رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
[align=justify]
الصورة / اللوحة وحالة الاشتعال:
في قصيدته "أحمد عز الدين اليعبداوي الذي قبَّلَ الأرض واستراح" ينقلنا الشاعر سامي كيلاني إلى حالة من حالات اشتعال الألوان وتوهجها بأعلى وتيرة ممكنة. فأحمد الذي يجيء إلينا شهيداً يحمل الأرض بكل حرارتها وجمالها وسحرها، يستطيع أن يكون كل ما يخطر على البال، وهذا ما يجعله وطناً في الوطن، واسماً في كل الأسماء، ومعنى في كل المعاني. كيف؟؟..
الشاعر سامي كيلاني يسأل "فبأيها أناديك؟؟.."حين يريد أن يختار اسماً من الأسماء يمكن أن يتوافق مع حالة الشهادة، ومع خصب الشهيد ..فتكون الإجابة كل الأسماء: "يا أحمد الحجر / يا أحمد الفداء / يا أحمد العز / يا أحمد القسام / يا أحمد البعيد" وهكذا تستمر الأسماء المرافقة والمتداخلة مع أحمد، فهو الثورة، الأزهار، النور، الورد، البسمة، الحزن، الفرح، الوطن، الأطفال، الكد والعرق، الدرب، الرأي، الدمع، البشرى، الحقل والبيدر، الزنود السمر، الثمر، الشهيد، المطر، العريس، الشجر، و"يا أحمدي… يا أحمدنا / يا أحمد المحبين / يا أحمد الذي ترتسم الأسماء من بعده / يا أحمد الذي تفرح الحارات باسمه / تعيره الاسم.. تستعير من حروفه اسمها / آه سأناديك بالأسماء جمعاً / سأناديك أحمد" فإلى أين نصل في تلمس مثل هذه الخطوط والألوان؟؟..
إن حالة الاشتعال هنا لا تترك مجالاً لبروز لون على حساب الآخر، حيث تأخذ اللوحة في استحضار كل الألوان التي يمكن تخيلها. كل هذا جراء تركيز الشاعر على صورة الشهيد القريب من ذاته إلى حد الملاصقة، مما يجعله مصراً على رؤيته في كل شيء. والانتقال هنا إلى"الأسماء" لتكون "ألوان"امتداد ٍ لانهائي في الخطوط، يضعنا أمام "شهيد" يترك مساحة موته ليكون في كل شيء، وبما يعني رفض أي حالة من حالات التراجع أو الانحسار. فأنت حين تنظر إلى لون الحجر تراه، وإلى لون الأزهار تراه.. وهكذا.. ليكون في الشكل من جهة، وفي المعنى من جهة ثانية.
الألوان في مثل هذه اللوحة تستدعي أن نرتب الأشياء بهدوء، لنرى إلى أين تصل.. ولكن مثل هذا الترتيب يضعنا أمام إشكالية البحث عن "إطار" يمكن أن يؤطر لنا هذه الصورة، وهذا غير موجود على الإطلاق، لأن الريشة التي توقعنا أن تقف عند لون محدد لتأخذ منه ثم تنتقل إلى لون آخر وهكذا، كسرت القاعدة وأخذت تشرب من مساحة الألوان جميعها وبما يجعلك أمام لوحة تنطلق من نقطة محددة هي"الشهيد"ولا تقف عند حد في رسم الوجوه والملامح والخطوط والامتدادات، وهو ما يعيدنا إلى صورة الشهيد / الوطن، الشهيد / الألوان كلها، الشهيد / المعاني كلها..
في حالة الاشتعال هذه نقرأ قصيدة "مشاهد أزلية" للشاعر فتحي قاسم حيث: "أم الشهيد تهزّني / وتصيح بي / ما زال يمرح بيننا / دمه سراج في الليالي المظلمة / نهر جرى / يمحو الأسى / ويفك أسر العاشقين بفيضه / ويروِّي أقداس الثرى / نجم علا / نجم سرى".. فالشهيد يرفض حالة الغياب أو التلاشي والانزواء في مساحة اللون القاتم.. إن الخطوط التي ترتفع على هذا الشكل من التوهج، ترفض أن تكون ذات نهايات محددة، وإن الألوان التي تزرع كل هذا الخصب، ترفض أن تكون ذات ملامح قاتمة.. الشهيد يأتي ليطرح معادلة الفرح قبل أي شيء آخر.. على الزهر أن ينهض لتقبيل هذه الخطوات المعمدة بكل مساحات العطر، وعلى العشاق أن يشعلوا كل الدروب لاستقبال هذا الألق الذي أراد أن يرسم لهم غداً مشرقاً مليئاً بالفرح..
الأم تأخذ الريشة وتنفض عنها كل الألوان القاتمة وترفضها، بعد ذلك تنظفها من أي أثر قاتم.. ثم تتحول تماماً إلى الألوان الزاهية وتأخذ في جمعها.. من هنا يأتي الشهيد ليكون حاضراً "يمرح بيننا"وليكون من خلال دمه "سراج"الليالي المظلمة، ومن خلال فعله النهر الذي جرى ليمحو الأسى، وليفك أسر العاشقين بفيضه، وليروي أقداس الثرى.. وهكذا..
الألوان كما نرى تأخذ شكلها الخصب في مثل هذه الحالة من الاشتعال، وتأخذ شكلها الخصب في مثل هذه الحالة من الحضور، ولا تبتعد بأي شكل من الأشكال عن معنى الاستمرارية في رفد الخطوط الواصلة إلى استحضار الشمس..
[/align]
|