رد: زمن البوح الجميل / رسائل بين الأديبة ليلى مقدسي والشاعر طلعت سقيرق
وارحمتا للعاشـــــــــــقين تحمّلوا ســـتر المحبة والهوى فضاح
بالســـــــر إن باحوا تباح دماؤهم وكذا دماء العاشـــــقين تباح
عودوا بنور الوصل في عنق الدجى فالهجر ليل ، والوصال صباح
(( السهروردي ))
[align=justify]
كيف بدأنا زمن البوح ؟..
حين نبت الحرف على أهداب صفصاف الغياب ، حين تبرعم الزنبق على شجر الروح . حين سمحنا لطائر الوجد أن يرمي رسائلنا لكل عشاق العالم ، حين ضفرنا لغة الحب جدائل وردية لقامات جسور الكلمات ، أليس الحرف كاللغم في ارض مجهولة لا نعرفها . كالحب تماماً ، قد نتعلق بأشخاص لا نعرفهم ، وثمة بشر لا نستطيع أن نكتب لهم حرفاً واحداً ، أو نمنحهم لحظة ثابتة في زوايا الذاكرة .
وثمة أشخاص يدخلون الأنفاق السرية خلسة فتحدث لحظة اليقظة الذاتية وتتقد شهوة الكتابة النهمة ، وكما أني أحكم على الأشخاص والأشياء منذ اللحظة الأولى بحاسة لا تخطىء ، هكذا أندفع إلى الكتابة ، ولكن هل من جدوى للاحتماء بالكلمات فقط ؟ .. هكذا اندفعت إلى الكتابة بأصابع تلاعب الحروف على قيثارة الأحاسيس ، وقد تتجاوزني الحروف أحياناً مأخوذة بهذا السر الغامض والذي لا يقبل أي تفسير .. فالحب كالفن لحظات احتراق ذاتية ، ولحظات احتراق للزمن ، للعرف ، للمجتمع ، للأديان ، للمألوف ، دون أي مبرر منطقي يحتل إنسان ما مساحة اللا شعور ، دون أن ننتظر العثور عليه ، ويحاصر منطقة محرمة لا يدخلها أحد ..كيف أنبتَّ الياسمين على صدر الحجر ؟ ..
كيف غيرتَ ألوان البحر ؟ ..
صمت المحب يربك خارج حدود الكتابة ، ويجعل أسلاك الهاتف تغرد كعصفور شريد يدمدم بنبرات شجوه ، قلقه ، فرحه ، هذيانه ، ويبقى يحوم بلا عنوان في فضاءات الاندفاع العشوائي..
حضوره مربك على الورق بمحاذاة أنوثتها المحجوبة بخمار الصفحات، وحين يغادرها عصفور الحب المسافر أبداً ألا يمارس ساديته ، و يمارس ظلمه بقهر آخر ولكنه يتركها ليساهم في سعادة الآخرين .. وهل تستطيع الكتابة وحدها أن تعري كل تفاصيل رجولته ؟..
ما بيننا لغة ، فهل تكون اللغة أجمل منا ؟ أجمل من قصتنا ، أجمل من أحاسيسنا ، أجمل من أمزجتنا ، أجمل من اندفاعنا ؟..
هو .. يبعثر ألوان لغة لا لون لها .. ولها كل الألوان ..
هو .. ينقط على شغاف القلب حروف الحب واللا حب ، يبعثر أوراق المعنى واللامعنى .. من المستحيل اعتقال لحظة الذهول التي يخلقها حين يشد معطف صمته ويمضي لا مبالياً ..
لماذا يثير فيها كل هذه التساؤلات ، ولماذا يطوف بها حلقة الاستفسار ؟؟ ولماذا يخلق لها حالة من حالات خروج الذات من حصار المنطق العقلاني ، لجامد الأسئلة المنهلة حالة عشقية غامضة تتقمصنا ، وتشدنا إلى الآخر المجهور بخيوط لا مرئية . الغموض يثيرني ، يشدني إلى حالات التوتر الخللي للأفكار حين أمتطي مراكب التيه على لجة تفاصيل لا أجد لها تفسيراً ..
أحب لحظة المفاجأة العشقية ، ولكن ماذا لو أخفى وراء الحروف رجلاً آخر أتابع قراءة بوحه الخاص مع العام لأتتبع الاحداث ، إنها مغامرة جمالية المعنى ، وهذا هو خلطي الدائم بين اصراري على الطفولة وبالمضاد لها في الحياة .. هل يبقى طفل العشق يحبو في ذواتنا ولا يكبر ويتعقل ؟ .. وهل نبقى كائنات عشق حبرية .. اسطورية .. افلاطونية .. إذن علينا ألا نغادر الورق ..
[/align]
|