الحلقة الثامنة
هنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
انتفضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت يدي وخلايا جسمي من برودة اليد ورفضي للإمساك بها وتواصلي معه جسدياً ونفسياً ،ولكن الدكتور مصطفى لم يمهلني الوقت للرفض أو التفكير في ذلك ،ففتح جهاز صغير معه يعطى ذبذبات وموجات تكاد أذني تدركها بصعوبة..... ولكن أسمعها ثم إقترب منى وقال بصوت حازم :
= إسترخى ِ في جلستك وإطمئنى ِ،فنحن معك ولا ترفضى تواصل الروح معك .....فهذا هام لإراحتها ،شبكي كلتا يديك حول يده وأغمضي عينيك واستدعى ِ هذه الروح وسنحاول معرفة ماذا تريد توصيله من خلالك .هيا يا ابنتى.هيا .
كلام الدكتور مصطفى بث فى نفسى الهدوء وأراح نفسي وطمأنني بعض الشيء .فامتثلت لما طلبه منى .
أغمضت عينيى وأحطت يد الجثة بكلتا يدى وضغطت عليها بشدة
لحظات وشعرت ببرودة وصعوبة في التنفس واستشعار بوجود هذه الروح تمر بداخلي من خلال انفاسى ، وعيني وحلقي ، وتجوب خلجات نفسي ،لتأخذ روحي معها ....وتدور في دهاليز حلزونية ذات مصاطب مستديرة عالية علو السماء ،مملوءة بسديم فضي ....مزروعة بأشجار سنديان خضراء .....تتحرك فيظهر ظاهر أوراقها الفضية ...فتلمع فى شكل ومضات تنعكس على عينى فيضيع منى وصف المكان ، يجب اللحاق بهذه الروح التي ارتبطت روحي بها وتتحرك معها بسرعة كالبرق ،أريد إن استمهلها ولكن هيهات ......هيهات ، فهي تتحرك بحركة خاطفة ولكني قلت له :
=انتظر......انتظر ...لما هذه السرعة ؟
رد على بصوت بطييء أجوف كأنه تكسر واحتكاك أوراق الشجر الجافة الهشة وقت هبوب الرياح :
=ليــــــ .....س .......عنـــ ......دي...............وقـــ .....ت.
= لقد إنتهي وقتك فعلاً .....أنت ميت ....فماذا تريد منى ؟؟
رد بنفس الصوت البطيء المتكسر :
= انـــــــــــ.....قــــــــــــــذ.........يــــــ .....هــــــــــا .
= من هي التي أنقذها؟؟؟؟
= نـــــــــــــــــــــ......د.................ى .
= من هى ندى ؟؟؟.....وأين هي ؟؟...... ومن أي شيئ أنقذها .....؟؟
= في...........بيت الــــــــــــــيتــــــ....ـــــيمــــــــــ..... ..
= لم يتعرفوا عليك ما أسمك ؟؟وأين هذا البيت؟؟
= محــــــــــــــــ........مـــــــــد حمـــــــــ.......يــــــــــد ..........علـــــــــــ
صمت الصوت ....لم أعد أسمع
روحي ترتفع لعلو السماء وارى كل شيء من أعلى صغير ......لا أميز ألوان ولا أشكال ،ولكن رائحة الريحان تملأ المكان ،وتملأ أنفى وخلايا وخلجات جسدي وكياني ،وصوت واحد يقول :
= أين هي التي تريد إنقاذها ؟؟أين هي التي تريد إنقاذها ؟؟أين هي التي تريد إنقاذها ؟؟
ضربات على يدى ....وأصوات متداخلة ....وماء يتناثر على ملابسى ووجهى
وفجأة انتبهت لمن يفيقنى من إغماءتى بعد أن فقدت الوعي .
فتحت عيني بتثاقل لأرى أين أنا .....سقف لحجرة معلق به مجموعة من المصابيح شديدة الإضاءة ،
وأنا ممدة على سرير وحولي الدكتور مصطفى والدكتور سلمى وعم عبد السميع ودكتورة أخرى
مدت يدها لتمسك يدي بحنان ووجهها يطلق ابتسامة طيبة :
=حمد الله على السلامة ، رعبتينا ....هههههههههه
=ماذا حدث لي ؟؟وأين أنا ؟؟؟
= سيكلمك الدكتور مصطفى والدكتور سلمى .
وإنصرفت الدكتورة وتركت المكان ....
اتجهت ببصري نحوهم ، وجدتهم ينظرون إليَّ بخوف حنون ،ثم إقترب منى الدكتور مصطفى وقال:
= ابنتي ما فعلتيه اليوم شيء كبير جداً ، انك تتصلي بهذه الروح بسهوله ،وهذه الروح تنجذب لنفس موجات عقلك ،وتجد سهوله في ذلك أكثر من أي شخص آخر .وكل كلمة قيلت سجلتها عندي .....ولا تبوحي بها لأحد إلا أمامي ......لأنه يمكن أن تُفتح قضيه كبيرة فيها .
= أنا أعتقد أن دوري قد إنتهي بذلك.
= لا لقد بدأ دورك .فهناك تحقيقات واستدلالات ويمكن أن تحدث تحريات وغير ذلك فستكونى أنت همزة الوصل بيننا وبين صاحب الجثة .أرى إنك مجهده جداً من هذه الجلسة ،إشربِى هذه الكمية من العصير ،وستوصلك الدكتور سلمى لمنزلك وستمر عليك مساءً لتطمئن عليك .
وهذه أرقام هاتفي المحمول ومكتبي ،اتصلي في اى وقت وعند حدوث اى شيء غير عادى .
= شكرا لكما ،ولكني لم احضر اليوم اية محاضرات .سأنهى محاضراتي وأتوجه لدار الطالبات حيث أسكن.
..........
كنت متعبة للغاية وشبه مبتلة الملابس من كثرة ما تصبب من عرق،ولكني تحاملت وخرجت إلى الحديقة لأجلس على المقعد الحجري فى ظل أشجار البوهينيا لبعض الوقت ،منتظرة دخول المحاضرة العملية الجديدة .التي لم يلبث الوقت أن مر و رن جرس البداية ،توجهت للمعمل واتخذت مكاني به وانتهى يومي بسلام .
استوقفتني زميلتي عند الانصراف وأمسكت بيدي وسألتنى بفضول خبيث :
=أين كنت طوال اليوم ،والرجل الذي طلبك من المحاضرة ،ماذا كان يريد ؟؟........قبل المحاضرة الأخيرة .بحثت عنك كثيراً.
= أبداً كنت متعبه قليلا وجلست تحت شجر البوهينيا ففاتنى المحاضرة الأولى.
واكتفيت بهذا الرد ،ولكنها لم تقتنع به وأخذت تنظر لي في شك ............
لم أعطها الفرصة لتسألنى مرة ثانية وقلت وأنا أتحرك بسرعة :
=هيا بنا لنعود للدار حتى أستريح لأنى متعبة .
= هيا
...............
دخلت لحجرتي واستلقيت على سريري أحاول استرجاع كل الأمور ،ولكنى دخلت في سبات عميق لتمر الساعات وأنا على هذا الوضع وضوء الحجرة يسقط على، لا اشعر به ولا أشعر بما يحدث خارج الحجرة ،
إلا وأنطلق صراخ صراخ متواصل وصوت قرع الأقدام على أرضية الردهة متوجهة لخارج الشقه..... والجميع يصدر أصوات لم أتبين مغزاها ولا معناها ،مما جعلني أنهض من رقادي مسرعة مذعورة ناظرة للساعة ،إنها الثامنة والنصف ..........
ماذا حدث بالخارج ؟؟؟
فتحت باب غرفتي .....فوجدت البنات تجرى نحو باب الشقة .....سألت أحداها:
=ماذا حدث ؟؟وماهذا الصراخ ؟؟؟
=أنها دعاء التي بالطابق الأعلى تصرخ .ولم نتبين بعد الأمر .
أغلقت حجرتي وذهبت للاقتراب من الحدث لأطمئن على دعاء ،فهي بنت خلوقه وهادئة في الغالب .
سمعت المشرفة تقول:
= إن عليها عفريت ،فهي تنتفض ومستلقية على الأرض .
وقفت البنات باكيات مشفقات عليها ....والبعض الآخر ابتعد حتى لا يصيبه العفريت الذي سكن جسدها .
اقتربت قليلا خطوة واحده ورأيتها تنتفض بشكل غريب ،تجز على أسنانها وجسدها متخشب متصلب وقلت :
=لماذا لا نستدعى الطبيبة ؟؟؟إنها متشنجة ويمكن أن تؤذى نفسها بهذه الانتفاضات والتشنجات ..
ردت المشرفة :
=لقد أرسلنا في طلبها ،وقالت ستأتي حالاً .
مر وقت قليل حتى أتت الطبيبة وأجرت الكشف عليها وقالت:
= أرجو من الجميع الانصراف .
وقفت طالبة أخرى تنظر للطبيبة وعيناها مفتوحتان فاغر فاها وقالت :
= هل يسكنها عفريت ؟؟
ردت الطبيبة ضاحكة :
= هذه حالة تشنج من أثر مرضها بالصرع ،وليس هناك عفاريت .
جملتها الأخيرة أضحكتني وكدت أقول لها إن هناك عفاريت .
انصرفت بعد الاطمئنان على زميلتي دعاء ودخلت لحجرتي وإذا بجرس الهاتف المحمول يرن وكان على الطرف
الآخر........................................
7
7
تابع