01 / 09 / 2010, 13 : 10 PM
|
رقم المشاركة : [1]
|
كاتب نور أدبي ينشط
|
زقاق النواعير ( إهداء للأديب الأستاذ طلعت سقيرق )
زقاق النواعير
إهداء خاص للأستاذ الكبير
طلعت سقيرق ابن الصالحية البار
كان طريقاً قصيراً....
لكنه يمتد في نفسي وسع النجوم والأفلاك...
يربط ثانويتنا القديمة التي أمضيت بها أجمل أيام العمر بأول سوق الجمعة ، طريق قديم يسمى زقاق النواعير ، لكن مسربنا الذي كنا نقطعه جزء من الزقاق يعدل نصفه ، وبه مساحة منكشفةتبدو منها دمشق منبسطة كغادة حسناء تقلدت سمطاً من اللآلئ عاجية اللون ، قاذفة في القلب كل معاني الصفاء والجمال و الحب.
لم يكن به من معاني الأبهة والرقي شيء ، بل بيوت قديمة لأناس من ذوي الإقتار ، وبوابة خلفية لمسجد الشيخ محيي الدين بن عربي ، وناعورة قديمة تطل من أحد البيوت الأثرية ، لكنَ قلبي كان يتسع به بما يحمل من ذكريات السنوات الساحرة ، فأراه يشمل الغيوم الملائكية التي تتلبد بها سماؤه شتاء فأسمع منهاصدى ترنيمة شرقية مقدسة ، والأضواء الشاعرية التي تبرز للعابر فيه ليلاً من شوارع دمشق الراقية الممهدة أمام الناظر منه ، و التي كانت ملجئي كلما ضاقت بي السبل إذ أقف على السياج الحديدي الذي يحمي العابر على حرف الطريق من الوقوع ، وأبث همي لليل الحبيب الذي ما أدري إلى اليوم إن فقدته أي صاحب يتبقى لي فأركن إليه .
كان الطريق معبرنا من مدرستنا إلى بيوتنا ، لكم تناقشنا فيه وتحدثنا ، ولكم اختصمنا فيه واصطلحنا ، وكم شهدنا أحداثاً غيرت وجه الدنيا و وجه حياتنا ، وكان آخرما شهدناه به أنه كان مسلكنا كل يوم لتقديم امتحان الشهادة الثانوية التي أسلمتنا من بعد للجامعة .
كنت أسميه طريق النحل ....وأي نحل كان ذاك؟! ! ....زنابير ملتئمة على غذاء هنا أو نفاية هناك، لكنها كانت عندي أجمل من كل نحلة تحمل شهد العسل ، أولم يكف بها أنها تسكن الطريق الذي له في قلبي أغلى مكان.
الزقاق أثري ، لكن الجزء الذي كنا نقطعه منه كان أقل جمالاً وأحدث من بقية الزقاق ، وجمال ذكرياتنا وضع به سحراً غريباً كسحر غروب دمشق لناظره من أعلى قاسيون ، سحراً ممتزجاً بأيام الطفولة والمراهقة وما حملته من صفاء ونقاء تبددا بعدها ، فغدا تذكر عهدها يفجر شوقاً وحنيناً لما تلاشى بتلاشيها .
بعد لأي حفرت أجزاء من الطريق ، و اقتلعت جرافات عملاقة كثيراً من بيوته القديمة المفعمة بعبق الماضي وما يحمله ، وحلت مكانها شاهقات إسمنتية توحي بالحاضر وماينوء به ، ومن طريقنا الذي كان يتسع لنا وعددنا خمسة أو ستة بقي معبر صغير لا يستقيم لعابر واحد ، و غاب الرفاق الذين كان الطريق يضمهم غدوة و روحة راحلين كل إلى وجهته ، ولم يدع لنا دهرنا من أيام عمرنا الحلوة غير أشتات ذكريات و بعثرات من أغاني فيروز ولا سيما طريق النحل .
وكلما عبرت الطريق ويندر ألا أعبره كل يوم تأملت في تلك الأحجار ، وتلك الأرض ، وتلك الجدران ، قد عرفناها وعرفتنا ، و ألفناها و ألفتنا ، ثم مضى كل إلى غايته ، أفهكذا قدرنا دوماً ، أن نفارق من نحب على مفترقات الطرق ، و أن تؤول أجمل أيام العمر هباء منثوراً لا حياة له إلا في قلوب راعي الود و حافظيه، وأن تتبدد اللحظات الحلوة وتصير خيالاً سحرياً كصباح ربيعي لا يستشعره إلا أصحاب القلوب الرقيقة والأنفس الحساسة ....و أولئك ما أقلهم .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|