14 / 11 / 2010, 22 : 11 PM
|
رقم المشاركة : [1]
|
شاعرة، ناشطة في اليونان وأوروبا في مجال حقوق المرأة والطفل وعضو مجلس إدارة المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة
|
هكذا أفضل..
- هكذا أفضل -
وقفتْ طويلا أمام المنزل الجميل تتأمل واجهته الخارجية..
التفتت اليه.. وفي عينيها دمعة.. وكلام كثير..
تنهد بعمق.. ثم كسر الصمت الطويل قائلا بصوت متهدج : هذا هو البيت الذي أردت أن نعيش فيه.. ويكبر فيه أطفالنا ..
- إنه جميل جدا..
- كنت أعرف أنه سيعجبك ..
- لقد تأخر الوقت.. يجب أن أرحل..
- هل سأراك ثانية؟
- لا.. لن نلتقي ثانية..
اخترقت هذه الكلمة فؤاده كرصاصة ...
ثم أضافت: هكذا أفضل..
حدق في وجهها في يأس..
- ليتني أستطيع احتمال هذا.. فأنتِ بالنسبة لي كل شيء.. لا أتخيل حياتي..
- توقف أرجوك.. لا داعي لهذا الكلام الآن.. الأمر لا رجوع فيه..
ثم أردفت..
لا أعرف كيف يجب ان أتعامل معك الآن.. لا أعرف كيف أواجه الظرف.. لا أعرف ماالذي سيسفر عنه الغد وكيف سأكون.. لقد قتلنا الأمر تفكيرا.. خانتنا الاحتمالات.. من المستحيل.. من المستحيل أن يكون واحدنا للآخر..
- أراكِ قد وطنتِ نفسك على الأمر..
- أحاول ..
- لماذا رفض أهلك ؟
- أنعيد الحديث في الامر ثانية؟
- لماذا؟
- أنت أجبني.. لماذا أعلنوا خطوبتك في غضون أيام بعدها ؟
- تعرفين الاجابة.. ولا تسأليني كأني المذنب الوحيد..
- فلا تسأل اذاً..
- ولكن النتيجة أننا خسرنا بعضنا..
- وأن فتاة رائعة ارتبطت بك.. ومستعدة لعمل أي شيئ لإسعادك..
- أعرف .. ولكني أحبكِ أنتِ..
- هذا لا يغير شيئاً الآن..
- إلى أين؟
- يجب أن أغادر.. من الجيد أنني أستطيع أن أبتعد.. مهما أردت أن أبتعد.. علي أن أخرج من هذه الدوامة وهذا الحزن..
ابتعدت قليلا ثم نظرت إليه.. وقالت وقد انفرط تماسكها..وهي تحاول ألا تختنق بعبراتها..
- أتعرف؟ .. إني أشعر تجاهك بالامتنان.. لأنك ملأت حياتي بكل هذا الجمال، وكل هذا الحب.. لولاك لما تغيرت إلى الأفضل.. لقد منحتني الكثير.. وهذا كنز لن أفرط فيه..
تركته ومشت مبتعدة.. صوت خطواتها وهو يتلاشى ويذوب في طيات الصمت كان يخلع قلبه.. ويستنزف أحرّ دموعٍ ذرفها في حياته.. ويحرق آخر آماله..
بعد كل تلك السنين .. لم تنطفئ شعلة حبها في فؤاده ولكنها هدأت نوعا ما .. أسرته نعمة كبيرة.. حياته سعيدة.. والبيت الذي أراد أن يعيش فيه مع حبيبته.. ملأت أرجاءه ضحكات أولاده.. وتآريخٌ كثيرة..
بنى لها بيتاً في عالمه.. زاحمته صور كثيرة.. وأحاسيس وذكريات ومسؤوليات وعاطفة تجاه زوجته الرائعة التي اكتسبت قلبه بحكمة وأصالة وصبر..
واجه أكثر من مرة إشكالية في تصنيف الأمور وترتيبها والموازنة بينها...
الحب الكبير.. الزوجة الغالية.. الأبناء.. الأحلام.. المبادئ.. الانتماء.. الحياة.. إثبات الذات.. الاخفاقات.. النجاح.. ألم الحرمان.. البيت الدافئ.. الصدر الحنون.. كل هذا يسكن قلبه وعقله؟ .. وبأهمية متساوية؟!
رن جرس البيت.. انتبه من استغراقه ونهض ليرحب بأخته القادمة من الغربة.. احتضنها وطبع على جبينها قبلة.. سألها عن اخبارها.. وجلس قبالتها يسمعها باهتمام .. ولكنه كان يغالب رغبة في نفسه تتوق لسماع أي خبر عنها.. فهما في بلد واحد.. بل مدينة واحدة..
أطالت أخته في سرد أخبارها.. وأخبار جميع المعارف والأصدقاء هناك .. وامتدت حكاياتها الى مابعد العشاء والسهرة.. وهو بين مستمتع بما يسمع وبين منتظر لأي تلميح .. ولكنها غادرت في النهاية دون أن تذكر أي شيئ عنها..
بقي في الشرفة وحده لساعات.. ثم توجه إلى غرفة نومه بخطى بطيئة ومشاعر كثيرة تتنازعه.. و اندرج في فراشه تحت الغطاء بتثاقل كطفل مكسور الخاطر حزين..
أدركت زوجته أنه ليس نائماً.. وشعرت به مستغرقا في تفكير عميق.. احترمت ذلك كعادتها.. فهي تدرك أهمية أن تكون له مساحات في وجدانه .. له وحده.. ولكنها لم تستطع ألا تتملكها الحيرة عندما سمعته يهمس لنفسه بعد تنهيدة عميقة قائلاً..
- هكذا أفضل..!
تحسست شعره برفق.. فاستدار إليها واضعا رأسه على صدرها.. طوقته بحنان.. واستسلمت للنوم..
هلا
اثينا 12 نوفمبر 2010
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|