عرض مشاركة واحدة
قديم 06 / 09 / 2010, 40 : 05 PM   رقم المشاركة : [34]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: الدار اللي هناك -2-

(9)


[align=justify]
في تلك اللحظة رأيت أبي يتقدم نحونا وهو يشير إلينا بالدخول :
- ادخلا ..سوف نقدم العشاء باكرا حتى يتمكن من يقطن بعيدا من الانصراف متى شاء .
- عفوا عمي .. لقد تركت "العيال" لوحدهم ..
- اذهب وات بهم جميعا كي تتعشوا معنا ، فأبوك هنا .. هيا ضعا تلك السلال بالمخزن .
وعندما انتهينا نقل الأحمال في مخزن قرب الباب وضعت يدي على كتف سلام قائلا :
- سأنتظرك . لا ـتتأخر ، سأقوم بجولة عند الشط .
بعد انصراف سلام استأذنت أبي للخروج من جديد في انتظار العشاء . كنت بحاجة للحظات أخلو فيها إلى نفسي . فقصدت الشط و قد ساد الظلام . ولم أعد أسمع سوى أصوات الصراصير ونقيق الضفادع في المروج القريبة . جلست على صخرة تطل على جرف سحيق . تلك الصخرة التي كنت أراقب من أعلاها أبي و القائد وهما ينطلقان للصيد هناك في أسفل الوادي قبل أن يختفيا بين الشجار الكثيفة . خفق قلبي و أنا أتذكر القائد الممتاز .وتشاغلت بالتحديق في الظلام حيث تراءت لي بعض المصابيح الغازية و هي تتحرك بعيدا . قد يكون أحد في غرسة يقطف النعناع أو يحول ماء ساقية إلى حقل آخر . لكني لمحت فجأة نورا بالقرب مني على الجهة اليسرى من الشط . من يكون هناك وليس ثمة سوى كهوف متناثرة شكلت دهاليز و ممرات تحت المجرى . هل يكون بعض المقامرين على موعد للعب بعيدا عن أعين السلطة ؟ لشد ما كانت ترعبني سحنتهم وهو يلعبون في إحدى المقاهي بالقرية . كانوا متجهمين أغلب الأوقات ..
ألا يكونون مجموعة من اللصوص ؟ شعرت بالخوف ، لكن الفضول جعلني أشرئب بعنقي لأتابع النور الذي كان يتوجه فعلا نحو الكهف الكبير . لم لا يكون احد المجذوبين الذين تعج بهم المجرى ؟
شجعني هذا الاحتمال على النهوض من أعلى الصخرة و التقدم بحذر إلى الأمام لأقف مباشرة فوق فوهة الكهف وأنظر إلى الأسفل . توقف النور قليلا ثم تابع حركته نحو الداخل .هل شعر صاحب المصباح بوجودي أم أنه يتصرف بحذر ؟
كانت نفسي ترزح تحت مشاعر شتى . يتنازعها الخوف و الفضول وهذا الإحساس الطاغي ببداية مغامرة جديدة بعد فترة من الركود . لكن هذه المرة لم يطلب أحد منا تحرير موضوع إنشائي والأمر لا يتعلق بمنزل وسط المجرى . هنا كل شيء مختلف بل و أخطر مما مضى . هنا الكهف و اللصوص و المقامرون و المجذوبون وربما أشياء أخرى لا يعلم بخطورتها إلا الله .
وكما حدث في المرة السابقة ، طغا حب المغامرة على الخوف . من يدري ؟ قد تكون هذه البداية لتعرفني لطيفة على حقيقتي و على مؤهلاتي . ربما تحسبني فقط فتى مدللا اعتاد على رغد العيش و لينه . هذه فرصتي لأثبت رجولتي المتنامية .
وعند وصول تفكيري إلى هذا الحد ، زدت حماسا و إصرارا على المضي في اكتشاف سر ذاك النور المتحرك عند باب الكهف ، واقتربت منه منحدرا إليه بخفة القط عبر مسلك ضيق يحاذي الشط و يكاد لا يرى لتشابك بعض أغصان الأشجار التي تخفي معالمه . لكني تمكنت من شق طريقي بكل سهولة لأني كنت أعرفه جيدا لكثرة ما سلكناه أنا و زملائي و نحن ننحدر صوب النهر الكبير .
توقفت قليلا وانا انظر إلى باب الكهف وكأنه فم غول كبير يتثاءب . تذكرت حكايات جدتي الكثيرة وخاصة تلك التي تروي مقتل أحد السكان على يد أخيه و التجاء هذا الأخير إلى الكهف ليقضي بقية حياته هماك خوفا من إلقاء القبض عليه .
تقدمت بحذر محاولا ألا يغيب نور المصباح عن عيوني . كانت الظلمة داخل الكهف أشد من الخارج حيث كان ضوء النجوم يمكن من تمييز الأشياء . فأخذت أتحسس الأرض بقدمي قبل أن أخطو خطوة ملتفتا بين الفينة و الأخرى إلى الوراء لأتأكد من أن مدخل الكهف لا يزال يرى . لكني مع تقدمي و تغيير اتجاهي عدة مرات وأنا اقتفي المصباح ، لم أعد أرى شيئا من ورائي ، وغاب ذاك الضياء الخافت الذي تبدد به النجوم حلكة الظلام الدامس .
هل أعود أدراجي ؟ هذا ما كان يجب علي فعله فورا . فصديقي الأرنب لا بد و أن يكون قد مل انتظاره لي على صخرة الشط ، وموعد العشاء قد حان . هل يقلق أبي لتأخري عن العودة في هذا الظرف الخاص وهو يعلم مدى حزني على أخي ؟
رغم كل هذا ، كنت أحس بقوة تدفعني لمتابعة طريقي وأوغل داخل الكهف . ولكن ماذا لو لم أجد شيئا و تهت أو سقطت في حفرة من الحفر المتناثرة بكثرة هنا ؟ قد تكون سقطة قاتلة .
نفضت عن ذهني هذه الأفكار المثبطة و فكرت في العودة فقط لاقتناء مصباح أستعين به على تمييز طريقي . ولكن أين أجد المصباح الآن ؟ وهل تتركني أمي أخرج من بعد العشاء ؟ إذن لأستمر في المطاردة ، وإذا استحال علي ذلك ، أجلت الاستكشاف إلى الصباح .
وفجأة ، انطفأ المصباح وعلا صراخ و عويل تردد صداه عبر جنبات الكهف فأصابتني رعشة و كدت أفقد توازني . فعدت أدراجي لا أرى شيئا أمامي . أتعثر تارة و تعترض رأسي تارة أخرى صخرة فتسبب لي ألما لا يطاق ويزيد من رعبي . و لا أدري كيف وجدت نفسي في مدخل الكهف و قلبي يكاد ينخلع فزعا . فجريت غلى حيث الصخرة و جلست ألهث . لم أجد سلام فكانت فرصة لاسترداد أنفاسي اللاهثة . ماذا حدث وماذا كان ذاك العويل الرهيب ؟ ومن يكون صاحب المصباح ؟
نهضت أنفض سروالي من الخلف ثم توجهت إلى البيت لأتعشى . كانت أمي على عتبة الباب ترقب عودتي وبجانبها جدتي تهدئ من روعها .
جبست أتناول الطعام بفكر شارد . وعزا أبي ذلك إلى انشغالي برحيل أخي فلم يقل شيئا ، اللهم سؤاله عن سلام و سبب تغيبه . قال إن والده أرسله إلى المنبع لتحويل الماء إلى الساقية التي تروي حقل الذرة .
- مسكين .. لم يتمكن حتى من سد رمقه بعد عناء اليوم .
ربت أبي على كتفي وقال بحنو :
- لا تقلق .. لقد أخذ نصيبه و نصيب أسرته من العشاء .
ابتسمت في سري . الشقي .. لم يفلت فرصة الحصول على عشائه مثلما حدث يوم حفل الزفاف .
بعد انتهاء العشاء وانصراف الطلبة و المدعوين ، توضأت و صليت وجلست لحظات في الحديقة تحت شجرة التين حتى شعرت بالنوم يداعب جفوني فنهضت إلى الداخل وتوجهت إلى حجرتي ، لكني وجدت سريري قد نام عليه أحد الطلبة الذين يقطنون بعيدا . فكان علي أن أنام بالقرب من جدتي ، وكان هذا مبعث سروري لأني كنت ناويا أن أسألها عن حكايات روتها لي عن الكهف .
أعادت جدتي كل الحكايات آملا منها في إرضائي وانتشالي من الحزن الذي بدا على ملامحي طيلة النهار . وحاولت اختيار الحكايات الهزلية كي تسري عني لكني حرصت على أن تعيد لي ما جرى للشيخ المجذوب الذي فقد عقله حين انفضح أمره بعد اعتدائه على إحدى فتيات القرية ، وانتحر ابنه الذي كان يريد الزواج من تلك الفتاة . ترى هل يكون قاطن الكهف هو الشيخ المجذوب ؟ خصوصا وأنه اختفى مباشرة بعد أيام من فقده لعقله .
شعرت بسعادة غامرة و أنا أستمع إلى ما ترويه جدتي بينما كان خيالي يسبح في متاهة لا نهاية لها و ينسج كل الاحتمالات . ولم أملك إلا أن مددت ذراعي وأعانق جدتي التي همست ضاحكة :
- هكذا أيها العفريت ..تحرمني من النوم لتتلذذ لما أحكيه لك .. لكن لا عليك .. أنت الحبيب إلى قلبي و يمكنني أن أحكي لك حتى الصباح .
فقلت و لساني يتثاقل :
- وما كان اسم تلك الفتاة ، وأين ذهبت ؟
- شامة .. وقد غادرت القرية بعد فضحها للشيخ و تسليمها الرضيع إلى أهله وكانت قد اختطفته يوم مولده .
[/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس