رد: زمن البوح الجميل / رسائل بين الأديبة ليلى مقدسي والشاعر طلعت سقيرق
[align=justify]
وكان الشعر .. كان القلب ..
أحاول الكتابة أحياناً فتطل الحروف من مخابئها ثم تعود رافضة أن تسير معي إلى حيث أريد .. من قبل كان ذلك أكثر من كثير .. ثم أخذ يقلّ شيئاً فشيئاً ، ليكون في القليل النادر اليوم .. وقد يسأل سائل : لماذا.. هل تغير الإبداع .. هل تبدلت روح الكتابة .. ؟ وأحبّ هنا أن أقول إنّ السنوات ، والكتابة باستمرار ، تجعل التآلف قائماً بين الحرف والكاتب .. فلا يعود الحرف على جفائه الذي كان ، ولا تعود الكلمات على نفورها الذي مضى .. وتصبح الخبرة ميزاناً جميلاً يستطيع الكاتب من خلالها أن ينتقي المفردة التي يريد دون حاجة لإطالة البحث والتنقيب.. وهذا لا يعني بأي حال ، أنّ الكاتب يتحول إلى مضخة تضخ الحروف في كلّ وقت ..
هناك دائماً مساحة تجدر دراستها عند الكاتب ، يمكن أن نسميها مساحة التآلف والالتصاق بدفء الحرف .. وكلما ازدادت هذه المساحة اتساعاً، كلّما كان الكاتب أقدر على التعامل مع الحرف بتدفق وحيوية وتميز .. وإذا كان الكاتب المبتدئ يحتاج لساعات طويلة كي يشكل نصاً إبداعياً ، فإنّ الكاتب والمبدع الذي أمضى سنوات طويلة من العطاء ، لا يحتاج إلا إلى القليل من الوقت ، ليقدّم نصاً أكثر نضوجاً وجمالاً وروعة ..
أذكر ، وربما تذكرين ، أننا كنّا نتباهى بتمزيق الورق وإعادة الكتابة ، وكلما ازداد عدد الأوراق الممزقة أو الملقاة في سلة المهملات ، كنا نشير إلى حجم التميز الذي عندنا ، وندّعي أنّ فعل الإبداع يستدعي ذلك ، وأن العبقرية لا تكون إلا مع تمزيق الورق مرة بعد مرة .. ومع الأيام تغير الحال ، وعرفنا أنّ الصورة القديمة ، كانت تدلّ على أنّ نضوجنا لم يكتمل ، وصرنا نضيق الآن حين نمزّق الورق ، وكلّ ما نفعله ، حين تأبى القريحة أن تجود علينا ، كما نريد ، يبدو في أن نترك الورق لمرة أخرى.. فالعبقرية لا تعني أن نمزق الورق ، بل أن تكون الحروف مسكونة بكلّ ما في العالم من سحر ..
[/align]
|