رد: زمن البوح الجميل / رسائل بين الأديبة ليلى مقدسي والشاعر طلعت سقيرق
الفن والذات
سأحاول مداخلة الكلام عن الفن والذات من خلال قراءة شعري لا شعر سواي ، فلا تستغربي إن كان الفنان فينا مصراً على وضع بصمته في كلّ خطوة من الخطوات .. وأصدقك القول : لا يهمني في كثير أو قليل ، أن يأخذ الآخرون في ملاحقة خطواتي وأنفاسي ووقع تدفقي على الدرب الطويل . ذلك أنّ الناس بين اثنين : محب يطربه الفن فيصفق من القلب لكلّ نشيد جميل ، ويكاد يرقص لكلّ لحن أخاذ .. وكاره يأكل الحسد قلبه ، وتنهش الغيرة صدره ، وإن حاول أن يرسم على الشفتين ابتسامة لا تشبه الابتسام .. وفي الحقيقة فأنا أكتب للأول وأشعل أصابعي وعمري من أجله ، وأتجاوز الثاني مدركاً أنه لا يستطيع مهما حاول أن يكون غير ما هو عليه ..
الفن يا ليلى نشوة وخمرة وصلاة .. نعرف كلّما أمعنا في دراسة الفن، أن لا شيء يمكن أن يشكل البديل .. لذلك نعزف صوتنا في دروب الحياة، ونغني أشواقنا في الطريق إلى سدّةِ الذهول الجميل .. ومهما قست قلوب الحاسدين الناقمين ، فلن توقف تدفقنا وصوتنا وصورة رقص الينابيع على الورق .. تدركين أن خمرة الكاتب تسكره فلا يصحو ، وتأخذه فلا يقف عند أي حد من الحدود .. تذكرين قولي :
عمري و ما عمري سوى أحلى ترانيم الهوى
لا أرتوي إلاّ إ ذا نبضي من العشق ارتوى
تاج الغرام ملكته قلبي على العرش استوى
وقولي : غيبتُ وجهي بين صدركِ
والسماءْ .. ونشرت قلبي في فضائكِ والفضاءْ وإذا تواترت الحكايا كنتُ بينك والمرايا زهرةً في كوب ماءْ
وقولي : كم من مطرْ
كمْ من صورْ
قلبي انهمرْ
عينا كِ أم ضوء القمرْ
ضاع الخبرْ ..
الفن في كلّ ذلك .. وذاتي في كلّ ذلك .. يصعب الفصل والبتر .. فأنا الكلام ، والكلام أنا ، ويبقى الفن حين يكون جميلاً أروع من أي شيء آخر في العالم . حاولي أن تعيدي قراءة الكلام .. كلّ حرف يطرز الروح بأجمل الألحان .. كلّ حرف يعطي الوقت معنى الدخول في الوقت ..
هناك من يسمع هذا الشعر ويرقص مع دفئه ، ذاك إنسان كان أكبر من فاصلة الحسد . وهناك من يسمع فيقطر وجهه سماً وحقداً ، ذاك مخلوق ما استطاع أن يبقي الإنسان في داخله . بين هذا وذاك مسافة .. الجمال يجب أن يشدّ الإنسان ويأخذه إليه . بينما لا يستطيع من سقطت ملامحه في مستنقع الحقد أن يحب الجمال والخير وكلّ ما هو استثنائي .. ودائماً تتكرر مثل هذه الصور .. في كلّ زمان ومكان .. لكن الفن الجميل يبقى رغم أنف الحاقد الحاسد ، لأنّ الفن أكبر من قانون الزمن والفناء .. لذلك أميل دائماً إلى إعطاء الفن كلّ ذاتي ، ولن أغير شكل خطواتي من أجل حاقد أو حاسد ، فأنا أكتب وأبدع للذين يحبون الحياة ، ويعشقون الجمال..
|