26 / 08 / 2010, 05 : 07 AM
|
رقم المشاركة : [56]
|
الإعلامية والأديبة مريم يمق / شاعرة وقاصة وأديبة وإعلامية، مشرفة سابقاً عضو الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب
|
رد: الإعتراف(سأعترف بجريمتي، فهل تسمعون ؟)
14
برفقة سماح خرجت من البيت في الصباح الباكر، كانت أختي عصبية المزاج سريعة الانفعال حتَّى أنها تشاجرت مع السائق الذي أقلَّنا بسيارته إلى قرية هنية.
التزمت الهدوء طيلة الوقت كي لا أضيف إلى اضطرابي مزيداً من القلق.. وصلنا القرية الصغيرة الهادئة في الضاحية قبل الساعة التاسعة صباحاً..
بدت القرية حزينة، أو كما خُيِّلَ إليَّ، فكل ما فيها يوحي بالكآبة، الشوارع ضيِّقة رغم اتساع المساحات الزراعية حولها، أكثر ما لفت انتباهي أولئك الأطفال الذين كانوا يلعبون في الحارات الضيقة، وهم حفاة الأقدام فوق أرض مليئة بالأوساخ، وبقايا من الزجاج المحطم..
صوبتُ نظري إلى الأمام مسرعة نحو بيت هنية يدلنا عليه أحد الصغار بعد أن أعطيته ورقة نقدية دسَّها في جيبه فرحاً بها، وكأنه وقع على كنز ثمين..
وقفت أمام الباب الخشبي المشقق بتقادم الزمن، نقرت بأصبعي عدة نقرات، بينما راحت أختي تنفخ من جوفها حرارة الضيق والاشمئزاز زفيراً ساخناً امتعاضاً من كل ما حولها في هذه القرية..
ربَّما مرَّت دقيقة أو اثنتان ريثما فتح الباب، وقفتُ بعدها وهنية وجهاً لوجه..
أرملتان تلتقيان تجمع بين مصيبتهما الجريمة، هي فقدت زوجها وأبا ابنها، وأنا فقدت زوجي، حبيبي.. ابتسمتُ لها فابتسمت لي بدهشة عقدت لسانها بعض الوقت رحَّبتْ بي بعدها، ودعتني للدخول، تبعتها وأختي إلى غرفة صغيرة هي الوحيدة في هذا البيت الذي يقبع وسط القرية، ولا متنفس له سوى فسحة دار ضيِّقة جداً ومكشوفة .
سألتها عن أحوالها العامة، عن ابنها رشاد، فأخبرتني بأنه يشكو من التهاب رئوي حاد، وهو يُعالج في مستوصف القرية مجاناً، وقد ذهبت به أمُّها قبل قليل إلى هناك لإعطائه حقنة مضادة للالتهاب، بكت وهي تثني على والدتها التي فتحت لها قلبها وبيتها بعد أن طردها عزَّام من بيته ظالماً لها ولصغيره رشاد دون عذر أو سبب.
انتهى حديث المجاملة بيننا، واحترت كيف سأقدم لها المعونة المادية إلى أن قطعت الصمت بقولها: رحم الله( عزام ) لقد ودع الحياة بطريقة غريبة، ولكن الذي يحيرني ولم أجد له جواباً مقنعاً هو ذهابه إلى البيت الكبير بعد إخلائه، وإطفاء الأنوار فيه؟ وكيف مات ولماذا كانت نهايته في أرض المسبح؟
وكيف دخل الحديقة، وهو لا يملك مفتاحاً للباب؟
ثمَّ يقيد الحادث قضاءً وقدراً.
تصنعت الحزن وأنا أهز برأسي أسفا. تابعت كلامها :
- أمر غريب يا سيدة سناء، إنني حزينة من أجله رغم أنَّه أساء إليَّ كثيراً قبل موته، كان يريد أن يطلقني ، ولكن الموت لم يمهله لينفذ ما عزم عليه، سيعاني صغيره رشاد اليتم والفقر إلى ما شاء الله.
نظرت إلى سماح ففهمتْ ما أريده منها، فنهضتْ من مجلسها وخرجتْ من الغرفة إلى الدار، بينما تناولتُ من حقيبة يدي شكاً وقدَّمته لها فسألتني: ما هذا يا سيدتي ؟
فقلت لها: هذا شك بمبلغ كبير من المال لك ولابنك رشاد تصرفينه من المصرف البلدي في العاصمة، وتشترين بيتاً ومفروشات، وما تحتاجينه من مستلزمات أخرى..
فقالت ولِمَ كل هذا المال يا سيدتي؟!!
فقلت لها خذيه الآن وستحصلين على ما تشائين منه بعد نفاذه ..
أحسستُ بالفرحة تحتلُّ كيانها، وكأنَّها لا تصدق عينيها وعندما اتجهت نحو باب الغرفة استوقفتني قائلة:
- مهلا لدي شيء سأعيده إليك يا سيدتي .
سألتها: ما هو ؟
فتحت درجاً في خزانة ملابس جانبية قديمة، وأخرجت من تحت الأغراض في أرض الخزانة منديلاً أبيض اللون، حلَّت عقدة كانت فيه، وتناولت منه خاتماً وقدمته لي قائلة: هذا الخاتم أهداه المرحوم السيد سامي لعزام قبل أن يموت بساعتين، وقد خبَّأه معي يومها، ولم أعطه له عندما طلبه مني أكثر من مرة بحجَّة أنَّني أضعته، فتوعَّدني بانتقام قريب.. كنت سأحتفظ به لرشاد، وألبسه إياه في أصبعه عندما يصبح شاباً..
نظرت إلى الخاتم، وأخذته من يدها تفقدته بذهول وقلت:
- إنَّه خاتم سامي.. أجل كان يلبسه يوم الحادث.. إن ثمن هذا الخاتم باهظ جداً.. أنظري إلى الفص الماسي، إنَّه يساوي خمسة آلاف دولار كما أخبرني ..
فقالت هنية: ولكن السيد سامي أهداه لعزام ..
فقلت لها: أتصدقين ذلك يا طيِّبة القلب؟ لقد سرقه منه بعد أن قتله. ..
فصرخت هنية بخوف مفاجئ : قتله؟!!
فقلت لها: نعم وأنا سمعته وهو يقتله، ولكنني لم أستطع أن أفعل شيئاً في ذلك الوقت لأنني كنت وحيدة في البيت وخشيت أن يقتلني إن هو أحس بأنني علمت بذلك.
- فصرخت: أيعقل هذا يا سيدتي، عزام يقتل من أكرمه ورفعه من الحضيض إلى النعيم؟
- هذا ما حصل يا طيبة، هنية أريد منك أن تشهدي بالحقيقة في المحكمة ؟
فقالت: ضد من سأشهد يا سيِّدتي؟
فقلت لها: لن تشهدي ضد أحد، فقط قولي الحقيقة، ومن أين حصلت على هذا الخاتم..
فقالت هنية: حسناً سأفعل ذلك، ولكن لماذا لم يلفت انتباهك اختفاء الخاتم بعد موت المرحوم ؟
فقلت لها: إن مقتل سامي طغى على كلِّ ما عداه، ولم أفكِّر بأمواله، أو بما خلَّفه لي من ميراث ضخم قبل هذا اليوم الذي نويت زيارتك وتقديم المعونة لك ولابنك، ستعرفين في المحكمة كلَّ شيء،كلَّ شيء يا أمَّ رشاد، ستفاجئين بأمور كثيرة وأتمنى أن تجدي لي عذراً فيما فعلتُ..
بقلم
زاهية بنت البحر يتبع
|
التعديل الأخير تم بواسطة زاهية بنت البحر ; 13 / 10 / 2010 الساعة 58 : 09 PM.
|
|
|