رد: د. الشاعر محمد شادي كسكين في حوار مفتوح في صالوننا الأدبي
-5-
هل من الممكن أن تحكي لنا موقفاً طريفاً حصل لك مع مرضاك؟
- ذات يوم وبعد أن تسلمت عيادة أستاذي في كلية طب الاسنان الذي توفاه الله الدكتور سهيل العبسي عليه رحمة الله ومغفرته وعفوه كنا في بدايات عملي وبالطبع كانت وتيرة الإقبال عليّ كطبيب جديد قليلة نوعاً ما - وهذا شيء طبيعي مع وجود أطباء ذوي خبرة وسمعة كبيرة وقديمة - وفي ساعة متأخرة كنت أهمُّ فيها بمغادرة العيادة جاءتني إمرأة فقيرة من قرية مجاورة تحمل إبنتها المتألمة لكنها وقبل أن تشرح لي ما علة الطفلة قالت لي ليس معي الأن نقوداً أيها الطبيب فهل أضعها على الكرسي أم أغادر!! قلت لها اهلا وسهلا ضعيها على الكرسي!
فحصت الصغيرة ذات السنوات العشر على ما أذكر وكتبت لها وصفة طبية لتشتريها من الصيدلية المجاورة على أن تعود بعد أيام لنقلع السن المسبب للألم لكن الأم قالت لي: أنا لا أملك الأن مالاً يا دكتور هل يمكن أن تتحدث مع الصيدلاني ليصرف لنا الدواء!!
ضحكت في نفسي وقلت لا بأس وكتبت على الوصفة " لصالح عيادة الدكتور" وفعلاً أعطى الصيدلاني المرأة الدواء على أن تدفع له لاحقاً لكنها عادت لي تقول: ومن يعطي إبنتي الإبرة! ليس لدينا ممرض في القرية والوقت متأخر والصيدلاني اقفل الصيدلية! فإضطررت لإعطاءها الإبرة بنفسي .. شكرتني وإنصرفت!
كانت المرأة من قرية لا أعرفها وغابت عن العودة أياماً وظننت أنها لن تعود . لكنها عادت وبالفعل أجريت عملية القلع وطلبتْ مني تسديد الأجرة على أقساط, كانت أجرتي " 100" ليرة سورية وقبلتْ ..لكنها ما لبثت أن عادت بعد أيام قائلة: في تلك الليلة حملت إبنتي المتألمة وهي تبكي وغاب عني أن أحمل مالاً ولكن زميلك الطبيب الذي يجاورك رفض أن يراها لانني قلت له إبتداءاً أنني لا أحمل مالاً ! قلت في نفسي: سامحها يا فتي وأرح رأسك ! قالت لي هذه أجرتك يا طبيب وجزاك الله ألف خير ! وأعطتني أجرتي كاملة وإنصرفت !
بعدها بدأ الناس يتوافدون على عيادتي من قريتها بعد أن روت في كل بيت من القرية ما حدث ولم يكن ما فعلت إلا درساً تعلمته من أستاذي وشاء الله أن أطبقه في نفس العيادة - رحمه الله وأدخله فسيح جناته.
|