24 / 08 / 2010, 37 : 09 PM
|
رقم المشاركة : [52]
|
الإعلامية والأديبة مريم يمق / شاعرة وقاصة وأديبة وإعلامية، مشرفة سابقاً عضو الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب
|
رد: الإعتراف(سأعترف بجريمتي، فهل تسمعون ؟)
13
13
لا أدري كيف همست من خلال دموعي : لم أقتل أمي يا أبي… إنَّني أحبها وأنت تعلم ذلك، وهي أيضاً كانت تعلم مدى حبي العظيم لها..
قال ويده الحانية تمسح شعري، وكأنَّني في الخامسة من العمر: أعلم ذلك يا بنيَّتي، ولكن اصدقيني القول، لماذا أخبرَتْ المرحومة الشرطة بأنَّه في البيت قاتلة.. أمُّك لا تكذب يا سناء، ولا تهذي كما قلت للمفتش عند التحقيق؟
قلت : صدقتَ وهي الصادقة ..
فقال لي: من قتلتِ يا سناء؟
تنفستُ بعمق قبل أن أقول: تسمعني حتى النهاية، ولك بعد ذلك حريَّة التصرف؟
فقال لي: تكلمي يا ابنتي، وليكن الله في عونك وعوني..
قصصتُ عليه ما حدث بالتفصيل.. كانت دموعي ترافقني في كثير من المحطات، ويده الحنونة بحرارة الأبوة والمحبة تمسح عن عيوني حرَّ الدموع، ووجع الصمت الطويل..
وعندما وصلتُ إلى الوقت الذي نحن فيه قلتُ له وأنا أشعر بقوة غريبة تتملّكني: أحس باحتراق داخلي المتفجر، أه يا أبي ما أصعب الاحتراق، و ما أشد حرارته على النفس..
قال بحنان: الكلُّ يحترق، ولكن بشكل يختلفُ بتفاوتِ الذَّواتِ المحترقة، وما شبَّ حريقٌ، وتأجَّجَ ثُمَّ خمد إلا وتركَ بقايا من رماد، فلننظر في تلك البقايا النَّاعمةِ الملمس،الخفيفةِ الوزن.. ما هي؟
فقلت له وقد أحسست بنفحة أمل تهب صوبي من خلال همساته الدافئة :
إنها بقايا المحروقات، رمادية اللون، لا قيمة لها، تذروها الرِّياح، بل حتَّى النسيمات قد تجعلها هباء منثوراً. لا يا أبي لن أكون أضعف من نُسيمة، أنا أقوى من الرِّيح، أصدُّها بجرأتي وإيماني، أنا أجلُّ قدراً من الرَّماد مهما كانت محروقاته، لاشيء يستطيع إحراقي، وما هواجسي إلا همسات خفية، سأسخر منها قبل أن تحيل شموخ َصمودي إلى رمادٍ لا قيمة له، بل سأحدِّق في ذاك الرَّماد وأشكر الله إذ خلَّصني مما كان يعذِّبني.
نظرت في وجهه وجدت دموعه تتدفق فوق خديه. قلت له:
- كنت مخطئة حتَّى الثمالة، فالرَّبُّ واحد والعمر واحدٌ، ويبقى الزمنُ الساكنُ فينا بيتاً لنا نحتفظُ في أيامِه بــ نحنُ، وعندما تفارقنا الــ نحنُ نفقدُ بيتَنا ونعودُ نوراً ..
قال والدي بفرح وهو يمسح الدموع: لقد تخلَّصت من الخوف يا ابنتي ، ونجحت بالاعتراف
قلت: نعم ولك يعود الفضل… كنت غافلة يوم أخفيتُ عنك الحقيقة.. الغفلة يا أبي ليست غباراً بل هي أديمٌ من صدأٍ لا يزيلُهُ إلا القشرُ، وإن أوجعَ.
-ابتسم قائلا: صدقتِ يا ابنتي.. قد يكونُ القشرُ صعباً، وإنَّما الغفلةُ أصعبُ، وعندما يشفُّ الوجدُ ويرقُّ القلبُ، وتجري العينُ خشوعاً ورهبةً ويُخدرُ الجسمُ بالسموِّ، فيستأصَل المرضُ، والنفسُ ترفلُ بالصفاءِ سعيدةً مبتهجةً..
فقلت له: راضية بالعقاب أو الثواب مادامت تقر بذنبها وتسعى للتطهر منه.
ضمَّني إلى صدره بعطف غامر، فأحسست بدموعه ترطب وجهي، فقال لي وصوته يختنق بالأسى: غداً نذهب إلى النيابة العامة لتعترفي، ولتأخذ العدالة مجراها، و معك ابن عمك الدكتور أنيس الذي خان الأمانة والقسم، بإعطائه التقرير الطبِّيِّ الكاذب للتَّصريح بدفن المغدور سامي، دون الكشف على الجثة، وهذا عمل يمقته الله ويعاقب عليه القانون ..
قلت: كما تشاء
- صدقيني يا ابنتي لو أن ( د. أنيس) قام بما يمليه عليه واجبه المهني، والديني لما كنا في هذه المشكلة .
فقلت له: كان أنيس مشغولاً في المستشفى، فأرسل إلينا التقرير الطبي بإلحاح مني، وأنا تقصَّدَت ذلك كي أنتقم لزوجي من قاتله..
- إنَّه مخطئ، يجب أن لا يسمح لأحدٍ بمخالفة الشرع والقانون مهما كانت الظروف، غداً سأبلغ عن ابن عمك الدكتور أنيس، ولن أتخلى أبداً عن اتهامه بالمساعدة في ارتكاب الجريمة بطريق الإهمال، إضافة إلى طمس معالم الجريمة بدفن سامي دون كشف الطب الشرعي على الجثة، ولكن ربما يستطيع المحامون الذي سيتولُّون الدفاع عنك إيجاد طريقة لمعرفة الحقيقة .
قلت له: حسنًا، ولكنَّني سأذهب قبل ذلك لمقابلة هنية زوجة عزام، أريد أن أعطيها من المال ما يساعدها في تربية ابنها رشاد ..
- خيراً تفعلين..
وافقته بابتسامة رضا ثم خرجت من غرفته، بعد أن طبعت على خده قبلة شكر وامتنان، وأنا أحس بأنَّني بدأت أولد من جديد..
بقلم
زاهية بنت البحر
يتبع
|
التعديل الأخير تم بواسطة زاهية بنت البحر ; 13 / 10 / 2010 الساعة 57 : 09 PM.
|
|
|