نستفتح يومنا بموضوع
القرآن الكريم وتفسير آية
(وكَذلكَ جَعلناكم أمّةً وسطاً لِتكُونوا شُهداءَ على النّاسِ ويكونَ الرسولُ عليكُم شهيداً) ]البقرة/ 143
التفسير
في هذه الآية حديث عن الأمة المسلمة بأنها "وسط" فيما جعله الله للمسلمين من موقع قيادي في الحياة، وانها شاهدة على الناس، وحديث عن الرسول بأنه شاهد على الأمة.. فكيف نفهم هذه "الوسطية" وهذه الشهادة.
وقد جرى بعض المفسرين فأخذوا منه معنى العدل والتوازن على أساس ما تمثله الشريعة الاسلامية من الوسطية بين الاتجاه الروحي المتطرف وبين الاتجاه المادي المتطرف الذي تمثله الديانات الأخرى لأن الاسلام يأخذ من الروح جانباً ومن المادة جانباً لتكون الحياة _كما خلقها الله_ نتيجة التزاوج بين الروح والمادة، وتتمثل في التوازن بين الاتجاه الجماعي المتطرف الذي يلغي دور الفرد والاتجاه الفردي المطلق الذي يلغي دور المجتمع في الحياة، فأعطى للفرد دوره فيما يحقق ذاته دون أن يغمط حق الجماعة في نطاق قضاياها العامة، وأعطى للجماعة دورها فيما لا يلغي للفرد نوازعه الذاتية الطبيعة. ويمتد الخط الوسطي الى التوازن بين الدنيا والآخرة فللمسلم أن يقبل على الدنيا ويستمتع بطيباتها من دون أن يسيء الى خط الآخرة في السير مع شريعة الله فيما يفعل وفيما يترك، وله أن يستغرق في الآخرة بما لا يمنعه من بناء الحياة والاندفاع معها على الأسس التي يريدها الله.
وفي ضوء ذلك يمكن للأمة أن تؤدي دور الشهادة على الناس باعتبارها تقف في نقطة التوازن التي ترجع إليها بقية الأطراف، كما يكون النبي شهيداً على الأمة لأنه المثال الأكمل الذي يوزن به حال الأجاد من الأمة..
ان الشهادة تفرض الموقع المتميز للشاهد على المشهود عليه، ونحن نعلم أن الأمة تجمع في جماعتها المطيع والعاصي والجاهل والعالم فكيف يمكن أن يكون الجميع شهوداً في موقع الشهادة والجواب ان الاسلوب القرآني قد جرى على الحديث عن البعض بصفة الكل باعتبار اشتمال الكل عليه، تماماً كما قد حدثنا عن بني اسرائيل مع أن الصفات التي ذكرها كانت صفات البعض... وعلى هذا فان كون الأمة شاهدة يتحرك في نطاق وجود العناصر الكثيرة في داخلها ممن يصلحون لمثل هذا الموقع الكبير وهم الطليعة الواعية المؤمنة التقية المنضبطة التي تفهم الاسلام حق الفهم وتعيه حق الوعي وتمارسه حق الممارسة وتحمله بروح رسولية رائدة.
المصدر: كتاب من وحي القرآن/ حلقة 3 (بتصريف واختصار)