عرض مشاركة واحدة
قديم 26 / 08 / 2010, 27 : 11 PM   رقم المشاركة : [60]
زاهية بنت البحر
الإعلامية والأديبة مريم يمق / شاعرة وقاصة وأديبة وإعلامية، مشرفة سابقاً عضو الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب
 




زاهية بنت البحر has a reputation beyond reputeزاهية بنت البحر has a reputation beyond reputeزاهية بنت البحر has a reputation beyond reputeزاهية بنت البحر has a reputation beyond reputeزاهية بنت البحر has a reputation beyond reputeزاهية بنت البحر has a reputation beyond reputeزاهية بنت البحر has a reputation beyond reputeزاهية بنت البحر has a reputation beyond reputeزاهية بنت البحر has a reputation beyond reputeزاهية بنت البحر has a reputation beyond reputeزاهية بنت البحر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سورية

رد: الإعتراف(سأعترف بجريمتي، فهل تسمعون ؟)

15

أحسست بحاجة للانفراد بنفسي قبل مرافقة والدي إلى مخفر الشرطة، وتسليمي للسُّلطات القضائيةِ المختصَّة هناك، دخلت غرفتي المشتركة مع أختي سماح وأغلقت ورائي الباب. داهمني ارتباك مفاجئ ربّما كان دفيناً تحت وطأة الحوادث الكثيرة التي مازلت أمرُّ بها، فوجد بتسارع الوقت فجوة للعبور منها إلى الوعي بفوضى لاشعورية، فانتابني إحساس غريب كما لو أنَّني أواجه الصدمة للمرة الأولى، يا إلهي في أي هوَّة وقعتُ؟!! الأمر ليس سهلاً كما كنت أتصوره بعين المثالية التي لا توجد إلا في كتب الأخلاق، وعالم الخيال، وإن وُجِدَتْ في الحقيقة فقد تكون نقطة في محيط، فهل سأكون أنا هذه النقطة في محيطٍ خلع عنه عباءة الخير وتلبَّس الخداعَ بأدنى مستوياته؟! ولماذا سأضحي ولأجل من؟ قد يلف حبل المشنقة حول رقبتي، والروح غالية، أوقد أسجن مدى العمر، وقد يكون السجن لسنوات مع الأشغال الشاقة، وحتَّى لو كان عاماً بل شهراً أو ليلة واحدة، فليس باستطاعتي تحمل العيش في الزنزانة مع نساء محكوم عليهن بجناية ما، فهناك القاتلات والمهرِّبات والدَّاعرات وبينهن فاقدات العقل.
لطفك يا رب لقد عرفت الآن قيمة الحرية، إنَّها أجمل شيء في الوجود بعد الإيمان.
ضاقت أنفاسي، فأجهشت بالبكاء، وراحت دموعي تتدفَّق بسخاء، بينما أصابت يديَّ برودة مصحوبة برعشة مزعجة.
غزتني الرهبة بكل معداتها الحربية ومقاتليها، فانهزمتْ قدرتي في المقاومة، وتقوقع خوفي من أبى في ركنٍ مهجور من فكرةٍ باهتة، وتبعثرتْ أفكاري في اتجاهاتٍ مختلفة. أحنى الخوف ظهري وتجسدت لحظة الاعتراف طودا مطبقا فوق صدري، أجل هي لحظة فارقة في حياتي، وبين اللحظة واللحظة برزخٌ مجهولٌ لا يعلمُه إلا منْ سوَّاه، سبحانه كم نفس تقبضُ بين شطَّيهِ؟ .. كم دمعة تسكبُ بحرقةٍ أو بفرحٍ، كم من دمٍ يهدرُ قبلَ بلوغِ الشَّطِ الثاني بين اللحظةِ واللحظةِ؟
أيقنت الآن أنني أنثى ضعيفة جداً رغم كوني قاتلة، ولكن ماذا سأفعل بعد أن أخبرته بكلِّ شيء، هل أعود فأقول له بأنني قد تراجعت عن قراري الرَّصين، ومزَّقتُ أوراق اعترافي؟ ليتني لم أعترف .
إنَه الآن ينتظرني في الخارج ليذهب بي إلى السجن، ترى هل هو جادٌ في قراره؟ أيسلم ابنته بيده إلى حبل المشنقة؟!! هل وصلت به المثالية إلى هذا المستوى من التضحية وهو يعلم أنَّني ما قتلت إلا انتقاماً لزوجي؟ نعم سيفعل ذلك لأنه يطمع بمحاكمة عادلة تنصفني في الدنيا والآخرة، ولكنني قاتلة ومتسترة على جريمة قتل، ومسببة في موت أمي، عقابي سيكون شديدا لا أستطيع تحمله. لا لن أسلم نفسي أبداً، وإن أصرَّ والدي على ذلك، أجل لن أعترف أمام المحقِّقين، أنا لست مجنونة كي أفعل ذلك، سأهرب من البيت قبل أن يذهب بي إليهم.
نهضت على عجل ووجل، فتحت خزانتي وأخرجت منها حقيبة ملابس فارغة رحت أضع فيها بعض الحاجيات التي قد تلزمني أكثر من غيرها، وما نسيتُ أن أدس في حقيبة يدي مبلغاً كبيراً من المال قد أحتاج إليه أثناء هروبي من البيت، ووضعت بداخلها بعض المجوهرات وخاتم سامي ومجموعة الصور التي تجمعني به وحمالة مفاتيحه الخاصة ودفتر شكاته، فقد استودع قبل وفاته أموالًا كثيرة في البنك لضرورة ملحة ترتبط بتحويلات نقدية لإحدى الدول الغربية بعد الصفقة التجارية التي أنجزها، الخاصة بمعدات التجهيزات الطبية للمشافي بشكل عام، وكنت قد أعطيت هنية شكاً من هذا الدفتر عندما قمت بزيارتها، ووضعت في حقيبة الملابس ما يخص سامي من مستندات هامة.
خرجت من الغرفة وأنا أحمل الحقيبة بيدي، كان أبي مستغرقاً في صلاة سنة الضحى بينما سماح في المطبخ تنظف بعض الأواني التي ملاْ صوتها المكان، خرجت من البيت بهدوء وحذر، وتركت الباب مفتوحاً خشية أن يلفت صوت إغلاقه انتباههما.
التفاتة سريعة تلقَّاها باب بيتنا من الهاربةِ أنا، كانت بمثابة تحيَّة الوداع استعرضت خلالها شريط الذكريات التي عشتها مع أهلي في هذا البيت الكريم الذي تربيت فيه على الإيمان والصلاح، صور كثيرة تزاحمت على نوافذ ذاكرتي المضطربة لعلَّ أجملها وأقربها إلى نفسي كانت صورة والدتي ونحن نحتفل بها عندما عادت من الحج قبل عشر سنوات، رأيتها تبتسم لي بمحبة وحنان، فعلـَّقتُ بعينيها خوفي وضعفي وقلة حيلتي ورجوتها أن تسامحني.
كدت أسقط بالخنوع والعودة إلى البيت فأغلقت عينيَّ لأطرد كلَّ الذكريات ولأرى طريقي وأنا أنزل من الطابق الثاني على درج العمارة باتجاه الشارع العام .
وصلت الطريق ربما في الوقت الذي خرج به والدي بالتسليم من الصَّلاة، مازال أمامي بضع دقائق أستقلُّ خلالها سيَّارة أجرة تبعدني عن البيت ريثما يتفقَّدني والدي ويبدأ البحث عنِّي.
بشيء من الرتابة سألني سائق السَّيارة التي مرَّت في اللحظة الحاسمة من قربي: إلى أين تودِّين الذهاب؟
أجبته بقلق: إلى أي مكان
فسألني بخبث: أينَ يعني؟
استدركت الأمر خشية أن يظنَّ بي سوءَ فسألته بجدية: ألا تعرف مطعم أي مكان، وكنت قد نطقت به دون معرفة)؟ إنَّه في وسط المدينة قرب حديقة النَّوافير.
أجاب ببرود: أعرف الحديقة فقط.
فقلت له: حسناً خذني إليها إذاً.
وقبل أن تبتعد السَّيارة عن بيتنا بمسافة طويلة رأيت والدي يخرج من بوابة العمارة ملهوفاً، وهو ينظر يمينةً ويسرة علَّه يجد ضالته الهاربة، ولكن عبثاً كانَ يحاول، فودَّعته بدموع ساخنة، وأنا أعلم بهمِّه الكبير وحزنه العميق، وما هو فيه الآن من عذاب وقلق، فكنت في هذه اللحظة أشدَّ مقتاً لنفسي من أي وقت مضى.
بقلم
زاهية بنت البحر
يتبع
توقيع زاهية بنت البحر
 

http://rasoulallah.net/muhammad/inde...d=1&quest_id=9
[flash=http://andalali.jeeran.com/bannns.swf]WIDTH=460 HEIGHT=80[/flash]

التعديل الأخير تم بواسطة زاهية بنت البحر ; 13 / 10 / 2010 الساعة 59 : 09 PM.
زاهية بنت البحر غير متصل   رد مع اقتباس