رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
[align=justify]
"المفردة"من الجيل الأول إلى الجيل الثاني:
في قراءة شعراء الجيل الثاني، لا نقف على نقلة تبعدنا عن الطريق الذي تلمسنا ورأينا الكثير من معالمه في التعامل مع المفردة، إذ لم يتغير أي شيء ولم يتبدل. وعلى العكس من ذلك، فقد ازدادت رقعة الاحتلال وامتدت سطوة الممارسات الهمجية الصهيونية. لذلك كان طبيعياً أن تلتقي"المفردة اللغوية"عند شعراء الجيل الثاني مع مثيلتها عند شعراء الجيل الأول وهم الذين خبروا الاحتلال وعرفوه طوال سنوات وسنوات، وكان لهم صوتهم المقاوم المتصدي القادر على الوقوف بكل ثبات وتماسك وقدرة.. فماذا نقرأ في ذلك؟؟..
في قصيدة"لو كنت مثلي أيها الحجر"يقول الشاعر هايل عساقلة:"لم أذق جيلين طعم البرتقالْ / أيها العابر خذني للشمالْ / وخذ المقلةَ مصباحاً وخذْ / أضلعي جسراً وناديني تعالْ / فوق شرياني أنا أمشي إلى / كرم أمي وبساتين الدوالْ / عذَّبتنا في المنافي غربةٌ / عضَّنا الشوكُ وأدمتْنا الرمالْ / لمَ والكرمل مهدي وأبي / غارس الكرمةِ في سفحِ التلالْ." لنعايشَ المفردة بشكلها المسكون بنبض الحنين والشوق والحاجة إلى الدفء المفقود. كل ذلك ينبع من الحرمان الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني ليقول بظلال الصورة الباحثة عن ملامح الوجه والصوت والخطوة. الشاعر يطلب طعم البرتقال، لتأتي لفظته مطوية على الكثير من الرجع الحزين.. ولكن هل اكتفت المفردة بطرح الصورة على هذا الشكل؟؟..
إن العودة إلى تفصيلات"المفردة"إن صح التعبير، وحين نأخذ:"أمي / مهدي / أبي / غارس"فإننا نقع على صورة المطالبة بالفعل من أجل الحق، وبما يصرّ على بروز الشخصية المتعلقة بالذات الفلسطينية وامتدادها. بينما تأتي مفردات مثل"الكرمة / طعم / بساتين"لتقول بصورة الالتفات إلى الطبيعة وجغرافية المكان بكل المعاني. وهنا نجد الكثير من التأكيد على امتداد شخصية الفلسطيني في جغرافيته، والجغرافية الفلسطينية في شخصيتها، ليكون التاريخ شاهداً على التواصل في كل الحالات.
يمكن أن نقرأ هنا، وبكثير من التوقف عند دلالة المفردة، ما كتبه الشاعر إبراهيم عمار في قصيدة"مقاطع من أنشودة الحزن"حيث:"مفعمة هذي النسماتُ / بصوتكِ / والمأساةُ امتدتْ في نفسي / وعلى إيقاعاتِ الدبكةِ أنهضُ / أسحبُ سيفي / أنتصبُ على أنشودتيَ المبتورة / وأغنّي نبض الموّال أموت / يصير رفاتي نبضات قصيدهْ"حيث نرى إلى حالة من حالات الدفع في إعطاء المفردة شحنة متتابعة، وكأننا أمام سلسلة من التطور بين مفردة وأخرى. تبدأ هذه السلسلة بالنسمات، وهي مفعمة بالصوت، ثم تنتقل إلى شحنة مغايرة عند الالتقاء بوقع المأساة الممتدة في نفس الشاعر، ومن كل هذا الهدوء تأتي الحركة الدافعة المسكونة بإيقاع الدبكة بما تشكِّل من تراث وتاريخ وجذور، وهو ما يرافق أو يلتصق التصاقاً مباشراً بعملية النهوض.. وبعد..؟؟..
المفردة كما نلحظ تأتي بشحنتها من خلال موقعها في التركيب الدال على حالة من حالات الدخول في عشق الوطن، أو الارتحال فداء في عينيه. وإذا كانت النسمات في غاية الهدوء وهي تسجل امتصاصها للصوت، فإن المأساة الممتدة في نفس الشاعر لا تبتعد عن الهدوء أو السكون، ولكنها تختلف في شحنتها وبعدها ووقعها عن"النسمات"لنكون أمام صورتين مختلفتين من صور السكون والهدوء. الصورة الأولى ذات بعد جمالي متكئ على معان لا تدخل في باب الحزن الدفين، بقدر ما تفجر حالة الذكرى والتذكر والتوحد مع موسيقى نابعة من عمق أعماق الشاعر، بينما تأتي الصورة الثانية لتكون ذات بعد مسكون بكل معاني الحزن والدمع والألم، في التقاء لا ينكر مع حالة شديدة من حالات الذكرى والتذكر. وفي كل الصور يأتي النهوض وكأنه حالة انفجار تتبع كل هذا السكون الذي رأينا. فالشاعر يبدأ في دخول"خطوة"الدبكة،ثم خطوة"التراث"ثم خطوة "التاريخ"ليعطي النهوض شكله الجديد القائل بضرورة المقاومة، وهنا احتماء بالماضي، بالذاكرة، بالتاريخ، بالذات المسكونة بكل الامتدادات والعمق.. من هنا تبدأ الصورة في الانتقال إلى مرحلة جديدة من شحن المفردة.. كيف؟؟
مع لحظة"سحب السيف"تبدأ حركة الاندفاع في معاني الفداء، وصولاً إلى الشهادة ثم انبعاث الرفات في نبضات قصيدة. طبيعي أن هناك مسافة بين لحظتي"سحب السيف"والانبعاث في"نبضات قصيدة"ولكن مثل هذه المسافة لا تعني حيزاً زمنياً طويلاً. إذ الإيحاء هنا يقول بالتصاق المفردة بالمفردة وكأننا أمام تلاحق لا يترك مجالاً لأخذ النفس، فالسيف يسحب،وانتصاب القامة يتم، ثم تكون الأغنية، والموت، فالانبعاث. لنرى هنا إلى مسافة توهمنا بوجود فواصل زمنية، ثم تضعنا في الوقت ذاته أمام حالة من حالات التداخل السريع، لنصل إلى القول: هناك مسافة موجودة بين المفردات في كينونتها الملفوظة والمكتوبة، ولكنها مسافة ملغاة وغائبة في الحالة الزمنية..
[/align]
|