عرض مشاركة واحدة
قديم 14 / 08 / 2009, 36 : 10 PM   رقم المشاركة : [20]
طلعت سقيرق
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي


 الصورة الرمزية طلعت سقيرق
 





طلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين

رد: زمن البوح الجميل / رسائل بين الأديبة ليلى مقدسي والشاعر طلعت سقيرق

مرايا الحبِّ الجارح
[align=justify]
هل كان عليَّ أن أمضي في زمن البوح إلى هذا الحدّ ؟؟ أحاول أحياناً ترتيب شجر المكان، فيرتبك شجر الزمان .. يصعب أن أفتح بوابة قلبي على مطر الوقت الذي كان ، وعلى مطر الوقت الذي يكون .. ويصعب أن آخذ في تفتيت كلّ الحكايات كي أشكّل في النهاية صورة من صور الروح.. أحياناً أسأل : هل كتبتُ الشعر كي أحب ، أم أنني أحببتُ كي أكتب الشعر .. أليس غريباً أن يأتي السؤال على هذا الشكل؟؟ ..
حين أمدّ أصابعي لألامس بعض فيء الورق ، تضحك الحروف مشعلة ذاكرة الوقت الطويل . ومن زمن ما ، في مكان ما ، ينبت هذا الصبيّ في حي شعبي من أحياء دمشق.. تركض الحارات والأزقة والبيوت .تنزف الشبابيك عطر وعد.أرأيت إلى الشبابيك وهي تنزف وردة وحلماً وزقزقة نور ؟؟ ..
كان حيّ الشيخ محي الدين طازجاً بما يحمل من رائحة الزمان الجميل .. لا أدري الآن إن كانت الذاكرة كعادتها تلون الماضي بألوان براقة زاهية ، فنقع دائماً في شباك حب الذي كان.. بينما ننسى أو نتناسى حلاوة الوقت الحاضر الجميل .. ربما بشكل ما ، نحب دائماً أن نعود إلى ما مضى .. وربما بشكل ما ، نحبّ أن نبني الماضي بالشكل الذي نريد ..
أعود إلى المكان ، ومن صورة البدء آخذ جمرة الروح ، ولا أفارق في هذا وتر الشعر .. فالمكان يستطيع أن يزرع في الدروب الشعر حتى التوقد ، كما يستطيع أن يمسح كلّ ملامح ومعالم الذات الشاعرة .. وهناك إلى جانب المكان صورة أنثى عندها يرتبك القلب ويشعل فتيل النبض الاستثنائي الذي لا يشبه أي نبض .. وحين أعود الآن إلى الشعر لا أستطيع نسيان صورة واحدة من صور المكان وأشخاصه . ودائماً تشغلني صورة أنثى استطاعت في البدء أن تشكّل ولع الصبيّ الذي كنته بالشعر .. يومها كانت المعادلة مقلوبة ، فكان الشعر وسيلة ، وكانت الأنثى غاية . كنت أكتب كي ترضى . ولا أدري إن كان الشعر وقتها قادراً على حمل صوته بالشكل الذي يصل بالكتابة إلى ما هو شعري أو شاعري ..
كنتُ مسكوناً إلى حد ما بهاجس اللعبة التي لا تعرف أين البداية وأين النهاية . إذ كانت الحدود وقتها أكبر أو أشدّ اتساعاً من قدرتي على المحاكمة الصحيحة . لكن في كلّ الأحوال، كان الشعر جسراً ينقلني إلى الأنثى . ولا أدري الآن حقاً عدد اللواتي كتبت لهنّ الشعر ، لأن الأسماء كانت كثيرة ، والوجوه كثيرة ، وعصافير الفرح كثيرة .إذ كانت الأنثى مأخوذة بأن تكون مدار قصيدة ، وكان الصبي مأخوذاً بالتفاف الإناث حوله .. كان وقتاً رائعاً .. وكنت أفتح صنابير الشعر لتسكب في الكأس عسل الكلام ..
منذ سنوات ، أحرقت دفاتر كثيرة كانت تضمّ الكثير من قصائد العشق في زمن مضى .. لا أدري الآن إن كنت آسف على حرق القصائد ، أم أنني آسف لأنّ القصائد أحرقت أصابعي. إذ في كلّ الحالات ، ومع كل قصيدة سقطت على حدّ النار ، كنتُ ألغي خطوة من خطواتي، وأمسح عن زجاج الوقت حلماً أو نفساً من أنفاس الوجوه التي سكنتني ذات يوم ، وبعضها ما زال ..
الآن وبعد أن صارت كتبي تأخذ شكل ملامحي ، أضحك لتلك الأيام التي مضت، أعترف أنّ الشعر صار أكبر من شجرة وأجمل من وعد . وكم يطيب لي أن أضع صورة عمري على غلاف كلّ كتاب .. لأنّ الأوراق التي بقيت ، والأوراق التي احترقت ، تشكل ما وصلتُ إليه. ولولاها ما كان لي أن أقف الآن مليئاً بالشعر الذي يملأ المكان والزمان. وإذا كان البعض يفخر بأنه صنع من الشعر نصف حقل من حقول العطاء ، فأنا أفخر بأنّ قصيدتي تستطيع أن تملأ العالم بالدفء والحيوية والأمل . أجل صار شعري قادراً على تجاوز الكثير من شعر الآخرين ، لأنني سقيته سنوات عمري بعاطفة قلّ أن تجدي لها مثيلاً ، وسقيته من دفقات قلبي حباً لا يعرف الانطفاء ..
هل كان الشعر بعد كلّ ذلك قامتي وصورتي وصوتي وملامحي ..؟؟ أجيب ببساطة أنّ الشعر سكنني وسكنته ، أخذني وأخذته ، أعطاني وأعطيته . لذلك يصعب أن يكون أقلّ قيمة من مجموع ذاتي . فالذات الشاعرة تسقط إذا كانت غير قادرة على ضخّ الشعر ، والشعر يسقط إذا كان غير قادر على ضخ الذات . وفي كلّ معادلة جديدة ، يكون الشعر سيد المكان والزمان ، وتكون الذات الشاعرة روح القصيدة وريحانها ..
أعيد ترتيب المكان .. وأعيد ترتيب الزمان .. وأعود دائماً إلى صورتي وصوتي لأقول إنّ الشعر لم يفارقني ، ولم أفارقه .. كان العهد بيننا أن نستمر في التداخل حتى الاندماج، وأن ندخل في التوافق حتى الارتفاع إلى الأعالي . وحين يقرأ الإنسان شعري ، لابدّ أن يجدني عند كلّ حرف . حضوري طاغ ، وحبي للشعر كبير .. لذلك أقول كلّما سئلت: الشعر هو الأول بين كلّ ما أكتب ، والبقية الباقية من رواية وقصة ومسرح ومقال تأتي بعد المعشوق الأول الشعر ، وهل هناك أجمل وأحلى وأروع من الشعر؟؟..
هل تحدثت عن الصبي الذي كان .. هل رويت حكاية المكان الذي زرع في داخلي شهوة الشعر ؟؟ وهل قلت إنّ الحب كان جارفاً وجارحاً ؟؟ ربما كان علي أن أقول كلّ ذلك.. لكن في المقدمة يبقى القول إن الشعر كان ربيعي الدائم وما زال ..
[/align]
طلعت سقيرق غير متصل   رد مع اقتباس