رد: سقراط
حبا وكرامة أستاذة نصيرة تختوخ
ــ سقراط وفكره:
كما قلت أستاذة نصيرة، فسقراط كان معتادا على طرح الأسئلة كثيرا
وكما أسلفت أنا سابقا كان يجهد طلابه والملتفين حوله بتعريف الأشياء
وتحديدها،مثل(الشرف والحب والوطنية والوفاء....) لم يكن هو الذي
يعرّفها ومن ثم يقدمها إلى طلابه على طبق من ذهب وإنما كان يستثير
عقولهم بهذه الأسئلة ويترك هذه المهمة الشاقة لهم.
التفّ حوله الكثير من الشبان ساعدته في خلق فلسفة أوربية.
كان من بين تلك الجماعات رجال أغنياء مثل أفلاطون والسبيادس
وكانوا يستمتعون بتحليه وهجومه وقدحه للنظام الديمقراطي في أثينا.
وكان من بين الشبان أيضا اشتراكيون مثل أنتيثيناس الذي أحب في
سقراط عدم اهتمامه بفقره، وكان هناك الفوضويون مثل أريستيبوس.
الذي تاقت نفسه إلى عالم لا وجود فيه للأسياد والعبيد.
إن هذه الجماعات اليونانية الصغيرة برفقة معلمهم سقراط، أدركوا
أنّ الحياة بغير بحث وحديث ليست جديرة بان تعاش.
ــ سقراط لم يدّع الحكمة، ولكن كان يبحث عنها بشغف واهتمام،
فقد كان هاويا للحكمة لا محترفا لها، وقيل أن الرّب قد أعلن أن سقراط أحكم أهل اليونان، وقد أثبت سقراط هذه المقولة بقوله:( لا أعرف سوى شيئا واحد، وهو أنني لا أعرف شيئا )
ــ أستطرد وأقول: لست أفتخر بعظماء الغرب أكثر من افتخاري
بعظماء العرب والمسلمين، ولكنني أحب أن أعطي لكلّ ذي فضل فضله،وأرى بقول سقراط السابق قمّة الحكمة، وانّه ولو لم يدّع الحكمة
وقال عن نفسه انه هاويا لها، الاّ أنه كان بحق محترف الحكمة.
ومقولته تلك تعرّج بي إلى مقولة للإمام مالك(رضي الله عنه) عندما قال: ( لا أعلم... نصف العلم ) .
ــ ( اعرف نفسك ) :
اتجه سقراط ـ بعكس الفلاسفة الطبيعيين الذين سبقوه والذين اهتموا
بدراسة الطبيعة ـ إلى الإنسان نفسه، والى سبر أغوار الرّوح الإنسانية،
يستطلع الافتراضات، ويستجوب اليقينيّات، وإذا تحدّث الناس عن العدالة المتعارف عليها، كان يسألهم بهدوء، ما هي العدالة ؟؟
وماذا تعنون بهذه الكلمات المجرّدة...( الشرف،الفضيلة،الأخلاق،
الوطنية ؟) وماذا تعني بنفسك ؟؟!!
ــ اعترض عليه البعض وانتقده الكثيرون، وقالوا له انه يسأل
أكثر ممّا يجب، ويترك عقول الرجال أكثر اضطرابا ممّا كانت عليه
قبل المحاورة النقاش أو الحديث.ومع ذلك فقد قدّم سقراط إلى الفلسفة
جوابين ثابتين لسؤالين تناولا مشكلتين من أكثر المشاكل تعقيدا
وهما: ما هو معنى الفضيلة ؟ ...... وما هي أفضل دولة ؟
ــ حياته :
كانت حياته صعبة ومثيرة للجدل ولتّأفف أحيانا، فهو لم يعمل قط،
ولم يهتمّ بالغد، وكان يأكل عندما كان يشرف على موائد تلامذته ـ وهذا يدلّ على أنهم أحبوا عشرته ومرافقته ـ أمّا في بيته فلم يكن مرحبا به لأنه
قد أهمل زوجته وأولاده، وكان في نظر زوجته كسولا لا يصلح لشئ،
ولم يوفّر لعائلته الغذاء أكثر من الخبز. ويقال أنّ زوجته أحبت الحوار
والحديث مثله تماما، وكان يدور بينهما حوارات وسجالات أخفق
تلميذه أفلاطون في تسجيلها لنا. وكما كان سقراط فيلسوفا عظيما كان أيضا
رجلا عظيما، فقد عرّض نفسه للخطر يوما لينقذ حياة أحّد تلامذته في المعركة.
ــ الحكم عليه بالإعدام :
ان هذه الأسئلة التي كان يثيرها سقراط كانت السبب في أن يحكم عليه
نظام أثينا بالموت متّهمة إياه بالفساد الخلقي والهرطقة وإفساد الشباب
وردّهم عن دين آبائهم..كما وكان من بين الأسباب هو محاربته للنظام
الديمقراطي الذي كان يقول عنه أنه نظام فاسد وفاشل، إذ أنها توصل
إلى سدّة الحكم عن طريق الانتخاب من لا يستحق ، فالجماهير لدى سقراط ساذجة لا تعرف
مصلحة نفسها فكيف لها أن تختار رجلا من بينها ليحكمها ويدير
مجتمعا كبيرا كالدولة. وثارت الدنيا على سقراط الذي جاء بإنجيل
ارستقراطي جديد، واشتعلت الثورة بين الديمقراطية والارستقراطية،
وكان الفوز للديمقراطية، عندها تقرّر مصير سقراط الزعيم العقلي
والرّوحي للحزب الارستقراطي الثائر ومفسد الشباب الذين أسكرهم
النقاش.
وحكموا عليه بالإعدام، وكان الاعدام يتمّ في أثينا في ذلك العصر
عن طريق شرب السّم. وعندما جاءت لحظة الفراق دخل عليه السّجّان
فسأله سقراط: ( أنت يا صديقي السجان المجرّب في هذه الأمور،هل
تدلني كيف أفعل وكيف أتقدّم في شرب السّم )فأجابه السجان: (عليك
أن تمشي إلى أن تشعر بثقل قدميك فتستلقي، وبهذا يسري السم في جسدك ) عندها قدم السجان السّم لسقراط، وكان حوله ثلّة من أصدقائه وتلامذته، وعندما شرب السم أجهش البعض بالبكاء،والبعض الآخر بكى خفية، وكان من بين الموجودين من أرسل صرخة عالية، وسقراط وحده الذي كان محتفظا بهدوئه وقال : ( ما هذا الصراخ والصخب؟ لقد أبعدت النساء من هنا كيلا أشعر بالاهانة، فقد سمعت بوجوب ترك الرجل يموت في سلام، اهدؤوا واصبروا )
ظلّ سقراط يمشي في غرفة السجن حتى شعر بثقل قدميه فاستلقى
على ظهره منتظرا أن يصل السّم إلى قلبه، عندها ستكون النهاية.
|