الحـــلقــــة الثــــــامنــة
[align=justify]كانت حبيبتي الصغيرة تزورنا على فترات متفاوتة عندما يغادر عمي سعد المنزل ، أتابعها من بعيد كلما حلت بوجهها المشرق ، أتغزل ملامحها في صمت ، أمي كانت تحس أنني مولع بها ، لذا تنهرني كلما اقتربت من مجمع النسوة ، أم حبيبتي خالتي " اندريا " كانت تحب أمي كثيرا، فكلما جاءت منزلنا تفتح صفحات عام من الأحداث السعيدة و الحزينة ، من يسمعها لا يقول أنها ليست عربية الدم .. فلانة ماذا حدث لها ؟ علانة هل تزوجت ؟ و سيل جارف من الأسئلة لأمي لتي كانت تجيب بانفعال تام .
تكلمت كثيرا عن معشوقتي الصغيرة ، و جاء الدور لأتكلم عن الغارات التي كنا نقوم بها مع أطفال الجيران ، كنت زعيم العصابة الصغيرة بحكم أسبقية الطيش ، لنقل حركة تحرر ضد الوقت ، تنفيذ الأوامر من أهم قوانين العصابة ، سلاحنا كان اليقظة و الحرص الشديد و المداهمة على حين غرة .
في العطلة الصيفية يتعذر علينا الذهاب إلى شواطئ البحر للاستجمام ، ليس بسبب بعد المسافة ، و لا بسبب ضعف الإمكانيات المادية ، و لا بسبب نسيان الدولة لأطفال المناطق المغمورة ، و لا بسبب أن أبي لم يكن شهيدا أو مجاهد ، إنما بسبب أن أجسادنا لم تكن مؤهلة لملامسة ملح البحر. كنا نستجم في البحر الأسود المتوسط ، و أحيانا الأحمر المتوسط ، برك اختلط فيها الماء بالطين ، و البعوض .. يا البعوض !! أنجز مخيمات صيفية عائلية بالمجان ، الدفع رمزي بصك عضة و قليلا من الدم ، و أحيانا "ونونة" استفزازية .
مزرعة عمي "حشاني "الزاخرة بكل أنواع الفواكه ، تين ، خوخ ، عنب و رومان ، بطيخ أحمر ، أصفر و برتقالي ، كانت متنفسنا و الكافتيريا المتاحة مع كثرة المصاعب ، و عصير الفواكه كان هناك طازج و لذيذ .
كانت محاطة بسياج ملغم بالشوك من جميع الأنواع ، و لو وجد الألغام المضادة للمدرعات لوضعها لتنفجر كلما حاولنا اختراق منطقته المحرمة .
كنت عندما أقرر عمل طائش لا أعي لا أرى لا أسمع ، و لكي أداهم الكافتيريا عفوا المزرعة ، قررت أن أضع خطة محكمة .
كان عمي "حشاني" عندما يريد أن يغادر مزرعته يترك حماره مقيد إلى جدع نخلة ، لكي يعتقد كل من يراقب المزرعة أنه لم يهم بالمغادرة ، يتسلل من مكان سري و يخترق مزارع مجاورة ليجد نفسه في الطريق الرئيسي بعد ذلك .
قسمت مجموعتي إلى عناصر مراقبة و عناصر متدخلة ، "سفيان" و "العيد" يترصدون مروره بالشارع الرئيسي ، أنا و "الطيب" نخترق الجدار الفاصل عفوا الحدود المسيجة و ننهب ما لذ و طاب .
تموقعنا قبل ساعة الظهيرة و الشمس ملتهبة في كبد السماء ، اتخذنا الحشائش مخبأ تمويهي كجنود "المارينز" ، بعد ساعة من الانتظار و الترقب جاء "سفيان" مسرعا ، عرفت أنها إشارة الانطلاق في عملية عاصفة الصحراء ، عود ثقاب واحد كان كاف لكي يشعل السياج الجريدي المشوك ..القليل من الماء جعلنا ندخل من غير أن نحترق ..قطعة لحم ممزوجة بالكبريت جعلت الكلب يقتل في خمسة دقائق .
انتشرنا بأمر مني ..كل واحد في شجرة .. الأكياس كانت قمصاننا ، و لكي يبدو العمل محترف حطمت العمود الأوسط لقصر الجمهورية ..كان كوخ مغطى بسعف النخيل و مفروش بالحشائش الطرية ....... يتبع [/align]