[align=justify]
دهشة العمر .. دهشة الحلم
تلك إذن آخر الأغنيات .. أو ربما آخر الفصول في حكاية زمن البوح الجميل .. لا أدري كم من الوقت مضى .. كم من الصرخات اشتعلت في عالم الروح .. كان عليّ أن أبوح بشكل لا يخرج عن عنب القلب وخمرته، لذلك جاء الحرف أول ما جاء ، مسكوناً بشيء من ذهول المكان والزمان ، وربما بدهشة العمر الجميل ..
أتذكرين يا ليلى كم من الوقت أمضينا ؟؟ أتذكرين كم من صراخ العمر أرسلنا ؟؟ أتذكرين العتب والألم واعتصار الذاكرة شوقاً لأيام مضت ؟؟ أتذكرين ما كان من غضب وبعاد وكسر لزجاج الحروف في ساعة من ساعات التوحّد بطرقات الغرابة وانشغال العمر بسيرورة الحياة ورتابتها؟؟..
كانت محاولة منا أن نبقي على النبض خالياً من الشوائب.. وكانت محاولة منا أن نبقي الأنفاس مسكونة بعطر الورد .. وكانت محاولة قبل كلّ ذلك ، أن نحافظ على نقاء العالم الذي صنعنا ، بعيداً عن حد السكين التي حاولوا أن يغرسوها في قلبينا .. كان علينا أن نجترح معجزة البقاء في فضاء خاص بنا ، وفعلنا .. رغم كلّ الحرائق .. فعلنا .. وخرجنا من دفقة الوقت معبئين بكلّ هذا العنب الجميل وسكرته ..
هل هي الحروف الأخيرة في السطر الأخير من دفتر البوح ؟؟ لا أظن.. فالامتداد الذي بدأ منذ أورقت شجرة العمر لا يمكن أن يكون امتداداً مرتبطاً بتوقيت أو نقطة نضعها بعد هذه الجملة أو تلك .. إنها معجزة اللقاء الذي ما كان له أن يكون إلا في هذا البوح الذي خرجنا به عن جادة الصمت ، لنقول ما نريد قوله دون خشية . وظني أنّ البوح في زمن قادم ، لابدّ أن يمتدّ ليأخذ شكلاً آخر .. لكنه في كلّ الحالات سيكون كما أردنا له أن يكون ، بوحاً صادقاً متصلاً مسكوناً بما نملك من حلم وفرح ودهشة وحزن وتطلع .. كلّ واحد منا استطاع أن يقول ما يريد ، وكلّ واحد منا وضع الحرف الذي يريد في ا لمكان الذي يريد .. لذلك كان البوح حلواً مثل قطعة سكر .... هل آن للحروف أن تنام إلى حين ؟؟ ..
صدقيني لا أريد للحروف أن تنام ، لا أريد للعصافير أن تترك الشجر.. لا أريد للبوح أن يترك مقعد الاعتراف خالياً من صرخة حب تريد أن تقول العالم كله بجملة ، وتريد أن تغني القصائد كلها بدفقة موسيقى ..
كان حباً ، وصار عشقاً .. أين الفواصل .. النقاط .. الجمل التي تقول شيئاً من العمر الجميل .. إشارات التعجب .. صرخات الحبر .. فوضى السير على رصيف مجروح .. سماء قبرة نسيت أن تضع زجاجة العطر في مدّ الفضاء .. أصابع يد امتدّت لسلام ما في شارع ما ، وتركت نصف حضورها المدهش على حافة اللحظة المشتعلة بالياسمين والنرجس وزهور النداءات الجميلة ..
في الوعد أن المطر قد يحمل العالم كله قطرات لا تذوب.. وفي الوعد أنّ الحلم دهشة ، وأنّ العمر دهشة .. وما بين دهشتين كان عليّ أن أضع خطاي .. أن أعبر سكة الروح إلى سكة الروح تماماً .. قد يصعب التفسير، لكنها المعادلة القابلة لكلّ البراهين ، والرافضة لكلّ البراهين . وبين هذا وذاك يكبر الشارع وتمتلئ الشبابيك بصرخة المكان ..
ربما جاء المساء بعد وقته بقليل .. وربما جاء الصباح في غير موعده .. كذلك ربما وضع البوح شيئاً من دفتر الحلم على طاولة لا تكون .. هل يعني ذلك أنّ الوقت لا يتسع للوقت أحياناً ؟؟ قد يكون الأمر مضحكاً .. لكنها الحقيقة .. فالظلال التي ترتسم على جدار من ورق مفقود ، تبقى هي الأجمل .. وأعترف أنّ البوح كان سلّم الصعود إلى سرّ الروح ، مع أنّ الروح تحاول أن تصعد إلى سرّ القلب ..
يستريح الحبر في هدأة القلم .. وتستريح الضحكة في هدأة الشفتين .. هكذا كان الحب دهشة الحبر الأولى ، وكان الحلم لحظة الصعود إلى الحلم الأروع .. وكنت في كلّ اللحظات أسجل بصماتي كي لا تضيع ، وكي لا يقع مطرها في غير الأرض التي أريد ..
[/align]
