عرض مشاركة واحدة
قديم 08 / 10 / 2010, 48 : 05 PM   رقم المشاركة : [1]
محمد حليمة
شاعر نور أدبي

 الصورة الرمزية محمد حليمة
 





محمد حليمة is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

قصة.. { سليم ... والطائر المُتكلّم } بقلم محمد حليمة

[align=justify]
[align=justify]
[align=justify]
سليم ... و الطـَّـائـِـرُ الـمُــتـكـَــلـّم

إنها الآن الساعة السابعة والنصف صباحا ، تهيأّ سليم للذهاب إلى عمله كموظف
في شركة الكهرباء ، ولم يغب عن ذهنه الواجب اليومي قبل خروجه الى العمل،
فشرع في إطعام عصفوره المدلل ( طاهر ) . خاطبه سليم وهو ينثر له الطعام على
أرضية قفصه : اليوم قد أتأخر قليلا يا طاهر لجلب بعض الحاجيات ؛ فلا تقلق ...
فردّ العصفور طاهر : رافقتك السلامة يا سليم ، وانتبه لخطواتك .
خرج من بيته في تمام الساعة السابعة وخمس وثلاثين دقيقة ، وكان الوقت اللازم للوصول الى عمله عشرين دقيقة ، أي أنه كان يصل الى مكان عمله قبل خمس
دقائق من الموعد المحدد للدوام الرسمي ، وصل سليم عند الساعة السابعة وخمس وخمسين دقيقة . ولا تعجب.. فقد كان هذا دأبه طوال سنين عمله العشر.
رفع سماعة الهاتف ليطلب قهوة الصباح ... يا للأسف.. فكعادته موظف البوفيه لما يأت بعد ، فغمغم سليم قائلاً : حسبي الله ونعم الوكيل ، كما هي العادة؛ فلن
أتناول قهوتي حتى الساعة التاسعة إلا ربعاً . بدأ بإنجاز ما عليه من عمل ؛ من أضابير مكوّمة على الطاولة تخصّ المواطنين . لحظة ... فهذه الأضابير ليست خاصته ، فقد كان سليم ينجز كلّ ما عليه من عمل قبل انتهاء الدوام الرسمي ،أي قبل الساعة الثانية بعد الظهر، بسرعة وأمانة لا تضاها ، بل كان يبقى ـ إن لزم الأمر ـ الى ما بعد ذلك الوقت. أما الأضابير والمعاملات التي كانت مكوّمة فوق
طاولته فقصتها ... أنه كان يشارك سليما غرفة عمله ثلاثة موظفين ، ولكل منهم عمله ومعاملاته الخاصة به ، لكنّ الموظفين الثلاثة كانوا يغادرون المديرية قبل
انتهاء الدوام الرسمي، بساعتين أو ثلاث وأحيانا خمس ساعات ، لأعذار يجتهدون بنبشها من تحت أظافرهم . و( بحسب الموانة ) والزّمالة كانوا يكلون ما عليهم
من أعمال وواجبات على (صديقهم ) وزميلهم الطيب سليم ،الذي لم يكن يرفض لهم طلباً .. ولمَ لا إذا كان ذلك في صالح العمل وسيره على وتيرة متناسقة ورتيبة
تنفع المواطنين .(كما يقول سليم) وكم هي المجاملات والكلمات المزخرفة بأكاذيب مبطّـنة ،التي
كانت تنهال على سليم كلما أراد أن يغادر زميل له العمل ، تاركاً وراءه كومة من المعاملات غير المنجزة . إني لأعجب من هذا الرجل كيف يصدق أكاذيبهم وكلماتهم المعسولة ويقبل أن ينجز أعمالاً ليست واجبة عليه ، أوَلا تصله التمتمات و الغمغمات التي تدور بين زملائه داخل الغرفة وخارجها ؛ يقولون : مسكين سليم .. كيف نستغله إلى حدّ أن نأرجح أرجلنا من فوق كتفيه ،وهو راض يقول الحمد لله ....
وهذه ثرثارة أخرى تهمس : لم يبق إلا أن أطلب منه إرضاع ابنتي الصغيرة...
فيردّ عليها آخر ويقول : طبيعي أن يكون معكم بهذه السلاسة والطيبة ، كيف لا وهو مختل عقلياً ، ألم تصلكم أخباره مع عصفوره الذي يدعوه ( طاهر )
ــ نعم ، نعم.. يقولون أنه يكلم هذا الطائر ، وأن الطائر يكلمه ، أما رأيت يا خالد عندما قال لك : (( عصفوري طاهر ، يقرؤك السلام يا خالد .... )) فقال المدعو
خالد : إني لأستغرب قبول سعاد الاقتران به ... واحسرتاه على عقلك الرّاجح يا سعاد.
قال خبيث من بينهم : مهما يكن فمن غير الجائز إبقاؤه بيننا ، إنه يشكـّـل خطرا علينا وعلى حياتنا ، لو زادت حالته سوءاً ... أرى أنه يجب إبلاغ المدير ووضعه
في صورة ما يجري .
فضحك أحدهم وقال : الظاهر أنك غارق في العسل .. فالمدير يعلم عن هذا المعتوه كل شيء ، وتابع هذا الأخير بعد أن خفض صوته : ولكنّ مديرنا يدّخره للأيام
السود، أو كما يقولون ..( لأيام العـوزة ) عندما تأتي لجنة الرقابة والتفتيش ،
فيلصق بظهره المخالفات ، والتواقيع التي تمت تحت الطاولة ، والعقود التي أبرمت في الغرف المظلمة . دقّت الساعة الثانية بعد الظهر ، وضع سليم قلمه على طاولته ، وهـمّ بالخروج ،لولا أن استوقفه جرس الهاتف ... أهلا حبيبتي سعاد ..... لا تقلقي سأكون في بيت أهلك اليوم مساء .. قولي لزوجة عمّي أن تحضر لي الطعام الذي أحبه. جنّ الليل ... وبعد أن فرغوا من الطعام ، طلب سليم إعداد
الشاي ، ثمّ انفرد بخطيبته ، باح لها ما يشكو من غمزات ولمزات زملائه ، التي يقويها أكثر ظنهم بأنه لا يعلم بها ، وكيف أنهم يعتبرونه مجنونا ، وأن الطائر(طاهر) لا وجود له ، فهو من نتاج عقله المختل . وكعادتها سعاد ؛ واسته
وأسلت عن نفسه ، ثم أملت عليه ما يجب عليه فعله ....
في اليوم التالي رنّ جرس المنزل ، فتح سليم الباب بابتهاج ، والبسمة لا تفارق ثغره وهو يقود زملائه الثلاثة في العمل،الى غرفة الاستقبال، فقد لـبّـوا دعوة سليم على الغداء ظهر أمس، ترامى الى سمع الزملاء قول سليم ( وهم أيضا
فرحون بك يا طاهر ...) فعلت وجوه زملائه بسمة هازئة ، وهم يقولون بمكر :عصفورك المدلل فرح بقدومنا، لذلك هو يرمي علينا السلام، أليس كذلك .... فأومأ
سليم برأسه بالإيجاب . رنّ الجرس ثانية ، وإذ بسعاد تدخل بقوامها الممشوق ، فجعلت الأيدي تتسابق للسلام عليها ، ولم لا فهي المعروفة لديهم ، فقد كانت شريكتهم في العمل قبل أن تـقـدّم استقالتها منذ سنتين لأسباب مجهولة ، وكانت
تحتلّ مكانة عالية جدا عند زملائها جميعا ، فهي على حدّ قولهم؛ العقل الرّاجح ،والقلب الكبير الواعي ، وصاحبة الأخلاق الزجاجية الشفافة . الآن .. جَهـُزَ الطعام
، ودعا سليم الضيوف للجلوس حول المائدة ، ففاجأ الزملاء الثلاثة صوت سعاد الرّخيم وكأنه يردّ على أحد ما.. ( لا يا طاهر .. فأنا لست بجائعة...) وقف الثلاثة في مكانهم واجمين ، تنهشهم الدهشة ، وكأن الطائر ( طاهر ) بالَ على رؤوسهم . فقالت سعاد بصوت يشي بالثقة الزائدة، مع إيحاء بالتوبيخ :
ــ إن كنتم تستغربون من محاكاتي للطائر ، فالأحرى أن أستغرب أنا من استغرابكم، نعم.. أنا وهذا الطائر نتجاذب أطراف الحديث، كما يفعل سليم ، وليس سليم
بالمجنون أو المختل كما تقولون ، بل هو ذو قلب مؤمن طاهر نقي شفيف محب، مواظب على عمله بجد وإخلاص ، ومن كان قلبه كذلك شفّ قلبه لكلّ قلب بادله
نفس الصفاء والإيمان والنقاء ، ولا أنقى ولا أطهر من قلوب الطيور ، ولا أشفّ من سجيتها . إني أقسم لكم بالله .. أنكم ستسمعون (طاهر) يكلمكم وستكلمونه ، فقط لو خَلـُصَتْ قلوبكم من الشوائب الدنيوية العالقة ، ولو أذهبتم ما عليها من الكره والحسد والرّان .

محمد حليمة
[/align]
[/align]
[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع محمد حليمة
 إنّ الـحـياة لا تقـف عـند مرض ٍ، أو نـائـبَةٍ ، أو حـِقـبة تـاريــخ ٍمـَريــر ..
فـمــا هـي إلا حـواجـز ، خـُلـقـتْ فـي طـريـقـنـا الـطـّويـل ..
ولا بـدّ لـنـا إلا وأن نـمُـرّ عـلـيـهـا ...
فـتجـلـدْ إنّ الـطـّريـقَ مـا يـزالُ طـويــلا .
محمد حليمة غير متصل   رد مع اقتباس