27 / 08 / 2010, 48 : 10 PM
|
رقم المشاركة : [64]
|
الإعلامية والأديبة مريم يمق / شاعرة وقاصة وأديبة وإعلامية، مشرفة سابقاً عضو الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب
|
رد: الإعتراف(سأعترف بجريمتي، فهل تسمعون ؟)
16
ربما كانتْ الأرواحُ التي تسكننا مرآةَ صفاءِ النفسِ في حياتِنا، بها نفرحُ وبها نحزنُ، وبها نهاجرُ من لحظةِ العدمِ إلى لحظةِ الإشراق، فنرى الكونَ هالةً من نورٍ خلابة واسعة بوسعِ الفِكرِ والإحساس.. لا يحدُّها زمانٌ ولا مكانٌ، هناك في هذا الجمالِ اللا متناهي أجدُ نفسي في كثيرٍ من الأحيانِ محلقةً بقلبٍ غير القلبِ الذي في صدري، وعيون غير عيوني، وإحساسٍ غير إحساسي.. أجدني أثيرًا خفيفًا شفيفًا.. اِشتقت لأنُسِ روحي الذي هجرني بمقتل سامي، فليسَ أجمل ولا أرقى من الشعورِ بها، والعناق معها جسداً بروحٍ..
نزلت من السيّارة قرب الحديقة، واتجهت إلى بابها الرئيسي، وأنا أحمل حقيبة ملابسي وممتلكاتي الثمينة، وعندما جلست على مقعد جانبي في مكان قليل الناس، شعرت بطمأنينة تزيح عن نفسي هماً أوشك أن يقتلني، ولكن صورة أبي وهو يبحث عني في الشارع ظلَّت تطاردني بشراسة تأنيب الضَّمير، فأجبرتني على مغادرة الحديقة إلى أقرب هاتف في الطريق .
أخبرت سماح بأمر مغادرتي البيت، ولكنني لم أوضِّح لها سبب ذلك، وعلمت منها أن والدي لم يخبرها شيئاً عمَّا حدث، وطلبت مني العودة إلى المنزل أو الذهاب إلى بيت أحد أشقَّائي، أو أخواتي، أو إلى البيت الكبير، وأنها على استعداد للعيش معي هناك، رفضت طلبها، وقلت لها بأنَّني سأظلُّ على اتصال بها وما عليها سوى أن تعتني بوالدي جيداً، وتخبره والجميع بأنَّني بخير، ودعتها وهي ترجوني العودة إلى البيت، لكنني لم أستجب لتوسلاتها، ولم أعلمها بما حدث فهي حتى الآن لا تعرف بأني قتلت( عزام) وأن أمي ماتت بسببي، وكان والدي كتوماً لا يؤدب أحدنا أما م البقية، ويفضل أن يكلمه على انفراد كي لا يهدر كرامته أمام الجميع إذا اضطر يوماً لذلك ..
لم يكن في مخيِّلتي أي هدفٍ محدَّد أتوجه إليه، فرحت أسير في الطريق أشبع عينيَّ من جمال الموجودات التي تمر أمام ناظري رغم أنها لم تكن تجذبني من قبل، وأشكر الله أنَّني لم أسلم نفسي للشَّرطة.
أحسست بشي من السرور المبطن بالخوف، ورغم ذلك كان عذباً ظلَّ يداعب خيالي باماني وأحلام جميلة بعيدة عن السجن، وحبل المشنقة ، إنَّه الأمل الذي نحاول الوصول إليه والتَّشبُّث به، ولكنَّه في هذا الزَّمن المارق زئبقٌ لا نستطيع إمساكه، هو غصَّة ٌفي القلوبِ، دمعةٌ في العيـونِ، ورهبةٌ في الخيـــال، هو أشبه بالمُحال، هو نغمٌ عذبٌ تعزِفـُهُ الأمَاني على أوتارِ الرُّؤى، نسمعُهُ أنينا مُحرِقاً يُلهبُ المشاعرَ بالحرمان، يفجِّـر فينا براكينَ الحقدِ على منْ قيّـَدَ الأملَ بسلاسلِ الظــُّلمِ، ويفتحُ في معاقلِ البوْحِ نوافذ الثـَّورةِ ضِدَّ منْ حجبَ الشّمسَ عنْ صَباحاتِ أيَّامِنا النَّقيَّةِ، وأرْخَى سدولَ الليل على صفاءِ أفكارِنا، ولكنْ يظلُّ السُّؤالُ محيِّرا هلْ يَسمحُ الطـُّغاةُ لنا بالحِفاظِ على تلكَ النَّوافذِ مشرَّعَة للضـِّياء؟
قد يكون الظلم قوة ولو من ضعيف سخيف، وقد يكون ضعفاً من استكانة قويٍّ نبيه، قد يكون الظالم جباراً وقد يكون جبانا، ويبقى الطغاة أسلحة بيد الشرِّ فهل أنا طاغية؟!
لا أنا لست كذلك، ولكنني قاتلة لم أرحم ضعفه، لم أستجب لنداء الخير في ذاتي المؤمنة، فانتصرت للشَّر بحجة الثّأر لزوجي، فأي نقاء هذا الذي أدعيهِ؟؟؟؟!!
أجل هذا ادعاء، كنت أخاف أن أقتل صرصوراً فقتلت إنساناً، وألقيت طفلاً في جحيم اليتم، ولكن هو الذي قتل أولاً، والنَّفس بالنَّفس والبادئ أظلم .
نعم نفس سامي بنفس عزام، وهو أظلم، قتلته به، وإن كان لا يساوي منه شعرة، لقد نصَّبتُ نفسي قاضية ومنفذة لحكم الإعدام!!
أي شهامة هذه ؟!!!!
وأنا في خضم هواجسي أحسست بقبضة قوية تمسكني من كتفي، كدت أشل خوفاً لولا أن أتاني صوت من خلف رأسي سبق الشَّللَ إليَّ: أخيراً وجدتك!!
حدثَّتني نفسي بأنَّ والدي قد أخطر الشرطة بأمري، فخرجوا يبحثون عنِّي، وقد وقعت فريسة سهلة في فكٍّ لا يرحم، وضعت يدي على رقبتي فشعرت بقسوتها كحبل المشنقة.
لم استطع الالتفات لرؤية المتكلم بسبب إصابتي بهبوط أو ارتفاع في ضَّغط الدَم لم أعد أميز بينهما، غير أنَّي سمعت في رأسي صدى ضربة قوية كتلك التي يضعونها في الأفلام السينمائية عندما تحدث مفاجأة ما، وقد أحسست بها الآن، فسرقتْ مني نصف عمري، ولا أدري كيف سأصرف العمر الباقي منه.
بحركة لاشعورية شددت يدي على مقبض الحقيبة، وأطلقت العنان لقدميَّ، ورحت أركض في الشارع، والناس تنظر إلي بدهشة لم أعرها أدنى اهتمام، وصوت الرجل يناديني، ويأ مرني بالوقوف، وصوت أقدامه أحسبها صوت سنابك خيل في ساحة حرب حمي فيها الوطيس، وأنا اشد بالجري إلى أن تعثَّرت قدمي بحجر فوقعت أرضاً، وقبل أن أنظر إليه جذبت حقيبتي نحوي وضممتها بكلتا يدي إلى صدري مغمضة العينين. كان جمع من المارة قد تحلّق حولي، فأصابني الذعر ورحت أرتجف كعصفور صغير، أصوات كثيرة كنت أسمعها ولكنَّني لم أفهم شيئاً من الكلام الذي ضج به الجميع، إلى أن أحسست بيد تمتد نحوي في محاولة لرفعي عن الأرض، فتَّحت عينيَّ فرأيته أمامي، وهو يقول لي :
- لماذا هربت مني أنا يا سيِّدتي، أنا لست مجرما .
أطلت النَّظر في وجهه، والدموع تنفر من عيني فسألني: مابك هل هناك ما يخيفك؟
تذكرت سامي ربما لمروري في يوم ما بنفس تجربة الخوف تلك، ولكن باختلاف الظرف، والشخص، والمكان.
ولكنه على أية حالٍ ليس( سامي) وهذا الوجه لا أعرفه.
بقلم
زاهية بنت البحر -
|
التعديل الأخير تم بواسطة زاهية بنت البحر ; 13 / 10 / 2010 الساعة 01 : 10 PM.
|
|
|