عرض مشاركة واحدة
قديم 03 / 07 / 2010, 18 : 01 AM   رقم المشاركة : [23]
طلعت سقيرق
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي


 الصورة الرمزية طلعت سقيرق
 





طلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين

رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )

[align=justify]
الانتقال إلى الشخصية القصصية:
في "قريباً من ساحة المدرسة.. قريباً من مدخل البيت" يضعنا الشاعر هايل عساقلة أمام قصة تقول:"عمره عشرة أعوام / تعدّاها قليلاً / عندما طارده الجيش / وأرداه قتيلاً" فالمطلع يختصر أشد اختصار، ليقول حكاية ة هذا الصبي الذي قتله جيش الاحتلال.. ولكن أين القصة، أين الملامح العامة لهذه الشخصية، أين الحدث.. من أين أتى هذا الصبي.. وإلى أين يريد أن يذهب.. لماذا قتل..؟؟ هل يكفي أن نعرف أنه في العاشرة، وأن جيش الاحتلال قد قتله؟؟..
بعد هذا التقديم الذي يضعنا أمام الطفل / القتيل، يعود بنا الشاعر إلى التفصيل، فنعرف أنه كان عائداً للبيت "عندما مرّ على آخر جندي جبان / عائداً للبيت لم يدرك / بأن العسكر الفاتح لا يتقن إلا / في زمان الاحتلال / كيف يقتاد التلاميذ طوابيراً / إلى ساحة موت / وزنازين اعتقال" الشاعر يقرّبنا من ملامح الشخصية إلى حد، ومن الجو العام. هنا نستطيع أن نشكل صورة أولية تقول: إن هذا الطفل كان عائداً إلى بيته بكل هدوء وخلوّ بال لم يكن يعرف أن الاحتلال لا يتقن إلا القتل، وأنه يسوق التلاميذ إلى الموت أو الاعتقال.. شخصية الطفل في هذا المسار تبدو بملمح غير متوقع، لتسقط فيما بعد ضحية بريئة. ولنا أن نقرأ مساحة الجرح..
يقول: "صدرهُ كانَ كما ساحة حربٍ / وسجالْ / كلُّ من شاهدهُ قال بأنَّ الغدرَ فادحْ / كل من شاهده شاهدَ آثارَ المذابحْ / كل من شاهدهُ / أكدَ بالقولِ وقال: / ربما حزَّت بهِ حربة فاتحْ / قادم" من آخرِ الدنيا ليغتالَ الكتابْ / قادم من آخر الدنيا ليغتال القلمْ / قادم" من آخرِ الدنيا ليغتالَ فتى / همهُ في الغدِ أن يصبحَ أحلى / همّه في الغدِ أن يصبح أقوى / همّه في الغدِ أن يحمي أرضاً وكتاباً / وعلمْ / همه كان وأردوهُ قتيلا / إذ دنا من مدخلِ البيتِ قليلا.."..
الانتقال إلى هذا الحيز من القصة يضعنا كما نرى أمام حالة الجرح بكل ضغطه. والصورة لا تبتعد عن ساحة صغيرة المساحة، كبيرة الامتداد، هي صدر هذا الصبي.. الصدر يكون هنا انفتاحاً على الجرح، وانفتاحاً على صورة الاحتلال، وانفتاحاً على صورة الغد. في حالة الجرح، نرى كيف تبدو الهمجية التي حولت صدر الصبي إلى ساحة حرب وسجال، فزرعت فيه كل مساحات الدم.. وفي حالة الانفتاح على صورة الاحتلال، نرى هذه الصورة على حقيقتها، وهي صورة الآتي من آخر الدنيا، ليغتال وطناً، ليسرق وطناً، ليقتل شعباً. هذا الاحتلال، لا يرضى لشعب فلسطين أن يحيا، لأن حياته تعني استمرار وجود صاحب الحق.. وهذا الاحتلال، لا يريد لشعب فلسطين أن يتعلم، لأن العلم سلاح خطير في يد كل واحد من هذا الشعب.. وهذا الاحتلال لا يريد الانفتاح على صورة مشرقة تتمثل في غد شعب فلسطين، وهي الصورة التي سيصبح فيها هذا الفتى أحلى وأقوى، وبالتأكيد سيكون المدافع عن أرضه حتى آخر رمق.. لذلك كان الأفضل، برأي الاحتلال طبعاً، أن يقتلوا الطفولة الفلسطينية وأن يذبحوها… هل انتهى الشاعر من قول كل شيء؟؟..
ينقلنا هايل عساقلة إلى نهاية قصته حيث "ولوَلَتْ أمهُ في صمتٍ عليهْ / طبعت في خده الأيمن قبله / طبعت في خدّه الأيسر قبله / طبعت في شفتيهْ / وهي تدري / أنَّ من يُذبَحْ حباً في الوطنْ / سوف تغدو هذه الأرض له / أغلى كفنْ / ولولت أمه في صمت / وسال الدمع سال / فوق خدّيها / وخدَّيْ ولدٍ / عاد للبيت ذبيحا / وعريساً كالرجال / إنها تبكي زماناً همجيا / طال فيه كمد الأم / وصبر الوالد الكهل / وطال الصبر طال / إنه عصر فتوح واحتلال..".. فإلى أين نصل؟؟..
إن هذه القصة، وبما تحمل من تنويع في الرويّ، تضعنا أمام شخصية ذات ملامح عامة حيث لا نعرف عن هذا الفتى غير عمره الذي تجاوز عشرة أعوام، فهو هذا الفتى الذي استشهد، وهو كل الأطفال في فلسطين. من هنا انتفاء الخصوصية الشخصية، والانتقال إلى العام، لذلك كانت الصورة ذات بعدين، أو مسارين.
/ المسار الأول، يضعنا أمام شخصية الطفل الفلسطيني "يمثل أطفال فلسطين "العائد من المدرسة إلى البيت، وكيف يتعرض للقتل والتشويه لمجرد خشية الاحتلال من وجود هذا الطفل الذي سيكبر وسيكون مدافعاً عن وطنه.. هذا الطفل مسكون بالوطن، ولكنه لم يقم حتى الآن بأي فعل مقاوم يستدعي مجرد منعه من قبل الاحتلال. ولكن الاحتلال هو الاحتلال "يقتاد التلاميذ طوابيراً إلى ساحة موت وزنازين اعتقال".. وهذا ما جعل الأم تبكيه بصمت وحرقة، لأنها لا تعرف لماذا قتل، وما هو الداعي إلى أن يذبح.. ولكن من بعد تصل إلى النتيجة القائلة "إنه عصر فتوح واحتلال"..
/ المسار الثاني، يضعنا أمام شخصية الاحتلال، وهي الشخصية التي يريد الشاعر أن يبرزها وأن يسلط الضوء عليها، لتكون عارية أمام العيون، وهذا ما استطاع الوصول إليه من خلال طرح صورته بكل ما تحمل من عنف وبطش وحب للدماء والقتل.لقد وصل الشاعر إلى تعرية الشخصية الصهيونية، واستطاع أن يضع الإصبع على حقيقتها المتصفة بالزيف والكذب والتزوير.. إنها الشخصية التي تسعى إلى إنهاء الشخصية العربية الفلسطينية بكل الوسائل والطرق، لذلك كان كل هذا القتل، وكل هذا الدم، وكل هذا التدمير.. ولكن بقيت الشخصية الفلسطينية متماسكة قوية، قادرة على الثبات والتحدي والامتلاء بالحياة والأمل..
في الانتقال إلى شخصية أخرى، نقرأ في قصيدة"وحين يطلع الصباح" للشاعر سميح فرج قصة هذا الطفل الذي يدخل مساحة الموت والشهادة أيضاً. في المطلع: "الفجر دافق / من كل بيت شاهق بالجوع / من كل مدرسة / والصوت من المذياع / في شجة الحجر" وهو ما يضعنا أمام كل شيء ، فمن توصيف الجو العام وتحديد الزمن بالنسبة لهذا اليوم، نعرف أن الفجر دافق وكأنه يقول إن اليوم ما زال في أوله.. ثم ندخل مع الأم التي "توضأت للصبح ثم دثرته بالحنان" مساحة هذا التحديد الذي يقول إن الأم ما زالت تستعد لصلاة الصبح.. كل هذا والصبي ما زال في "دثرته بالحنان"فهو نائم تداعب الأحلام عينيه.. وهنا علينا أن نعرف أنه عندما يصبح الصباح، فإنه "يرف كالحمامة البيضاء"وهذا ينقلنا إلى معايشة شخصية هذا الطفل في دفئه وحركته وبدايةة يومه..
الولد الذي يرف كالحمامة البيضاء، و”تحت جنحه يضم غزة الرمال" يعطينا تحديداً للمكان الذي يدور فيه الحدث وهو غزة، لنكون أمام صورة تقول: ما زال اليوم في أوله، ونحن في واحد من بيوت غزة نعايش عائلة ابنها في المدرسة، وهو يستعد للذهاب إلى المدرسة.. قال لوالده "صباح الخير يا أبي"وكان قد رتب الدفاتر، وقلم الأظافر، ومشط شعره"والواجب اليومي حله بأكمل الصور / ويضحك الصبي عالياً / ويضحك البطل".. وماذا بعد؟؟..
ننتقل بعد ذلك إلى صورة نفسية تدخلنا إلى العالم الداخلي عند الطفل، والذي يلتقي مع العالم الداخلي عند الأم.. يقول الطفل، وبحالة من الصمت:"لا تقلقي / يقول لا يجرك الشفاه / إذا تأخرتْ حقيبتي عن الرجوع / أو حدثوك عن شوارع القطاع / والصبية المجتاح صوتهم مشارف السماء / أو جاء موعد الغداء / دون أن أراهم الصغار أخوتي.." فهذا الخطاب الموجه في كل مسافته إلى الأم، يعبر عن وعي الطفل ومعرفته بما يدور حوله من أمور. وطبيعي أنه يعرف تماماً أن جنود الاحتلال منتشرون في كل مكان، وأنهم يمارسون القتل والتعذيب والاعتقال..هنا يتوحد الطفل مع مشاعر أمه، لنرى إلى وتيرة واحدة من القلق والحذر والخوف.. إن محاولة بث رسالة إلى الأم تقول "لا تقلقي" إنما هي تعبير عن حالة من التوتر الشديد يعيشها الطفل أيضاً..
كل هذا يجري والطفل ما يزال في بيته بين أمه وأبيه وأخوته بعيداً عن حيز الخطر المنظور. هنا نعيش حالة الترقب والحذر والخوف، في شحنة التهيؤ لحدوث شيء ما.. الشاعر يوظف الكلمة لتمهد لحدث خطير آت.. الجو النفسي المشحون، يقول شيئاً سيأتي.. وهكذا.. لكن ما هو الذي سيأتي وماذا تقول الحكاية ة بعد ذلك؟؟
يركض الحدث ويتتابع حاملاً الكثير من التوتر، لنصل إلى صورة / المأساة النهاية ة "قد أصبح الصباح" هنا اقتربت لحظة الذهاب، وبعدها نعيش أو نرى حالة التشتت المرتبطة بالكثير من الترقب والحذر، وهو ما يجعل الصورة تتوزع دون ترتيب "جلّدتُ دفترَ الحسابِ جيداً / سيفرح المعلم الذي أحبَّني / يرفُ كالحمامةِ البيضاء" فالحاضر الذي ينطلق للتطابق مع فرح المعلم وهو ما سيحدث في الآتي، وهذه الحركة المتتابعة للطفل.. كل هذا يمهد نفسياً لما سيأتي طتأبط الحقيبةَ السمراء / وراح ينطلق / في الشارع المنشور بالزجاج والرجال / سيفرح المعلم الذي احبني / سيحزن المعلم الذي أحبني / مشاغب / مخرب / في ساحة الكاوتشوك غادر الحقيبة / ودفتر الحساب / وعانق الحقيقة / وغاب في المطر.." إنها اللحظة / المأساة التي كانت منظورة أو مشاهدة في الحالة النفسية، وكأن الطفل كان يعيشها قبل وقوعها وهذا ما جعله يغير الكلمة أو المفردة المعبرة خير تعبير وهو ينطلق إلى المدرسة من"سيفرح” إلى"سيحزن"وفي تقارب شديد، فالمعلم، وهو ما يشعر به الطفل، سيفرح عندما يرى دفتر الحساب المجلد، ولكنه الآن وعندما وصل الطفل إلى لحظة التطابق مع حالة الشهادة، سيحزن.. الطفل رأى معلمه وهو ينظر إلى موته، لذلك كانت صورة الحزن، وصورة الألم..
هذه القصة"وحين يطلع الصباح"تلتقي مع القصة السابقة"قريباً من ساحة المدرسة.. قريباً من مدخل البيت"في التركيز على الطفل / الشهيد، والطفل / المحايد، لأن صورة البطولة في القصة لا تأتي من خلال تشكيل أي فعل مقاوم.. الطفل في الحالتين بين البيت والمدرسة، في واحدة يذهب إلى المدرسة فيقتل قبل وصوله، وفي الثانية يأتي من المدرسة إلى البيت، فيقتل أيضاً قبل وصوله.. وحين نسأل لماذا وما هو الداعي لقتل هذا وذاك، تكون الإجابة – وفي القصيدتين – لأن شخصية الآخر لا تريد للفلسطيني أن يعيش، لا تريد له أن يستمر في الحياة، لا تريد له أن يتعلم.. الشخصيتان تموتان كما لاحظنا بين البيت والمدرسة. الشخصيتان تسقطان قبل الوصول إلى حافة الفرح، وكأن شخصية الاحتلال تطارد الفرح قبل أي شيء آخر.. الصبي الذي يموت، أو يقتل، يخلف حزناً ومأساة لأهله ومحيطه، وهو ما يريده الاحتلال.. والصبي الذي يقتل، لا يستطيع أن يكبر ليكون مدافعاً عن وطنه، وهو ما يريده الاحتلال.. والصبي الذي يقتل لا يفعل شيئاً، لا يقاوم، لا يجابه، والمعنى الذي نصل إليه يقول: في كل الحالات الفلسطيني مطارد من قبل الاحتلال، لا فرق بين إنسان يقاوم وآخر لا يقاوم، بين فلسطيني يجابه ويتحدى وآخر لا يفعل. فالفلسطيني معرّض للقتل من قبل الاحتلال، والفلسطيني معرض للملاحقة، وهكذا.. لا فرق إن فعل أو لم يفعل. فالاحتلال لا يريد – لو استطاع – أن يبقى أي فلسطيني على قيد الحياة..
في قصيدة أخرى حملت عنوان "صوت1" للشاعر يوسف المحمود نقرأ: "صادته أنيابُ الرصاصة فابتسمْ / ما قال آهْ / لما تفجَّرَ في دمه / شوكُ الألمْ / حضنَ الترابَ / وقبَّل الأرضَ الحبيبةَ / ثم غنّى / للبيادرِ / والسهولِ / وللروابي والقممْ"حيث تتوزع هذه القصة القصيرة على مساحات التطابق مع الشعور العميق بأهمية التداخل مع الوطن. من هنا هذا الإحساس بالتماسك والثبات والاشتداد، عند الإحساس بقمة اللألم وانفتاح كوة النار في الجسد. الشخصية / البطلة في هذا المسار تلجأ إلى التراب ليكون الملاذ والسياج ضد أي تمزق أو انهيار نفسي في مثل هذه اللحظة التي لا يمكن أن تشبه أي لحظة أخرى، لأنها لحظة النهاية بطبيعة الحال.. الأرض تندفع إلى الذات، والذات تندفع إلى الأرض في تشكيل أروع صوغ للتماسك والثبات والإصرار على التفاؤل..
علينا أن نلحظ، وبالكثير من التدقيق، إلى هذه الصورة القائلة"صادته أنياب الرصاصة فابتسم"لأنها تحمل الكثير من المفاجأة، إذ كيف يبتسم، ولماذا؟؟ فتأتي الإجابة في كونه، وهو الشخصية التي تقترب من لحظة النهاية ة، احتمى بشكل سريع بأرضه ليرتفع مع الأغنية المتداخلة مع البيادر والسهول والروابي والقمم.. وبذلك حققت هذه الشخصية قدرتها على الثبات والتماسك في وقت تتلاشى فيه القدرة على أي شيء، فكيف على التماسك والثبات..؟؟..

[/align]
طلعت سقيرق غير متصل   رد مع اقتباس