عرض مشاركة واحدة
قديم 14 / 08 / 2010, 27 : 05 PM   رقم المشاركة : [125]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

النهاية ؟
[align=justify]
كم يكون مر من الوقت و نحن صامتان ننظر إلى جهة الغرب حيث بدأت الشمس تغوص بين جبلين اكتسيا لونا قاتما ..
- هل نذهب ؟
التفتت إلي برهة ثم مدت يدا إلي لأساعدها على النهوض . وقفلنا راجعين تاركين من ورائنا صخبا رغم تناقصه و غبارا و عرجنا على أول مدخل للغابة و الصخب يتلاشى حتى لم أعد أسمع إلا وقع خطواتنا على الأرض اليابسة تارة و المعشوشبة تارة أخرى .. كنا نطأ أوراق شجر جافة فتحدث صوتا ممتعا وسط صمت الغابة .
وما زلنا نسير دون أن ينبس أحدنا ببنت شفة ، لكني كنت أحس أن حوارا بدأ بيننا منذ أن بدأنا المسير. كنا نتحدث في صمت ويعاتب كل واحد منا الآخر ونضحك و نبتسم بل ونبكي للحظات قبل أن نقهقه ونعود لجو المرح فنترنم بأجمل الأغاني .. كل ذلك و نظرنا لا يحيد عن الأفق حيث المنعرج الأخير الذي يفضي انحداره إلى العش وكأننا نسابق الزمن كي نصل إلى هناك . غير أني كنت أسهو لحظة و يشرد ذهني متسائلا عن أشياء استعصت على فهمي . كنت أخشى و نحن منسجمان فكرا و روحا، أن تطلع على أفكاري فيعكر ذلك صفو هذا اللقاء ويقضي على متعة النفس و صفائها .
وعلى مشارف العش وقفنا . كان هناك . وحيدا يحيط به الخراب و الجمود ويعلو سحنته أسى واضح رغم أن بعض الأشجار التي كانت تفرق بيننا وتطل عليه من الربوة التي كنا واقفين عليها أضفت عليه شيئا من الأناقة .. لكن ، مع هذا الأسى وهذا الجمود ، شعرت به وكأنه يهتز لمقدمنا .. أي و الله .. فتراءى لي كل شيء من حوله يستعيد رونقه و بهاءه .. حتى الشجرة الكبيرة التي يبس جذعها و تداعت أغصانها أحسست بالدماء تجري من جديد في عودها وتستعيد نضارتها .. أسراب من العصافير حطت بالقرب منا وهي تؤوب إلى أعشاشها .. ولأول مرة تناهى إلي صوت الجدول وكأنه ينبهني لوجوده .. أصوات و حركة بدأت تدب في أوصال العش و عبير بدأ يملأ الجو مضفيا على المساء حلة قشيبة من البهاء .
جلسنا ننظر مليا إلى أسفل المنحدر وكأننا نتابع حركة أناس يغدون و يروحون . نظرت إليها فجأة فوجدتها تتأملني دامعة .. يا إلهي كم هي فاتنة .. وكم هما عيناها النجلاوان صافيتان كماء المنبع . أعادت بحركة من رأسها جدائل شعرها المنساب على خدها فانتفض مني الجسد كله .
لم أشعر إلا و أنا أنهض و آخذ بيدها وننحدر نحو العش .. كانت وهي تجري بجانبي تضحك و تصرخ من الخوف في آن واحد .. لكني كنت تحت تأثير قوة لا قبل لي بها .. ولا أستطع كبح جماح نفسي ، فتابعت العدو ولم أتوقف إلا عند الدوحة .
ثم تابعت الجري نحو المنبع لأجلس و إياها على صخرة ونحن نلهث ضاحكين ..
- كدت أسقط . هل جننت ؟
- ربما .. ولكنها ليست المرة الأولى .
- يعني أنني بصحبة مجنون ؟
قلت ضاحكا :
- وهل اكتشفت ذلك الآن فقط ؟
- لا .. ولكني لم أكن أظن جنونك بهذه الخطورة .
- اطمئني .. هذه نوبة من الجنون لا تصيبني إلا مرة كل سنة .
ضحكت فتمايلت الأغصان من حولي وقالت :
- المهم أن أعرف ميقات جنونك كي ..
- تختفين مرة أخرى ؟
سكتت قليلا ثم نظرت أمامها .. هل أثرت شجونها من جديد ؟ هكذا أنا دائما .. ألا يمكنني أن أكون حذرا في كلامي ولو مرة واحدة ؟ لكنها التفتت إلي و هي تنقر بقضيب صغير على الصخرة بينما رجلاها الحافيتان تداعبان ماء المنبع فيتطاير الرذاذ ، وقالت :
- هل كنت تعتقد أن الهروب يستهويني ؟
- لا ولكن لا أخفيك أن الظنون غالبا ما كانت تنتابني . آه يا ربي .. كم تألمت .
- أنا أيضا تألمت ..
- لكن لماذا ؟
- ربما لا أستطيع الجواب الآن . لكني تأكد أنني لم أكن أتعمد ذلك .. وكنت أنوي الاستمرار لكني لمحت حيرتك و جريك وراء السراب .. فخفت أن تضيع ورأيت أن أضع حدا لتيهك .
- على فكرة .. كيف عرفت ذلك و نحن في البطحاء ؟
- هذا موضوع طويل ستفهمه مع مرور الأيام .. لكن ثق أنك لم تفعل شيئا يسيء إلى أحد ..
كنت واقعا تحت تأثير لهجتها وكأن سحرا يقيد كياني .. لكني استطعت بعد جهد جهيد أن أسأل :
- وحليمة ..
انتبهت بعد فوات الأوان إلى أنني غامرت بطرح السؤال الذي قد يسبب لغادتي جرحا لن يندمل بسرعة . لكن شيئا لم يبد عليها فأعادت خصلة شعرها إلى الوراء قائلة :
- هل كنت تحبها ؟
فاجأني السؤال فتلعثمت و لم أرد ، فاستطردت قائلة :
- لو كنت أعلم أنها كذلك لما ظهرت أبدا .. ولو كنت أعرف أن حبك لها حقيقي لباركت ذلك لأني لا أريد إلا سعادتك ..
- هل التقيت بها ؟
- نعم .. ورأيت كيف كانت ترى فيك وجه المرحوم وروحه و طيبته ..
- كانت ستعيش على ذكراه بوجودي ..
- أجل ..
عاد الصمت من جديد و خشيت أن أطرح السؤال الأخير .. الآن لم أعد أميز وجهها بسبب هبوط الظلام ولم أدر أيا من التعابير يعلو سحنتها . في تلك اللحظة تعالى نقيق الضفادع و أصوات الصراصير .. بينما ند صوت البوم بالقرب منا .. يبدو أن أسرة العش قد عادت اليوم بكاملها .. يا لسعادتي . أما عند قدمينا فقد انسابت مياه المنبع في سكون لذيذ ..
كنت أعرف أن سؤالي الأخير سوف يلح علي و يقض مضجعي فتنهدت بعمق و أمسكت بذراعها متشجعا بالظلام الذي يخفي توتري . أحسست بارتعاشها وقلت :
- وأنا ؟
- أنت ؟
وأطلقت ضحكة رنانة تردد صداها عبر أرجاء العش و المنبع لتمتد إلى أسفل الوادي ، فترتد الضحكة وكأنها تجاوب منه ومن الروابي الممتدة من ورائنا .
- أنت ؟ .. ألم تجر وراءها فقط لشبهها بي ؟
- حقا .. ما أغباني .. لكن ، اعترفي أنك رغم ذلك تغارين .. حتى اسمها لم تحتملي ذكره ؟
- حليمة ؟
ضحكت وعلمت أنها لم تترك لي فرصة الانتشاء بما استنتجته . فكانت آخر طلقة تقضي بها على ما علق بنفسي من هواجس و شكوك .. ووجدت نفسي أحيط كتفها بذراعي بحنان وأحس برأسها الجميل يميل على كتفي مستكينا .. لتنهال الأحلام من جديد في رؤية عشي كما كان مليئا بالحيوية .. يحفه الجمال و البهاء و الحب من كل جانب ، وأعيش فيه مع غادتي إلى الأبد .
[/align]

التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني ; 16 / 08 / 2010 الساعة 16 : 09 PM.
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس