الحلقة الرابعة
لفني الخوف والذعر من هول الفكرة ،
التفكير مع التعب لم يتركاني كثيراً حتى دخلت بسبات عميق لبضع ساعات ،
تنبهت على صوت دقات الساعة السابعة صباحاً ،
و بدأت الحركة تدب في الدار .......ذهاب وإياب ....صرخات وضحكات .....تسكعات البنات في الحجرات وفى الصالة الرئيسية والمطبخ لتناول الطعام ...........والكثيرات يتوقفن أمام المرايا للتزين ،
قفزت من سريري .حتى لا أتأخر عن محاضراتي
وأثناء ارتدائي ملابسي حضرت صديقتى ونزلنا معا ......وأثناء توجهنا للكلية تبادلنا الحديث:
= هل نمتِ جيداً الليلة ؟؟
= نعم لم أشعر بشيء من شدة التعب ،وأنت ِ ؟؟؟؟
قلت فى اهتمام بالغ :
= نمت جيداً ،برغم أن الدراسة بالأمس كانت مرهقة ،وأيضاً مرعبه .......منظر الجثة التي سقطت أمامي لم يفارق خيالي ،ولكني من شدة التعب نمت ولم أشعر بشيء.
هنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
تذكرت منظر الجثة وأفكاري نحوها وبادرتها بالسؤال
= هل يمكن أن تكون تلك الجثة فيها روح ؟؟ لقد شعرت بشعور غريب نحوها ،
وأنت ِ ما إحساسك نحو هذا المنظر وهذه الجثة ؟؟؟
= كلما تذكرت المنظر انتابني قليل من الخوف ،لكنه ميت ......أى جثة لاحول لها ولا قوة .....لا تشغلي بالك .
..........
دخلنا الكلية وانتابني نفس الشعور مرة أخرى ولكن بشدة ......
توقفت عن السير ......
هناك شيئ ما يجذبني للنظر ناحية المشرحة ......كأنني في مجال مغناطيسي لا أستطيع الخروج منه ...وأريد أن أذهب إلى هناك ...كأنى فاقدة السيطرة على حركتى ...أو يسحبنى هذا المجال فى اتجاه المشرحة ...
دق جرس بداية المحاضرة ...والذي كان المنقذ لي من ذلك الشعور ،وما أن انتهت المحاضرة ،
استأذنت من زميلاتي وتوجهت مباشرة بسرعة إلى ممر المشرحة واقتربت رويداً من ثلاجة المشرحة ......
حارس المشرحة
رجل كبير في السن يجلس على مقعد قديم طويل ... كأنه أثرى متهالك من القدم ،
لونه بنى معتم ،يضع المذياع على أذنه ويميل في جلسته مغمض العينين وبجواره كوب شاي لم يفرغ بعد ،
اقتربت منه ببطء وألقيت عليه تحية الصباح لم يرد على لذلك اعتقدت أنه لم يسمعنى
فكررتها بصوت عال.... رد على التحية لكنه لم يفتح عينيه ولم يغير من وضعه شيء ،مما جعلني أتردد في استكمال ما أتيت لأجله ....فوقفت ساكنة أفكر كيف أبدأ معه الحديث....ولكنه قطع ترددى بصوته المتحشرج الخشن :
= نعم ،ماذا تريدين ؟؟؟
= أريد أهم شخص هنا لآخذ منه حديث .
اعتدل الرجل في جلسته وفتح عينيه وتأهب للكلام .
= أنتِ من مجلة الكلية ؟؟؟ إنها لا تأتى إلا بأخبار الأساتذة والطلبة ،كما تعودنا .
قلت فى ارتباك وكان اعتقاده هذا قد ألهمنى بداية حديثى معه:
= نعم ...نعم ....نوع من التغيير ،أريد أن أتحدث مع رجل له نفس أهمية الأساتذة والطلبة ،بل أكثر .
وبادرته بالسؤال :
= من المسئول عن الثلاجة وما تحويه من جثث ؟؟
= أنا العبد لله .
= إذاً أنت أهم شخص هنا ،وسيكون حديثي معك .
انتشى الرجل من عبارة (أنت أهم شخص هنا )والتي شعر منها بأهميته التي كانت مسلوبة.
واعتدل فى جلسته
وأصبح جاهزا لأي سؤال .
فتحت تسجيل الهاتف المحمول وقلت له عرِّف نفسك وتكلم
= اسمي عبد السميع وعندي 58 سنه وأعمل حارسا لثلاجة الجثث ...وبالخارج أعمل دفان للموتى ،وهذا عملي أب عن جد .
= ألا تخاف من الجثث والموتى ؟، وهل أحياناً يكون لها عفاريت ؟.
ضحك الرجل ملئ شدقيه وعدل من جلسته أكثر وخبط على ساقه بيده :
= ما عفريت إلا بنى آدم ،يا ابنتى الموتى لا يخيفون الأحياء فهم لا حول لهم ولاقوه .
= أرجو أن تحكى لى عن اغرب حادثة وقعت معك لننشرها لك في المجلة .
= منذ عدة سنوات دفنت رجل ثرى في المقابر ،وبعدها استشعرت انه حي وخاصة أن الكلاب كانت تنبش وتنبح بجوار مقبرته ولكنى خفت أن أنبش عليه القبر للتأكد .....وبعد يومين جاءت الشرطة وفتحت القبر وجدته في حالة إعياء من
قلة الأكل والماء والرعب ،
= وكيف عرفت الشرطة بذلك ؟
= ابنته أبلغت الشرطة بأنها تشك أن أباها حي يرزق ....ويتصل بها نفسياً ،
وعلى ذلك فُتحت المقبرة ،على الرغم من أن الطبيب الذي كتب شهادة الوفاة وقد تأكد ان الرجل ميت وأن وظائف جسده بالكامل قد توقفت تماما ً.
وجدت هنــــــــــــا فرصتي لأفتح معه ما يدور في ذهني من تساؤلات :
= هل يمكن أن يموت شخص تماماً ثم يعود للحياة مرة ثانيه ؟؟
= يمكن ،ولكن هذه حالات نادرة جداً .
= هل حدث ذلك في المشرحة هنا ؟
= لا لم يحدث أبدا ً .
= بالأمس سقطت جثة من الجثث على الأرض عند نقلها ،أهذا يؤثر على الجثة لتعود للحياة مرة ثانية ،أو يُحدث بها كدمات ؟؟
نظر لي بتوجس واستغراب قائلا:
= لا أعتقد .
=أريد أن أصورك بجوار الجثث في الثلاجة .أهذا ممكن ؟؟
= تفضلي.
= أين الجثة التي سقطت ؟؟
= هذه
وأشار إليها وهى موضوعة على المنضدة رقم 8 ملفوفة في قماش مشبع بالفورمالين .
اقتربت من الجثة وأزحت الغطاء عن وجهها وكانت لرجل رأسه حليق بعناية ، والجلد أبيض ، أملس ،فاتح، ثلجي الشكل ،
وتخيلت انه مسبل العينين ،وتظهر منها الحدقات رمادية لامعه .نظراتها مركزة على عينى وكأنه ينظر إلى من داخله ..شفتاه متباعدتان قليلاً كأنه يريد أن يهمس لى بكلمات لا يسمعها أحد ...زاد اقترابى وتحديقى فى وجهه .
سعل عم عبد السميع ...فتنبهت
وقلت :
= عم عبد السميع ،ممكن تعرف شيئاً عن حياة صاحب الجثة من مظهرها ؟؟
= نعم ،مثلا هذا الرجل ابن عز ،ويظهر ذلك من مظهر أظافره النظيفة وشعره الحليق بشكل جميل، وعيونه الملونة ، وأيضاً كان رجل تقي ،إنه باسم الوجه وعلامة الصلاة في جبهته عميقة ،وهنا انظري علامة غامقة بكفه مكان استناده على الأرض بيده من أثر السجود ،وأيضا في مقدمة القدم .
= من أين تأتى هذه الجثث ؟؟
= من حوادث أو موت طبيعي ولا يتعرفوا على ذويهم لاستلامهم فيحولوهم لمشرحة الجامعة بعد مدة محددة للتشريح .....ثم الدفن في مقابر الصدقة .
تشجعت وقلت له بصوت فيه تردد :
= عم عبد السميع ،أريد إن أقول لك شيء ولكن لا تضحك ،أشعر أن ذلك الرجل حي.
ضحك الرجل وقال :
= لا تتأثري يا ابنتى بكلامي ،فهذا لا يحدث إلا نادرا .
هيا يكفى هذا ويجب أن تنصرفى لأن المحاضرة العملية ستبدأ بعد قليل .
........
خرجت من المكان وزاد شعورى بالانجذاب نحووجه صاحب الجثة وعقلي تسيطر عليه فكرة واحدة وهى أن ..................
صاحب الجثة حى يرزق
7
7
تابع