رد: زمن البوح الجميل / رسائل بين الأديبة ليلى مقدسي والشاعر طلعت سقيرق
[align=justify]
قال النفري ـ بين النطق والصمت برزخ فيه قبر العقل ، وفيه قبور الأشياء ..
دخلت مملكة الفوضى ، أو توحدت بها ، أستحم في فوضى الحبر ، فوضى الاغتراب ، فوضى الصمت ، فوضى الحب ..
هو .. يخترق هذه الفوضى الضبابية ، يحتل مساحة من العمر متأخرة، لكن الزيتون نسي اخضراره الدائم في خفايا شعابها ..
تصحو الذات من لحظات الوهن ، لتختبر الاخلاص ، لتجرب نخب الوفاء ، لكأس الصدق نشوة الخمرة الصوفية ، وللنبيذ ارجوانه المعتق في مسارب النفس الهوّامة . كم يلزمها من الثبات ، كم يلزمها من الزمن لتعيد ترتيب طقس الذات المقهورة ولتمتحن الصدق فيه ، لتؤمن به ، أو لتثق به ، وسط ألغام الحروف المتطايرة وحرائق الكلمات الشاعلة والمشتعلة.. تعودت أن تغفو الذات الوهاجة على رماد الصفحات ، ورسمته بصور الكمال ، أليست هذه عادة المحبين ؟ حين باغت غابة صمتها العارية كانت قد نسيت حفيف الحنان ، كانت قد اختبأت في اصفرار ما تبقى من الأيام . اقترب أكثر منسلاً ليلامس الانثى الخجول المنزلقة من حصار الحواس هو .. عرف كيف يجسد مقولة " اوسكار وايلد " .ـ خلق الإنسان اللغة ليخفي بها مشاعره ـ
بقي شوق المسافات ، وفرحها البريء ، وتراويح اسطورة حائرة من معابد ـ الاولمب ـ تراود ذهنها المشوش ، الوقت يهرب لفرط ما انتظرته ، ومن مشارف جوقة الآلهة قال لها ـ ايروس ـ إله الحب ..
" كانت الأرض شاحبة مجدبة ، فتناول سهامه التي تشيع الحياة في كل شيء تمسه أو تغيب فيه، ولم تكن إلا لحظات حتى اهتز وجه الأرض، وتشقق عن الخضرة والصفرة والحمرة ، فيبسم أشتات الزهر ، وتطن اسراب النحل ، وتغني الطيور . وأصبح كل شيء جميلاً ، واستيقظت الأرض ـ حبي ـ وأعجبت بكل هذه الآيات التي صنعتها سهام ( ايروس ) فضحكت وعرفت أنها ربة ثم أدركت أن شيئاً ينقصها .. إله ذكر .. فخلقت ( أورانوس ) .
هو .. كلما كتب تكتسي براعم اللغة بالاخضرار الربيعي المورق ، ويقفز صمت مراوغ بين الجمل المسترسلة . بينما صهيل الرغبة يوقظ نبض الاحساس .. فهل بقي على شرفات الزمن مكانٌ لخلوة حب ؟ ..
شرر الاحتراق يبهرها مستتراً في الذات ، يقف العمر ، تشيخ الأزمنة، وترجع طفلة المستحيلات تقفز على سياج العبث الجميل . لكن الابتسامة غائبة دائماً في هطول حزنها السري الدائم ، ستجرب معه الابتسام . وكم جربت الصمت لتمويه اخفاق العشق ، وبين البوح والآخر يتابع الوجد النواس ذبذباته ، مربكة اللغة . فتدخل الكلمات في ثنايا لحاف الصمت كي تحتفظ بالمشاعر التي ربما تكون أجمل في الغياب ..
تخرج من الذات المطعونة بسكين العشق ، تترنح على جدران مفخفخة بالتحدي .. كل دموع الأرض لا تغسل خوفها ، قلقها ، اضطرابها ، والقلب يطفئ سجائر البوح على رمال الحب المترمدة ، ديمة البوح المفاجئ تنهض بها عودي قوية ادخلي دورة الحب من الفصل الأول . وترتسم دوائر ودوائر الثنائيات المضادة أمامها ، والتي ما زالت قانوناً يحكم عالم الحب.
ـ الوفاء والخيانة ، الصدق والكذب ، الاخلاص والغدر ، الحزن والفرح ، العرس والمأتم ، وهل نختار شيئاً مما كُتب لنا على ألواح الغموض السرية ؟ ..
هو رجل اللغة يتوغل معها في منعطفات ويمنحها التعابير الفضفاضة بحيث بدأت ترتاب باللغة ، وتشك في المعنى ، فاللغة ذات حدين ..
والمسافات تكبر علامات الاستفهام ، فأي مذهب من مذاهب الحب تعتنق وكانت صرخات كفرها ضجيج صمت . ربما تستعد للمبارزة .. فالحب لا يحتمل التفكير العميق .. والحب ذاكرة نسيان للخيبات والحماقات ، للفناء والبقاء ، ويبقى الحب جرحنا الكبير في مراجل الفقدان..
[/align]
|