الموضوع: خريف الأحزان
عرض مشاركة واحدة
قديم 28 / 06 / 2010, 20 : 01 AM   رقم المشاركة : [19]
ندى الريف
كاتب نور أدبي مشارك

 الصورة الرمزية ندى الريف
 





ندى الريف is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: خريف الأحزان

كان صوت السيارة ملفتا للانتباه، لأنها كانت تمشي بسرعة مهولة، تشق الطريق شقا كي تصل إلى وجهتها..
و أخيرا توقفت أمام بيت عمي أحمد، كان هذا الاخير رجلا طاعنا في السن يسكن و زوجته في بيت كبير أولادهما مغتربين كل في بلد إلا واحد منهم كان يقطن معهما لكنه يقضي معظم وقته خارج البيت أو خارج المدينة..
توكأت بيداي على حافة نافذتي علني أتقصى أمر هذا المستعجل القادم في هذا الليل الحالك، لكني لم أفلح، رغم أن القمر كان يضيء كل شيء لكني لم أعرفه..
سمعت طرقات خفيفة على باب غرفتي فاتجهت لأفتح الباب، كانت أمي قد استيقظت على صوت السيارة، و جاءتني لتستفسر عن الأمر، هي تعلم أني كثيرا ما أسهر تحت ضوء القمر أتفكر في خلق الله تعالى، أجبتها أني لا أدري، فقالت إذن نتركها للصباح فنذهب إلى بيت عمي أحمد نسألهم ما الخبر..
عادت أمي إلى فراشها و عدت أنا لمكاني قرب نافذتي، و أنا أجول ببصري هنا و هناك راعني منظر عمي أحمد و زوجته يحثان الخطى مسرعين نحو السيارة التي توقفت منذ برهة أمام بيتهما..
يا إلهي ما عساه يكون ؟؟
ازددت قلقا و لمت نفسي على عدم ذهابي إليهما لحظة وصول تلك السيارة الغريبة، و شعرت بالذنب هما وحيدان و عجوزان، و كان الأجدر بي أن أنزل و أسألهما ما الخبر..
بت الليل بطوله على شرفة النافذة أترقب وصولهما بأية لحظة، لكن لم يظهر لهما أثر، و لم يعودا..
هذا الخيط الأبيض بدأ يتبين من الخيط الأسود و لاحت نسمات الصباح، أسرعت كي أوقظ أمي فوجدتها صاحية تستعد للصلاة.. أخبرتها الخبر ..هدأت من روعي و قالت نصلي ثم نتقصى الخبر..
كانت لحظات عصيبة مرت ببطء شديد..
صوت المؤذن ينادي من بعيد "الصلاة خير من النوم"، بدأت تسمع أصوات بداخل البيوت المجاورة معلنة عن بدأ يوم جديد مليء بالنشاط.. لكن تراه يكون يوما مليئا بالنشاط أم ترانا سنسمع خبرا يعكر صفو هذا الجو الجميل..
خرجنا بعد الصلاة مباشرة قاصدتين منزل جيران لنا، أخبرتهم الخبر فبادر جارنا إلى الهاتف يريد مكالمة العم أحمد.. هاتفه الخلوي مغلق و زوجته لا هاتف لديها، إذن فكيف السبيل إلى إطفاء وهج هذا الوضع الذي نحن فيه..
هممنا بالخروج من منزل الجيران، و نحن على عتبة البيت نودع جيراننا، لاحت لي من بعيد تلك السيارة التي أتت في تلك الليلة و أخذت عمي أحمد و زوجته..
ما شعرت إلا و أنا أصيح : أمي ، أمي ، إنها السيارة ، إنها هي .. هرعنا مسرعتين نحوها فوجدنا ذاك الغريب إلى جانبه عمي أحمد و قد أطرق رأسه من شدة الأسى و الحزن..
انقبض صدري لرؤيته على هذه الحال.. فتوقفنا واجمتين و انتظرنا توقف السيارة.. خرج العم يجر قدميه جرا نحو البيت و رأسه مطأطأ و ذهنه شارد و فمه يتمتم بكلمات لم أتبينها..

اقتربت منه و سألته : عماه، ماذا حصل ؟

لا إله إلا الله ، إنا لله و إنا إليه راجعون.

من يكون يا عمي ؟

فلذة كبدي يا ابنتي، كريم..

كريم ؟!!

كان وقع الخبر كالصاعقة علي، كريم شاب في مقتبل العمر ، هو في العشرين من عمره ، لازلت أراه مشاكسا مع معلميه ، كل يوم يأتي أحدهم إلى أبيه ليخبره عن مقالب فعلها ابنه أثناء الدرس، و الغريب في الأمر أنه كان من الطلبة النابغين و الكل يحبه.. كما أني أراه يحمل قفة المشتريات عن رأس كل امرأة يعرفها أو لا يعرفها.. و أيضا كان إذا سمع بكاء طفل صغير بادر أمه بحمله و التكفل بإسكاته و أحيانا اللعب معه..

توقفت عقارب الزمن هنا.. و أنا أتذكر "كريم" بكل أفعاله و أقواله و صفاته...

رحمك الله يا كريم.. لله ما أعطى و لله ما أخذ و لله الأمر من قبل و من بعد
ندى الريف غير متصل   رد مع اقتباس