18 / 09 / 2010, 34 : 08 AM
|
رقم المشاركة : [11]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
رد: من دير ياسين وصولا إلى غزة مروراً بمجزرةمخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطيني يباد ولا من
صبرا وشاتيلا أو قصة المجزرة المعلنة
[align=justify]
يتابع الجيش الاسرائيلي في الضفة وغزة سياسة الاستيطان وحصار المدن وتدمير المؤسسات المدنية ومطاردة الفلسطينيين والاغتيالات المركزة. وقد اعترف للمرة الاولى انه يستخدم "الدروع البشرية" في عملياته وهي جريمة حرب بحسب المعاهدات الدولية. انها جلجلة طويلة لا تنتهي. اما مجزرة صبرا وشاتيلا التي وقعت قبل عشرين عاما في ايلول/سبتمبر 1982 والتي قتل فيها مئات المدنيين في مخيمات لبنان على يد الميليشيات اللبنانية اليمينية والجنود الاسرائيليين المتواطئين بقيادة شارون، فيعتبرها الفلسطينيون محطة اضافية في تاريخ من المجازر واعمال الاضطهاد من دير ياسين الى عملية "السور الواقي" مرورا بقبية. بالنسبة اليهم الماضي هو الحاضر.
بيار بيان*
Pierre PEAN
بعد مضي عشرين عاماً على المجزرة، لا تزال الكلمات في الكتب التي أعيد فتحها (١)، كما الكلام الجاري على ألسنة الناجين ممن بقي من صبرا وشاتيلا، تقطر دماً. فالزمن لم يمحُ كل شيء. وطوال مدة إجرائي تحقيقي هذا كنت أشعر بالتقزز لهذه الروايات التي تنقل في تسلسلها أخبار الأولاد يُنحرون أو يُخوزقون، والنساء الحوامل تُشق بطونهن، والرؤوس والأطراف تُقطع بالفؤوس، الى الجثث المكدسة... حتى لتشعر بالغثيان.
لم أدخل الى ما تبقى من مخيمي صبرا وشاتيلا عبر المدخل الرئيسي، بل عبر حي موبوء في محيطهما، يعيش فيه الوافدون الجدد، وخصوصاً الآسيويين، وقدأفضى بي المرور في هذا الحي الى "الشارع الرئيسي" الذي يربط مستشفى غزة (لم يعد موجوداً الآن)بالمدخل الرئيسي من جهة السفارة الكويتية، المتناقضة معهما بفخامتها كما منشآت المدينة الرياضية المجددة القريبة منهما حيث جُمّع واستجوب الفلسطينيون واللبنانيون البالغون الذين كانوا نجوا من المجزرة. وفي الحي يختلط الناس ما بين الحوانيت وبسطات باعة الفواكه، والأقراص المدمجة (CD) والسلع الجديدة والمستعملة، وما بين السيارات والدراجات النارية الخفيفة.
فكيف أصل في هذا الجمع الى الشهود المباشرين أو غير المباشرين على المجازر والذين، من دون أن أسمع صوتهم، يحيون في ذاكرتي مشاهد الرعب في أواسط أيلول/سبتمبر من العام 1982؟
أم شوقي، البالغة من العمر 52 عاماً، فقدت سبعة عشر شخصاً من عائلتها بينهم زوجها وابن لها في الثانية عشرة. كانت تقطن في حي بئر حسن بالقرب من سفارة الكويت. وهي أقامت بعد المجزرة مع اولادها المتبقين في الشارع الرئيسي لمخيم شاتيلا. وتسكن في الطابق الرابع من مبنى لم تراعَ فيه كثيراً أصول الهندسة المعمارية. بيتها من الداخل نظيف حيث باقات من الزهور الاصطناعية تتناسب مع ألوان الكنبات، ولوحات منسوخة ملصقة أو معلقة على الجدران، تمثل القدس والجامع الأقصى وراية حركة “حماس”، مع انها لا تنتمي اليها:“أنا لا أنتمي الى أي تنظيم. ولن ألتزم الا عندما تكون النتائج مضمونة." وعن اولادها تقول:“لا أريدهم ان يستشهدوا مجانياً، لكن يوم أتأكد من أنني سأروي تعطشي الى الثأر سأشجعهم وسأكون الى جانبهم..."
في كل يوم وكل ليلة تتراءى لها صور الجثث، والناس المشوهين، صورة ابنها وزوجها الذي لم تره بعد ذاك اليوم ولا تعرف عنه شيئاً. الألوان التي في الصالون لا تكسر من حدة سواد ثوبها وشعرها وعينيها. أم شوقي لا تبتسم وهي تتحرق من دون أن ترفع صوتها عندما تستعيد المأساة الثانية التي عاشتها عائلتها (الأولى كانت يوم تهجيرهم في العام 1948 من ترشيحا، وهي بلدة بالقرب من حيفا).
تروي:“سمعنا طرقاً على الباب، وصوتاً يقول: نحن لبنانيون، جئنا نقوم بعملية تفتيش عن السلاح...فتح زوجي الباب من دون أن يكون خائفاً على الإطلاق لأنه لم يكن ينتمي الى أي من التنظيمات . كان يعمل في نادي الغولف بالقرب من المطار”.
ثم تحدثت أم شوقي عن الجنود الاسرائيليين الثلاثة وعن عنصر من “القوات اللبنانية”، الميليشيا المسيحية اليمينية، الذين دخلوا المنزل واخذوا أساور ابنتها وانتزعوا الحلق من اذنيها ثم ضربوها.
هي متأكدة من ان هؤلاء الجنود قدموا من فلسطين المحتلة من أجل القيام بهذه المجازر.
ـ كان لباسهم العسكري مختلفاً عن لباس “القوات اللبنانية”ولا يتكلموا العربية. لا اعرف إن كانت اللغة التي تكلموا بها هي العبرية، لكني متأكدة من أنهم اسرائيليون.
ومنطقة بئر حسن، خارج محيط المخيم، كانت تحت سيطرة الجيش الاسرائيلي. وكغيرها من العائلات الفلسطينية نقلت عائلة أم شوقي من بئر حسن الى داخل المخيمين.
ـ أصعدونا في شاحنة صغيرة سارت بنا نحو مدخل مخيم شاتيلا. قام هؤلاء العسكريون بفصل الرجال عن النساء وعن الاطفال. أحد اللبنانيين اخذ اوراق ثلاثة من أقاربنا قبل أن يقتلهم امامنا، اما زوجي وأبني وآخرون من أقربائي فقد أخذهم الاسرائيليون.
نقل النساء والأولاد سيراً على الأقدام الى المدينة الرياضية. وعلى حافة الطريق كان بعض النسوة يصرخن ويبكين مؤكدات أن جميع الرجال قد قتلوا... وفي المساء تمكنت ام شوقي، في جو البلبلة هذا، من ان تهرب مع أولادها الى شارع ثكنة الحلو، وعند انبلاج الفجر تركت أولادها في إحدى المدارس وذهبت سيراً في اتجاه المدينة الرياضية كي تستعلم عن مصير زوجها وابنها. فلم تستطع التحدث الى احد الضباط الاسرائيليين الموجودين هناك، لكنها سمعت أوامر بالعربية الى الرجال بأن يختموا بطاقات هوياتهم، ورأت شاحنة اسرائيلية تغص بالرجال البالغين والشباب. وقد ارشدتها امرأة غارقة في البكاء كانت فقدت عائلتها بأكملها الى المكان الذي رميت فيه الجثث. فاتجهت عند ذاك المرأتان الى حي عرسال حيث ساروا فوق جثث قتلى لبنانيين وفلسطينيين. وتقول أم شوقي إنها رأت المئات منها، وفي الحقيقة تبين أن اكثر الضحايا سقطوا في حي عرسال.ـ لم يكن في الامكان التعرف عليهم. وجوه مشوهة، منتفخة... رأيت 28 جثة من عائلة لبنانية واحدة، بينها جثتان لامرأتين مبقورتي البطن... حاولت ان أتعرف الى ابني وزوجي من خلال ثيابهما، فتشت طول النهار، وعدت في اليوم التالي... فلم أتعرف الى اي جثة من اهل بئر حسن.
رأت ام شوقي جنوداً لبنانيين يفتحون حفراً ويدفعون الجثث اليها... ولم تجد زوجها واولادها من بعد. الموضوع الذي يصعب على أم شوقي الحديث عنه هو موضوع ابنتها التي أغتصبت...
ـ أفكر في هذا كله ليلاً ونهاراً. لقد ربيت أولادي بمفردي...وقد اضطررت الى طحن المر، ولن أنسى أبداً، وسأنتقم لكل ذلك. قلبي أسود مثل ثوبي هذا، وسأخبر أولادي، وأولاد اولادي، بما رأيت..
وبعدما تجولت في متاهة رهيبة في مختلف الأزقة حيث تتدلى الأسلاك الكهربائية في كل مكان وتسيل في الأرض مياه المجارير، وصلت أخيراً الى مركز مؤلف من ثلاثة او أربعة مكاتب. في احدها، في العمق، تجلس السيدة سهام بلقيس، رئيسة رابطة العودة، مستقيمة وراء مكتبها. وفي محيط الغرفة مسؤول فلسطيني واثنان من الناجين. والسيدة بلقيس، الأربعينية، هي مناضلة ملتزمة وصلبة. عائلتها أتت من قابا في منطقة عكا في اسرائيل. شرعت في الحديث فوراً.
ـ بدأت المجزرة مساء يوم الخميس في حوالى الخامسة والنصف. لم نصدق في بداية الأمر... وقد بقينا داخل منزلنا حتى صباح السبت ولم نعرف كثيراً عما يجري الا ان مجموعة صغيرة من الفلسطينيين واللبنانيين حاولت يومي الخميس والجمعة أن تدافع عن نفسها، لكن ان إفرادها كانوا قليلي العدد وليس معهمما يكفي من الذخيرة. وليلاً رأينا قنابل إسرائيلية مضيئة وسمعنا إطلاق نار. اعتقدنا أن الاسرائيليين يريدون فقط مهاجمة المقاتلين والعثور على الأسلحة... وعندما عاد الهدوء تماماً صباح يوم السبت خرجنا الى الشرفة ورأينا مجموعة من “القوات اللبنانية”في صحبة ضابط اسرائيلي. صرخ فينا اللبنانيون طالبين الينا الخروج، فخرجنا وسط الشتائم. كان الاسرائيلي يحمل جهاز توكي ووكي فأخذه منه أحد اللبنانيين وتكلم فيه قائلاً: "لقد وصلنا الى آخر المنطقة المستهدفة."
وهي متأكدة من أنه كان إسرائيلياً لأنه بحسب ما تقول كان ثمة على ثيابه شارة بالعبرية ونجمة داوود ولم يكن وجهه وجه عربي، وكان يتكلم مع اللبنانيين بالفرنسية.
اقتيدت السيدة سهام مع آخرين نحو مستشفى غزة، قام مرافقوهم بتجميع الأطباء الأجانب ومن التجأ عندهم في المستشفى ومحيطه.
ـ قتلوا حوالى عشرة من الشباب، واكتشفوا شاباً فلسطينياً يرتدي قميصاً أبيض بين الأطباء والممرضين فقتلوه. وعندما اكتمل تجميع الناس ذهبنا بالمئات في اتجاه السفارة الكويتية. كانت الشوارع مليئة بالجثث، فتيات مقيدات من معاصمهن، ومنازل مدمرة، ودبابات اسرائيلية، وعلى حديد إحداها التصقت بقايا طفل. وقبل وصولنا الى المدينة الرياضية فُصل عنا الرجال، وراح بعض العسكريين يطلبون الى الشباب أن يزحفوا، فمن زحف جيداً اعتبر مقاتلاً وقتل على أيدي “القوات اللبنانية”، اما الآخرون فكانوا يُرفسون بالأرجل...
ـ رأيت سعد حداد (٢)مع آخرين امام مبنى السفارة الكويتية. ثم لدى وصولنا الى المدينة الرياضية شاهدت عدداً كبيراً من الجنود الاسرائيليين. قال كولونيل اسرائيلي ان في امكان النساء والأولاد أن يعودوا الى منازلهم، وفي ما بعد رأيت أخي يصعد الى سيارة جيب فيما صعد الآخرون الى الشاحنات، ركضت نحوه، لكن عبثاً، سمعت ضابطاً يقول بالعربية:“سنسلمكم الى“القوات اللبنانية”، فهم يعرفون أكثر منا كيف يجعلونكم تتكلمون."
وفي الاجمال فإن الشهود جميعاً يروون الأخبار نفسها، والرعب نفسه. وقد التقيت أيضاً السيدة كاملة مهنا، وهي لبنانية من حي عرسال:
[/align]
|
|
|
|