03 / 11 / 2010, 59 : 02 AM
|
رقم المشاركة : [26]
|
الإعلامية والأديبة مريم يمق / شاعرة وقاصة وأديبة وإعلامية، مشرفة سابقاً عضو الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب
|
رد: مذكرات سحاب

مذكرات سحاب
41
حاولت النوم فلم تغمض لي عين، وكأن سرير عمي مليء بالأشواك رغم أن جدتي تهتم به بغياب صاحبه في أمريكا منذ زمن.. ليت عمي يأخذني إلى أمريكا، فيريحني من ظلم الجميع لي.. حتى عمتي التي ربتني لم أعد أراها إلا نادرًا، فقد شغلت بابنتها وزوجها عني، أحيانا أتمنى لو أنها ظلت عانسا، وبقيت بقربي ترعاني وتحنُّ علي، فجدتي أصبحت شبه عاجزة لاتستطيع رعايتي، وفهمي نفسيًا رغم حكمة الشيوخ لديها.. أه ياجدتي آه.. ماكنت أعرف معنى الخَرَف قبل أن أتفوه بها في وجهك.. كنت أظنها تقال لمن أصبح شيخًا، وأنت قد وصلت سن الشيخوخة، ولكنك تحملين عقلا كبيرًا.. أجل هو كذلك أنت لست بقليلة العقل، ولكن مادمت تحملين في رأسك عقلا كبيرًا، فلماذا تركت أبي يطلق أمي؟ لماذا لم تردّيني إلى حضنها عندما أخذوني منها؟ لاشك هناك الكثير من الأسئلة التي سأطرحها مستقبلا عندما أكبر، ويصبح باستطاعتي السؤال والبحث عن الجواب الذي يريحني من عذابي وقلقي.. آه ياجدتي ليتك تجربين ما أعانيه من مرِّ العذاب، لتعرفي ثقل ما أحمله في قلبي الصغير حجمًا، الكبير همًا لأسرعتِ بمداواة جراحي، وعملتِ على ضمي لأمي وأبي معًا، وإبعاد زوجته عني وأنيابها التي لاترحم.. ترى من المسؤول عن تشردي النفسي، وحاجتي إلى الحنان والاستقرار؟ والله العظيم حرام عليكم جميعًا أن تتركوني غارقة في بحر الألم، أولست ابنتكم؟ أولست إنسانة تحس وتشعر؟ أولستُ طفلة لاذنب لها فيما حدث ويحدث؟!! أحيانًا أحس بكراهيتي للجميع.. للعالم كله وحتى لنفسي، فأبكي بعيدًا عن عيون الجميع هربًا من نظرات وكلمات الشفقة الكريهة.. الشفقة الكاذبة التي تغضبني فأرفضها بكل المسميات.. أريد حبًا حقيقيًا يمنحني الأمن والسعادة لاشفقة تزيدني شعورًا بالحرمان والنقص، وبأنني عبء على من حولي. ماذنبي ؟ ماذنبي؟ ماذنبي؟
42
وأنا أبكي وأتساءل عما جنيته في الحياة كي أزجَّ في جحيم لايطاق، يحرق زهو طفولتي، ويمزق أفراح قلبي البريء، سمعت صوت المؤذن في تسابيح الفجر، اقشعر بدني، وانهمرت دموعي فوق خدي تطفئ نار قلبي.. سرى في شراييني إحساسٌ غريب ماعرفته من قبل.. إحساس جعل نبضي يتسارع فلم أستطع التمييز بين الخوف وشيء آخر لاأدري ماهو، ولكنه على أي حال كان يشعرني بشيء من الطمأنينة.. أصغيت بكلِّي لصوت المؤذن، المنبعث من مئذنة المسجد القريب من بيت جدتي.. أحسسته قريبًا مني.. سبحان الحي القيوم.. ماذا يعني الحي القيوم.. من سيشرح لي ذلك؟ سبحان الواحد الأحد الفرد الصمد.. مامعنى الصمد؟ أنا أقرأها في الصلاة ولكنني لاأعرف معناها.. ترى أين أجد تفسيرًا لها؟ سأبحث عنها غدابإذن الله.. ياالله ما أعظم هذه التسابيح.. لم أسمعها في مثل هذا الوقت سابقًا، فأنا أجبرُ على النوم باكرًا، ولاأحد يوقظني لصلاة الفجر حاضرًا.. نهضت من سريري خلسة وذهبت للوضوء دون أن أحدث أي صوت يوقظ جدتي وجدي.. وعندما خرجت من مكان الوضوء، وجدت جدتي تقف أمامي، والدهشة تعتلي وجهها الشاحب، ومالبثت أن ابتسمت لي عندما رأت المياه تبلل وجهي وشعري ويدي وقدمي.. اقتربت مني وقبلتني بحنان، فاندفعت نحو صدرها أزرع نفسي في حضنها، فوجدتها تقع فوق الأرض مغشيًا عليها، فصرخت بخوف صرخة مزقت أستارالليل وغشاء الطبل في أذني جدي.
43
أعيدت جدتي بعد عدة أيام إلى المنزل، وهي بصحة جيدة بعد أن أسعفت وأدخلت غرفة العناية المركزة في المستشفى، إثر إصابتها بهبوط مفاجئ بالضغط.. لم أسامح نفسي على فعلتي النكراء عندما ارتميت في صدر جدتي المسكينة، فوقعت مغشيًا عليها.. لأول مرة تمتد يد أبي نحوي بالضرب، ويقسوعلي بالتأنيب كما فعلت عماتي وأولادهن وعمي محمود أكبر أفراد الأسرة، لقد شفى تعرضي للإهانة من الجميع قلب زوجة أبي مني، فرأيت السعادة ترقص في عينيها دون أن تنبت ببنت شفة.. بنت شفة؟ وهل للشفة بنت وولد؟ نعم.. نعم تذكرت ماقالته المعلمة يوم شرحت لنا معناها.. بنت الشفة هي الكلمة أجل الكلمة وليس الابتسامة.. ولكن من هو ابن الشفة؟ هذا مالاأعرف.. ولكن زوجة أبي تعرف ماتريد جيدًا ليتها تتفهم وضعي وتساعدني على تخطي أزمة حياتي الكبرى بابتعادي عن أمي، بل ليتها تضع ابنتها في موضعي، وترى كيف سيكون إحساسها تجاه زوجة أبيها، ربما جن جنونها إن هي علمت بما تفعله بها تلك الزوجة التي حلَّت محلها.. ياويلي لو أنها تعرف بما أفكر به لكانت قضت على حقدًا وكراهية، ولظنت بأنني أسعى لعودة أمي لأبي، وطلاقها هي فيصبح أولادها في رعاية أمي، هذا حلم أدعو الله أن يحققه، وتطرد هي من بيتنا.. سأطلب من أمي أن تعامل أولادها بقسوة كما كانت أمهم تعاملني، فليس هناك أحد يفضلني ولو كانوا أخواتي.. سها لاتطلب من أمها الكفَّ عن تعذيبي، وأنا عندما تعود أمي إلى البيت الجديد الذي اشتراه والدي، وسننتقل إليه قريبًا كما قال، لن أطلب منها الكفَّ عن تعذيب سها وهدى وحتى سامح الصغير البريء الذي لايستطيع الدفاع عن نفسه مثلي تمامًا انتقامًا لي منهم، أولستُ أنا أيضًا طفلة بريئة؟ مامعنى بريئة؟ أظن أنها تعني كما قالت المعلمة: نظيفة طاهرة لايشوبها ذنب، وعندما ستبكي هدى وسامح سأبكي معهم وأمي تضربهم ولاتطعمهم، وسأظل طفلة بريئة مادمت أبكي لأجلهم.. ترى هل سيحاسبني الله على نية الشر لأخواتي؟
مادام الأمر سيسبب لهم ألمًا وظلمًا، فسأحاسب عليه ولو ظنًا، فكيف سأكون بريئة وأنا أضمر الأذى لغيري ولأمي باقتراف الذنب؟
ليت زوجة أبي تكف عن اقتراف الذنوب ليتها..
44
عندما دخلت غرفة جدتي لأراها بعد عودتها من المستشفى، كنت خجلة جدا منها، فأطرقت رأسي أرضًا وأنا أقبل يدها، فجذبتي نحوها وضمتني إلى صدرها والدموع تنساب من عينيها المتعبتين.. أدهشني تصرفها هذا وزادت دهشتي أكثر عندما قالت لي: كنت سعيدة بك ياسحاب وأنا أرى آثار الوضوء على وجهك ويديك.. كان شعرك يلمع تحت الضوء الخافت ووجهك يكتسي نورا.. أنا آسفة ياحبيبتي أن سببت لك الخوف عندما وقعت مغشيًا علي.. ليس بسببك وقعت ياابنتي، فقد نهضت من سريري للوضوء، وأنا أحس بدوخة وشيء من الحرارة في جسدي، ولكن يبدو أن ضغط الدم انخفض عندي عندما قمت بسرعة، ولم أنتظر بعض الوقت قبل الوقوف.. اطمئني ياسحاب فأنت بريئة، وقري عينًا، ولاتشعري بتوبيخ الضمير من أجلي، فقد كان الأمر كله قضاء وقدرا، ولسوف أعيد لك حقك ممن أهانك وممن ضربك عندما اتهموكِ ظلما بما حدث لي.. فقلت لها بفرح: لايهم ياجدتي ماتعرضتُ له من ألم مادمت قد عدتِ إلينا سالمة.. الحمد لله..الحمد لله.. جدتي مامعنى الحي القيوم والصمد؟
كان لعودة جدتي إلينا وكلامها أثر كبير في مداواة جراحي وعودة ثقتي بنفسي واحترامي لذاتي بعد ما أصابني ما أصابني من تجريح وتقريع من الجميع.. ياالله ما أعدلك وما أنصفك للمظاليم، فانصفني يارباه من زوجة أبي التي لاتخافك بي إنك على كل شيء قدير..
بقلم
زاهية بنت البحر
يتبع
|
|
|
|