاةْ والقمةُ الحانوتُ تَخصي كل مَـنْ نَكَحَ الثباتْ والرملُ في الصحــــراءِ طَهَّرهُ رحيقُ الموبقـاتْ ******** في جـــعـــبـــة الليل انـــطفــاءٌ أو غطـاءٌ للحقيقـةْ ثَمِــــــلٌ يُفتشُ كـــأســـهُ عـــــن لحـــنِ أغنيةٍ عتيقــةْ سيفيقُ إن جفَّ البريقُ ولم يجد حتى صديقهْ سَــَيــبـــولُ فــــوق القمَّـــةِ الحانوتِ حتى لا تعيقهْ لِــيـَـرى رحـــيـــقَ الشـــوق في يـــافــا يعانِقُهُ غريقهْ ******* الـرَّبُّ في أيّـار مُـبتسمـا لجوعِ الكادحيـنْ فالصيفُ دق الباب يجذِبه الأنين إلى الحنينْ ومـناجــــلُ الفقـراءِ جـوعى والسنابلُ لا تلينْ لا تحصدوا فالرَّبُ يسلبُ زرعكم في كل حينْ بــل فاقطعـوا أيدي الخشوع وصوتوا للكافرين مـا دام وحش الرَّبِّ يغرز نابه في الصامتين طـوبى لمنْ غنى الفــــداء بـلحنه للاجئين ******* لا قدسَ لا بـغـداد لا الأحواز أذكـُــرْ مـا دامَ خَـمــرُ الذُّلِ في صَمـتي تــخمَّـرْ لا تـذكرِ الأطفـال في الأحواز حتى لا تُحقَّرْ كسرى أنو شروان في بردى وفي بغداد سيطر وأتى "لسعـدٍ" فــوق ظهر الفيل في سيفٍ ليثأرْ وعـلوج رومـــا شيَّدت حصنا جديدا فوق خيبرْ وحصـان تـاريخ العـروبة عنــد حطـينٍ تسمَّــرْ حطينُ عـاقـرُ لم تـزلْ ومشانـقُ التاريخِ تـــزأر خالد حجار فلسطين[/gdwl]

يدفعنا هذا النص المرواغ منذ عنوانه "آيار" إلى ان ندخل فى مشروعيةالأسئلة حول علاقة الذات الشاعرة بالعالم , من قبيل : هل العالم بالنسبة للذات الشاعرة مجرد كادر تلتقط منه الذات مايروق لها فتضعه فى شكل تصويرى على بياض الصفحة لتشكل منه ما يمكن ان نسميه نصا إبداعيا؟ أم العالم يشكل قلق الذات الذى تتمخض عنه رؤية شفافة تعيد تشكيل هذا العالم بوعى جمالى ومعرفى نفعى؟ ووجدتنى مشدودا نحو ان العالم بالنسبة لذات خالد حجار الشاعرة كتل من لهب وعين تستطيع هذه الذات ان ترى فيه مالا يراه الآخرون وتبصر فيه نتواءات الطفح اللانسانى فتهرب إلى القصيدة تبثها رغبة جامحة فى خلق عالم مواز يتسم بالجمال والكتل المشتعلة أيضا , ولذلك فذات خالد تقرا العالم قبل ان تكتبه , وحين تكتبه بوعى من شانه ان يخترق واعية المتلقى ليصل بنفسه إلى درجة وجدان الذات الشاعرة
من هذا المنطق نستطيع ان نضع أيضا على موتيفة الوعى فى هذا النص الفارع , فالشاعر منذ العنوان يغزلنا بوعيه الحاد حين يضع لنا عنوانا من مفردتين " آيار عاد" وهذا السياق الشعرى مكتمل البنية النحوية من مسند ومسند إليه لا لأنه لم يحترم فينا كمتلقين وعى التلقى وإنما هو إصرار منه على تحريك الصورة الثابتة فى وعينا حول المفهوم الميتافزيقى لشهر آيار الذى يمثل فصل الربيع وما يحمل هذا المفهوم من دلالات ثابتة تشى بالبهجة والفرح , ومفردة " عاد" تؤكد ذلك ثم يأتى متن النص ليزعزع هذا المفهوم التصويرى الثابت حين نكتشف ان آيار هذه المرة لا يحمل البهجة بل يحمل كئوس الدم والخيانات العظمى ومرارات الهزائم وهنا يتجلى الوعى فى تحويل الزمن الميتافيزيقى إلى زمن إنسانى مرئى ومتحرك يحمل شحنات من الغضب والانتكاسات أيضا ويلتصق بوجدان الذات ولذلك لم يكن استهلال النص"يـا للغـروبِ وساعــةَ النزف الأخــيرِ
قلمي تكسَّــــرَ في الشهيقِ وفي الزَّفيرِ" عملا مجانيا بل هو موظف توظيفا من شانه أن يكون النواة التى يقوم عليها الخطاب الشعرى للنص ومختزلا علاقة الذات بالعالم كله فى هذه المقدمة الدالة على عمق الحزن فالغروب عند الشعراء الرومانسيين مدعاة لفورة الحس العاشق وحزن الروح لفراق الحبيب ولكن الغروب هنا مغاير مدعاة للتمزق الذاتى الناجم عم رؤية ثاقبة وواعية لانهيارات العالم ويتوالى الخطاب الشعرى للنص فى شكل درامى يؤكد على تفسخ العالم غير المبهج اصلا
"أيّــــارُ عـــادَ بِــلَــــونِه المصلــوب في
أشـــــلاء ذكـــــرى نظـــرةِ الوطنِ الأسيرِ
أيّـــــارُ والعمـــــال تـلـــــهــــثُ خـَـــــــلــفــــهُ
والدَّمُّ يُسكـــبُ في كـــــــؤوسٍ مِــــن أثيــــرِ"
فآيار عاد وليته لم يعد بعنفوان مرارة أسر الوطن وظلم المهمشين الذين كانوا يبهجون فى فصل الريبع ولكنهم هذه المرة يكدحون لما آل إليه حالهم فلم يعد أيار كما كان يراه ابن الرومى فى قوله
" دنيا معاش للورى حتى ** أذا جُلى الربيع فأنما هى منظر"
عاد والدم يسكب حتى فى كؤوس الأثير بل عـــادَ والـرَّبُّ في أيّـار مُـبتسمـا لجوعِ الكادحيـنْ
فالصيفُ دق الباب يجذِبه الأنين إلى الحنينْ
ومـناجــــلُ الفقـراءِ جـوعى والسنابلُ لا تلينْ
لا تحصدوا فالرَّبُ يسلبُ زرعكم في كل حينْ
بــل فاقطعـوا أيدي الخشوع وصوتوا للكافرين
مـا دام وحش الرَّبِّ يغرز نابه في الصامتين
ما ابدع هذا التصوير المغلف بالسخرية من ثوابت القيمة التى لم تعد مطلقة فى ظل هيمنة الهزيمة الذاتية ونحج وعى الشاعر فى ان يجاور المقدس مع المدنس ليزعزع الخانعين المتعلقون بالمطلق الذى يعتقدون انه سوف يكون معهم وهم نيام ثم تاتى خاتمة النص لتكمل قوس البداية صارخة بان الهخنوع لا يفضى إلا إلى دما اكثرلا قدسَ لا بـغـداد لا الأحواز أذكـُــرْ
مـا دامَ خَـمــرُ الذُّلِ في صَمـتي تــخمَّـرْ
لا تـذكرِ الأطفـال في الأحواز حتى لا تُحقَّرْ
كسرى أنو شروان في بردى وفي بغداد سيطر
وأتى "لسعـدٍ" فــوق ظهر الفيل في سيفٍ ليثأرْ
وعـلوج رومـــا شيَّدت حصنا جديدا فوق خيبرْ
وحصـان تـاريخ العـروبة عنــد حطـينٍ تسمَّــرْ
حطينُ عـاقـرُ لم تـزلْ ومشانـقُ التاريخِ تـــزأر
وبرع الشاعر فى ان يتخذ من السخرية محطة ابداعية تعمل تعمل الوعى حين تلتقى فى خط متواز مع توظيف التاريخ لتجسد حالة شعرية قد تصل إلى حد الهذيان الواعى الجديد انه خطاب شعرى يستحق الانحناء والتقدير على هذا الوعى بتوظيف المسلك الشعرى الدرامى فى ابداع قصيدة كونية مفتوحة على العالم بأسرة تحكه وتحاكمه من منطق الوعى الفنى والثقافى
لك كل محبتى وتقديرى أيها الشاعر الجميل