08 / 07 / 2010, 07 : 06 PM
|
رقم المشاركة : [112]
|
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
|
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
[align=justify]
33 يمتد الطريق أمامي طويلا قبل أن يختفي وراء منعرج غطته أشجار السنديان .. الشمس تجري نحو المغيب و امتدت ظلال الأشجار و الجبال تغطي الأرض لتزيدها وحشة و رهبة .. أستمع إلى وقع خطواتي وكأنني اسمعه لأول مرة .. لا ادري إلى أين تقودني رغم أنني في الصباح كنت ممتلئا أملا و حماسة للذهاب إلى هناك حيث اللمة .. ووجدت نفسي أترنم على غير وعي مني :
وسرت وحدي شريدا
محطم الخطوات
تهزني أنفاسي
تخيفني لفتاتي
كهارب ليس يدري من أين
أو أين يمضي
شك .. ضباب.. حطام ..
بعضي يمزق بعضي ..
مالذي حصل ؟ وكيف انقلبت أحاسيسي فجأة رأسا على عقب ؟ .. هل تكون لعنة المكان أصابتني و أنا أغادره ؟ هل تكون روح صديقي تحوم من حولي تناشدني الابتعاد وعدم مس غادته ؟ كنت أحسب أنه سيكون راضيا عني لأنني سأرعاها و أحميها من نوائب الدهر لأنها ، في اعتقادي ، لا بد لها و أن تلوذ بحضن رجل آخر غيري .. فلم لا أكون ذاك الرجل ما دمت متأكدا من إسعادها ؟ .. لا .. هناك شيء محير في كل ما يحدث .. وأغلب الظن أنها غادتي .. أحس بها في كل مكان بقربي .. أمامي .. ورائي .. تنبعث مع الريح حين تزمجر وتشرق مع الشمس حين يطل أول شعاع لها بين الجبال .. هي ولا شك .. تريدني لها دون أن تستسلم لي .. هل تكون تستمتع بلهفتي إليها وتخشى أن تخبو نار هذا الحب متى لازمتني وكفت نهائيا عن الهروب و الترحال ؟ من يدريني أنها تحبني الآن و أنها فقط تتلاعب بمشاعري إرضاء لنزواتها و غرورها ؟ .. وحليمة ؟ .. ما موقعها من كل هذا ؟ .. هي ولا شك تنتظر هناك في البطحاء حيث تنظم اللمة , عينها نحو المنعرج الأخير الذي يطل من أعلى الجبل. لا شك أن الوساوس بدأت تغزو فكرها وهي ترى تأخري في اللحاق بها .. أكاد أجن ..لو أدري فقط أن غادتي ستقبل علي معلنة أنها قد كلت من الهروب وأنه قد آن الأوان للقاء دائم أبدي ، لنسيت كل ما فات و لأقبلت عليها بكل لهفة .. لكن أين هي ؟ ألا تكون هي الأخرى هناك حيث حليمة ؟ .. إذن لأحث الخطى فلربما تكون هذه اللمة إيذانا بانتهاء معاناتي أو على الأقل انتهاء هذا الغموض الذي يحيط بي من كل جانب . على كل حال يجب أن أضع حدا لكل هذا وأقرر شيئا .. ثم إذا اقتضى الأمر رحلت عند الشيخ العجوز على شاطئ البحر لألتمس منه المشورة . لكن علي أولا أن أذهب حيث و ألتقي بحليمة حتى لا أبدو كهارب أو جبان . علي أن أواجه الواقع و أصارحها بكل ما يقلقني ، ثم أرى موقفها .
في هذه اللحظة يتناهى إلى مسامعي صوت محرك شاحنة .. وسرعان ما تظهر من وراء المنعرج من خلفي وقد تكدس على ظهرها مجموعة من الرجال و صياحهم يشق عنان السماء وهم متجهين نحو السوق حيث اللمة :
العاشقين فالنبي صلوا عليه
اللهم صل عليك أرسول الله
يا جاه النبي العظيم
الجنة للصابرين
النار للقوم الكافرين
اللهم صل عليك أرسول الله
وتمر الشاحنة محاذية المكان الذي أجلس فيه متأملا الوادي ، ثم لا تلبث أن تختفي وعجلاتها تثير نقعا فلا أرى أمامي شيئا .
ويخفت محركها شيئا فشيئا فيسود الصمت من جديد ، بينما لا يزال الغبار يحيط بي فلا أرى شيئا من حولي ..
ينقشع الغبار شيئا فشيئا ، فأتحامل على نفسي و أسلم العنان لخطواتي تقودني حيث تشاء .. وأجدني اتجه دون وعي مني نحو البطحاء الشاسعة حيث احتشد خلق كبير .. وكلما دنوت ازداد الصياح .. لم أكن أهتم بما يحدث أمامي من مناظر غريبة ..فهذا يصب ماء يغلي حرارة في فمه .. وذاك يقضم صفحة صبار بشوكه ويبتلعه .. وآخر يأخذ فأسا و يضرب بها رأسه دون أن تسيل قطرة من دمه .. لا شيء يثيرني و ذهني شارد ، وعيناي زائغتان تبحثان عن شيء ما .. دون جدوى .. عمن أبحث ؟ عن حليمة التي أنا على يقين من أنها تنتظرني ؟ أم غادتي التي أحس في قرارة نفسي أنها سوف تعود لي يوما ما .. لكن متى ؟
وحين أكل من المشي و الالتفات يمينا و شمالا ، والتطاول بعنقي حين تسد الحشود المنافذ من أمامي ، أجلس على عتبة باب الضريح متأملا في شبه غيبوبة ما يحدث أمامي .. ولا أدري كم مر من الوقت حين انتبهت إلى أن المكان بدأ يخلو من الحشود وقد تفرق الزائرون فرادى و جماعات عبر شعاب الجبال و الأودية ..
- هل جئت تطلب من "السيد" حاجتك ؟
ولكثرة ما أصابني من إحباط في ما مضى .. لم أصدق ما سمعته رغم أن الصوت الرخيم كان مألوفا لدي .. وفضلت تجاهله لأني كنت في حالة من التيهان و الذهول ما يجعلني عرضة لمس أو خبل .
- حقا .. إن الرجال غريبو الأطوار .. فبدلا من أن تكون في عشك تتعهده بالعناية .. تقبع هنا عند باب الضريح كمتسول ..
لم استطع مقاومة الالتفات إلى حيث الصوت .. التفت لأجد غادتي تبتسم .. كل ما فيها يبتسم .. أخيرا عادت .. بكل ما يميزها من بهاء وحسن .. كانت تتوهج نضارة .. عيناها تنضحان بما جعل قلبي يخفق بعنف .. وجدت نفسي أمام عينين يمتزج فيهما العشق المتوهج و التوثب للمشاكسة . هي هي كما عهدتها .. فاتنة .. تتألق حيوية و تتوهج عنفوانا .. هل يكون حلما ؟ .. لا .. أنا اعرف نفسي حين أكون أحلم .. هي غادتي عادت لتعود معها الحياة .. ليعود معها الأمل ..
- النساء لسن أقل غرابة و غموضا .. ما الذي يجعلهن يتصرفن حسب ما تمليه عليهن نزواتهن ؟
وبدل ان تجيبني غادتي .. أطلقت ضحكة رنانة اهتز لها كياني .. فنهضت أنظر إلى ناحية البطحاء كمن يبحث عن شيء ..
- لا تتعب نفسك .. لن تراها بعد اليوم ..
- هل علمت ما أبحث عنه ؟
هزت رأسها بالإيجاب .. وقفت هنيهة أتأملها .. كدت أسال .. لكنها مدت يدها نحوي قائلة :
- ألا ترى أننا نضيع وقتا يجب ان نستغله في تعهد عشك ؟
- ليس عشي لوحدي ..
لم تجب .. وإنما أطرقت وقد احمر خداها في لحظة كانت شمس الأصيل تنحدر نحو المغيب ..
[/align]
|
|
|
|