رد: زمن البوح الجميل / رسائل بين الأديبة ليلى مقدسي والشاعر طلعت سقيرق
[align=justify]" لا زمن للحب "
ـ فإنك لا تدري بأن رب لحظة تفوتك لاتدري متى تستعيدها؟..
( النفري )
علمني فقدان كل من أحببت أن أخاف دائماً من اللحظة الهاربة، وأن أكتب باستمرار وكأنني على موعد مع الموت..
هروب اللحظة يجعلني أصرخ بها ـ توقفي كم أنت جميلة ـ توقفي أنك لن تعودي بنفس القوة ، ونفس الدهشة ، ونفس الانفعال ، ونفس الصدق .
قد نلتقي بعد زمن طويل ، وقد .. نلتقي في زمن أقل ، وقد لا نلتقي . كل ذلك لا يهم طالما أننا ساكنان ومسكونان في ممرات الحب الضيقة ، كل ما أرجوه ألا تتصدع جدرانها من الصدأ في زمن ما ..
أغطي قلبي بجلباب الكلمات ، وأخمر وجهي بجرار الحروف ، وأتوغل في منطق الكلمة التي تحمل جفافنا وخصبنا ، حزننا وفرحنا ، دمعنا وابتسامتنا . فوضى الحبر ، وفوضى الصفحات، خلق لي منطقي الخاص لحب اسطوري ملحمي من اللامنطق ، من اللاشرعي ، من اللامألوف . لأن على لوحة أقداري مكتوب بخيوط الأزل ـ لا تلمس أي شيء تحبه ـ.
أتمنى أحياناً أن أخرج من حدود الحروف ، من حدود الزمن ، وأكسر الأطر المصنوعة لمقاساتي قبل أن تستهويني لعبة الكلمات للنهاية وبذلك أقسو على الحب وأظلمه ، وتعود حروفي بحنان أمٍّ لتضم أحزاني المزروعة شتلاً للنفس التي دخلت مملكة الصمت المغلقة .. حتى بت أخشى أن أرى وجهي المرهق ، الحالم ، العاشق على صفحة مياه بحيرة فأهيم مع السراب كما تقول الاسطورة :
( نركسيسوس ) ذلك الشاب الاغريقي الذي دلّه الآلهة بجماله، وتام عذارى أثينا بنضارته واشراقه ، أّخذ بجمال نرجسة حلوة قطفها من غصنها المياس ، وحدق فيها بعينيه المعسولتين ، وما هذه النرجسة الا فتاة رائعة الجمال .. فأحبته بكل أحاسيسها وكشفت له عما تضمر من هيام ، ولكنه تركها وانطلق إلى الغابة لا يلوي على شيء، ذلك أنه لم يجرب هذه المفاجأة بالحب ، وبكته حتى شف قلبها الهم والشجن أضنى جسمها الناحل . ثم اضمحلت وغدت لا شيء..لكن الشاب ( نركسيسوس ) الذي حطم قلبها الغض، عرج ذات يوم على خميلة ليشرب من الغدير الصافي . وما كاد ينحني حتى رأى صورته في صفحة الماء الساكنة فبهره حسنها ، وأخذ يرمقها بقلب مشوق ، ونفس هائمة ، وهو لا يعلم أن الحبيب الذي تيمه هو ظله ، وعروس الماء هي خياله . خاطبه كثيراً ولا مجيب إلا ما تهمهم به الريح ، واقترب يريد قبلة فاقترب الخيال من فمه ، وفر في الماء فتحطمت الصورة الرائعة . فذبل عوده ونضارته ، وكانت عدالة فينوس حين دنت ساعته ، فأقبلت عرائس الماء تنوح وتجمع الحطب لاحراق جثته ، ولكنهن لم يجدن غير زهرة جميلة من أزهار النرجس انحنت على صفحة الغدير تنظر فيه إلى ظلها وتذرف دمعها ..وهكذا تبقى نرجسة الحروف هي المعشوق والعاشق على صفحات غدائر الزمن ..
30/5/1998
[/align]
|