عرض مشاركة واحدة
قديم 31 / 12 / 2007, 44 : 12 AM   رقم المشاركة : [1]
عنايت بازرباشي
ضيف
 


محـــــــــــطة

مـــحــــــــطـــة


زغاريد فرح تسربت لشرايينها ، ملأتها نشوة ، تسربلت في عمق روحها ، فاستحالت إنتشاء .

تفوقها في الثانوية العامة كان محطة كم سعت للوصول إليها بدأب وإصرار صامت . نظرات الإخوة و الأخوات ترمقها غير مصدقة هذا المجموع ، وهي التي لم تسجل في دورة دراسية لضيق ذات اليد . فالأفواه الكثيرة لاتدع مجالاً لرفاهية الدورات . كان إعتمادها على نفسها ومساعدة مدرسات المدرسة عند إستعصاء ما في مسألة ما هو المنقذ الوحيد أمامها . أجل ، كانت سنة شاقة بتعبها ، متألقة بنهايتها ، وكان أهم مافيها هو التنظيم الدقيق للوقت . معركتها الدقيقة إنتهت بنجاح ساحق ، خرجت منه منتصرة بلا منازع . وهاهي المعركة الكبرى تطل برأسها ، تكاد تخنق الفرح العارم في صدرها . الحلم ، الجامعة ........ ذاك الصرح الذي تراه من بعيد وهي تمر من أمامه كل يوم طريقها من المدرسة إلى البيت .

إشتعلت النفوس وكأن زوبعة هواء خريفية مرت من هنا .... وفتح الباب للمهنئات والمهنئين من عمات وخالات وأخوال وأعمام ، وبدأت مواسم إستقبال ضيوف بدأوا يرونها بعيون جديدة ، فالتفوق والنجاح طعم يشبه السكر ، يذوب في عمق العين ، فيجعلها أحلى .

طرح سؤال صغير : " أي كـــــلية ستختارين ؟ فأبواب الخيارات أمامك مفتوحة .... فنسبتك هي الأعلى ."

رفعت عينيها كي تلتقي بعيني أبيها ، لما نظرت تجاهه و كأن قوى ممغنطة تشدها إليه . تعلم في قرارة نفسها أن الأمر بيده وحده ، فهو الســــــــيد المــــــطلق في البيت ، حتى أمـــــــها لاتملك صلاحية المناقشة معه ، أو هذا مايظهر للعيان . هل هو حقيقي ، أم مظهر خادع لاتدري ما يدور في الخفاء .

حدقت في وجه أبيها ، علها تستشف من ملامحه ما يطمئن قلبها ، ما يشعل فتيل أمل ضئيل ، ما يخرجها من لجة قلق يسهد لياليها ، يؤرق لحظات وحدتها و يعيد إنتظام دقات قلبها ، فأخواتها بعد الثانوية قبعن في البيت ، إنتظاراً لزواج محتم . فهل تكسر طوق عادة إستحكمت لاتدري ؟!

سؤال فجر كل هذا المخزون المخبأ داخلها أطلقته عمتها بسؤالها البرئ . أخفضت نظراتها إلى يديها المعقودتين بحجرها ، شعرت بأن فتحتيّ أنفها ضاقتا ، فلم تعودا تسمحان بدخول الهواء لرئتيها .... شهقات هواء متقطعة متتالية لتقلل إضطرابها الداخلي . طال صمت أبيها ، ظنته دهراً ... هل يفكر أم أنه يدرك بحصافته ما بها ، فهو يعلم قلقها ... خوفها من كلمة لا ، لإنها كالسيف المسلط فوق رقبتها ، وحاجزاً يمنع تحقيق حلم طالما راود فكرها ، فتحول إلى هاجس يطاردها ، فتقهره بدراسة وسهر صامت دؤوب .
" الطب .... إن شاء الله ."

كلمة من حرفين ... جعلتها تقفز من مكانها لتعانق أباها وتكسر جدار صرامة ولتشعر بدفء حضنه وقربه منها . قبلته وحب كبير يتفجر عبر مساماتها ، ولتشرق إبتسامة كبيرة تضئ وجهها الصغير المنمنم ، مضيفاً عليها جمالاً من نوع خاص .


عنايت بازرباشي ©

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
  رد مع اقتباس