عرض مشاركة واحدة
قديم 26 / 08 / 2010, 17 : 01 PM   رقم المشاركة : [30]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: الدار اللي هناك -2-

(7)
[align=justify]
تقدم أبي نحوي خطوات ثم توقف .. تلاقت عينانا .. تخاطبتا في لحظة صمت .. نطقت عيناه بكل شيء .. كان فيهما صراخ و نحيب صامت .. فنطقت بجهد جهيد بصوت مختنق :
- أبي ..
فتح ذراعيه فألقيت بنفسي في حضنه .. شعرت بدموعه ساخنة على وجنتي فبكيت بحرقة أنا أساله بين كل شهقة :
- كيف ؟ .. و .. متى ؟
أخذ بيدي وأشار مستأذنا إلى القائد الذي بدا عليه التأثر .. بل إني لمحته يمسح دمعه بكم بذلته . وذهبنا إلى النهر لنجلس على ضفته كما كنا نفعل أنا و جدي من قبل . تنهد أبي وهو يحاول ألا يستسلم للبكاء وقال :
- فجر هذا اليوم .. رحمة الله عليه .. كنا نستعد للذهاب به إلى طنجة بعد أن عاوده الألم بحدة . لكن القدر .. لم يمهله .
يعني في الوقت الذي كنت أعيش ذاك الحلم الغريب ..
- رحمة الله عليك يا أخي .. آه يا أبي ..
وضعت رأسي على كتفه و جسمي ينتفض من البكاء و النحيب . و تركني أبي لحظات أبكي قبل أن يأخذ ذقني في راحته و يتأملني بعينين محمرتين ، لكنهما مفعمتان عزيمة و قوة :
- هون عليك يا بني .. أخذ الله أمانته ولا راد لقضائه .. علينا بالصبر الجميل .
رنوت إليه بعينين ذابلتين ودمعي لا يزال يسيل بغزارة وقلت :
- ونعم بالله .
- علينا الآن أن نهتم بأمك ، فهي لا تزال تحت الصدمة وأنا أعول عليك أن تظهر أمامها كرجل .. قوي .
كفكفت دمعي بظهر يدي وقلت :
- كن مطمئنا أبي .. سأفعل اللازم .
شعرت بحزني يتبدد شيئا فشيئا أمام مسؤوليتي الجديدة رغم أني حديث العهد بالمصاب الجلل . صار يتوجب علي الآن أن أكون عند حسن ظن أبي ، خاصة وهو ينظر إلي بثقة و يربت على كتفي راضيا . قلت له بأسى :
- هل يمكنني رؤيته ؟
- طبعا ..
قلت شاردا :
- مسكين .. كم لعب معي .. وكم عنفته .
- إياك أن تستسلم لهذه الأفكار . الشجار طبيعي بين الإخوة ، وهو سيكون سعيدا هناك بذكرياته معك . لكن لا تعذبه بتأنيب ضميرك .
وددت لو أعانق أبي في تلك اللحظة وقد نسيت للحظة حزني . فقد محا كل أسى علق بنفسي من جراء معاملتي الفظة لأخي في بعض الأحيان . فنهضت وتوجهت إلى المنزل بخطوات مترددة .
وجدت أمي تتوسط بعض النسوة وإلى جانبها جلست أم لطيفة وزوجة القائد الجديد للمجرى . أحسست و أنا أعانق أمي بذراعيها تضمانني بقوة .. بكت و انتحبت ، لكني حاولت جاهدا أن أتمالك نفسي . ولولا وجود المعزيات اللائي كن يملأن الحجرة لما تركتني أفارقها لحظة . كنت أحس بلهفتها في أن أبقى بجوارها . فتراجعت إلى الخارج وأنا أمسح دمعي بينما كانت تشيعني بنظراتها .. ولحقت بي أم لطيفة تواسيني و هي تربت على راسي .. آه كم كانت لمستها تعني لي الكثير وكم كانت تحمل الحنان و الدفء معا .
مسكينة أمي .. جزعها و لهفتها علي صارا مضاعفين الآن بعد رحيل الفقيد العزيز . خرجت لأجد أبي يتحدث إلى فقيه القرية ، فزاد ألمي وأنا أتخيل مراسيم الدفن . فاقتربت وانتظرت حتى فرغا من الحديث وقلت بصوت خافت :
- أبي .. هل من الضروري أن أكون حاضرا حين ...
مسح أبي على رأسي براحته وقال برقة :
- طبعا لا .. على فكرة ، ألم يحدثك عمك الفاضل عن ذهابك إلى "ترية" عند عمك "عمار" ؟
- أجل .. أرجو المعذرة أبي .. كنت منشغلا بمرض أخي فلم أنفذ أمرك ..
- لا عليك .. اذهب عنده رفقة صديقك "سلام" الأرنب .. وعد إلي بوثائق سيسلمها لك عمك .. يمكنك المكوث عنده الوقت الذي تشاء .
- حسنا أبي ..
وكأن حملا ثقيلا انزاح عن صدري . كانت مرافقة النعش وحضور عملية الدفن أقسى ما يمكن أن أتحمله . فدخلت المنزل من جديد وقصدت الغرفة حين كان جثمان أخي مسجى في كفنه البيض ، والفقيه بالقرب منه يتلو سورة يس . اقتربت في وجل فعرف الرجل قصدي وأزاح طرفا من الكفن عن وجه الحبيب .. آه ما كان أبهاه و أنضره وهو مغمض العينين .. لا أثر للحياة في جسده العليل الذي طالما لها و رتع معي بين الربا . انحنيت على وجهه وقبلته على جبينه و خده و شفتيه .. ولا أدري كيف شعرت بدفء شفتيه حتى كدت أفضي بشكوكي حول وفاته إلى الفقيه .. وبكيت . ثم تذكرت أن أمي قد تدخل بين لحظة و أخرى فتمالكت نفسي وهرولت إلى خارج الغرفة أبحث عن صديقي وأنا أنتحب في صمت .
اتجهت نحو المنبع حيث يوجد منزله عل بعد بضعة أمتار . وكأني به كان ينتظرني ، إذ أطل برأسه الصغير عبر كوة صغيرة وأشار لي أنه قادم فورا .
انتبهت إلى وجود ثلة من الفتيات يتقدمن نحو المنبع من طريق آخر . كنت أعرفهن كلهن لملازمتهن لطيفة طول النهار . اقتربن مني مترددات ، ثم رأيت إحداهن تتقدم على استحياء قائلة :
- الله يعظم أجركم يا أخي .
وحذت رفيقاتها حذوها وهن يتمتمن في تأثر بالغ لمست صدقه في نبرات صوتهن :
- في سبيل الله أخي .. الله يبدل المحبة بالصبر ..
وجدت نفسي من جديد وجها لوجه أمام لطيفة وهي تنبعث من مؤخرة الشلة . مدت يدها بحذر ، فلم أملك إلا أن أصافحها .
- في سبيل الله ..
كنت لا أزال تحت وطأة الصدمة و الحزن رغم الهدوء الذي شملني بعد حديثي مع أبي ، فعاودني البكاء ولم أستطع قول شيء ، وأشحت بوجهي كي لا ترى دمعي . لكن بعد فوات الأوان . مسحت دمعي براحة يدي ثم نظرت إليها من جديد لأشكرها في صمت .. هي أيضا لم تقل شيئا . لكن عينيها كانتا تنطقان بالألم والأسى . بل إن صوتها تهدج وهي تقول مستدركة :
- الله يعظم الأجر ..
ثم تجهش بالبكاء و تولي مدبرة ، وتتبعها رفيقاتها مهرولات نحو المنبع القريب . لم أدر هل كانت تشاطرني حزني أم أن ألمها كان نابعا من معاملتي الفظة لها وأنا في طرقي إلى "تزخت" .. ربما الاثنان معا .
لبثت أنظر إليها وهي تبتعد وقد أحاطت بها رفيقاتها .. نفس المنظر الذي حدث أثناء رحلتي الأخيرة .. لكن في هذه المرة كان الوضع مختلفا .
[/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس