الموضوع: ضربة جزاء
عرض مشاركة واحدة
قديم 18 / 11 / 2010, 23 : 07 PM   رقم المشاركة : [1]
يونس قريب
مهندس / شاعر وأديب
 





يونس قريب is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

ضربة جزاء

ضربــة جـــزاء
عندما يصبح الحاكم في مرتبة الآله يصبح المحكوم في مرتبة الصفر
اثنان و عشرون لاعبا فقط على المستطيل الأخضر هم من يصنع الحدث، و عشرات الملايين من المتفرجين و المناصرين يصرخون و يهتفون، و ينادون بحياة هؤلاء، و اللاعبون هم من يستفيد أخيرا مما يدفع أولئك المتفرجون الذين يخسرون كل شيء من أجل لاشيء.
لست أدري لماذا خارطة العالم العربي تشبه إلى حد كبير هذا المستطيل، وعليها اثنان وعشرون لاعبا بألقاب مختلفة، من دفاع إلى هجوم وجناح ووسط وحراس، وملك وأمير وقائد وزعيم ورئيس، اثنان وعشرون بزي موحد تقريبا، يلعبون فيصنعون الحدث إذا، فمثلا الفساد والرشوة والاختلاس و الطائفية، مَن غير هؤلاء يصنعها ؟
الاعتقالات العشوائية، و سجن الأحرار والتفنن في التعذيب وضرب كل صوت معارض أو غير معارض يدعو إلى الإصلاح والعدل. من سوى هؤلاء يصنعها؟
نشر الفسق وتشجيع العري والإغراء وتهيئة الشواطئ لاغتيال الحياء وخنق بقية الحشمة، هؤلاء فقط من يصنعها.
الجميع يتمركز في مواقع محددة سلفا يحددها المدرب الذي يكون كفؤا فقط عندما يأتي من الضفة الأخرى .
وتبدأ المباراة التي لايجوز فيها استخدام غير القدم، فالشعوب المسكينة مثل جلد منفوخ لاتعيش من هوانها، إلا بين الأقدام قذفا ورفسا وركلا ،وكل لمسة من اليد تعد مخالفة تستدعي العقوبة التي يحددها قانون اللعبة العربي، المراوغات يتقنها هؤلاء جيدا ببراعة واحترافية بالغة، وكذا التمريرات القصيرة بين عنابر السجن الواحد أو بين المعتقلات في ذات البلد، وكذلك التمريرا ت الطويلة التي تخرج الكرة أحيانا من الملعب إلى معتقلات المخابرات الأمريكية والصهيونية.
ولكن للتذكير، عندما تتجاوز الكرة خط التماس يجوز اللعب باليد، لأن الخنق وقطع الأنفاس لا يمكن أن يتم بالقدم.
واللعب يجب أن يكون جماعيا فعندما يتسلل أحد اللاعبين إلى حدود الكويت، فان الحكم الأمريكي يعلن عن مخالفة بإشارة من حكم التماس الاسرائيلي الذي مهمته طول المباراة، الجري على حدود الملعب من موريتانيا إلى جنوب السودان إلى كردستان العراق، ولباس هذا الحكم يجب أن يكون أسودا مثل الحكم الرئيسي تماما.
عندما يتسلل اللاعب مرة أخرى أو يتجاهل الصافرة، يشهر الحكم الأب بطاقة بلون عاصفة الصحراء، وبعد أن لا يكرر اللاعب الخطأ آو يكرره، و بإشارة خاطئة من الأسود تكون برفع الراية الزرقاء على الجولان، أو شبعا، هنا يخرج الإبن البطاقة الحمراء بالطرد النهائي من المباراة، و لو في صبيحة عيد الأضحى المبارك، و هذا شيء ضروري في قانون اللعبة الصارم، لأنه ينبه بقية اللاعبين، فيعلنون التخلي عن البرنامج النووي السلمي.
على طرفي المستطيل الأخضر حارسا مرمى، لكل منهما مدرب خاص هو مدرب حراس المرمى ولعل أبرزهم من حاول التصدي بكل براعة للحذاء ، ومن الغريب أن هذا الهدف تم احتسابه رغم تسجيله باليد في عمل فردي بحت.
طول المباراة و الجماهير المناصرة تصفق و تهتف و تنادي بحياة المدرب الملهم، وتعجب كثيرا بالفنان الذي يستطيع في غفلة من الحكم أن يلعب بطريقة غير شرعية، فيزور الانتخابات و يتلاعب بنتائجها، ورغم احتجاج المنافس المعارض المقيم في لندن أو باريس، فإن الحكم لا يسمع له بل يعتبر الاحتجاج إزعاجا يتطلب العقوبة فالفيتو.
حينما يتعمد أحدهم الخشونة و اللعب بعيدا عن القواعد الأمريكية، فان ينذر و لو بإشارة من أوكانبو، وهذا ما حدث مع البشير، وهنا يصبح اللاعب يؤدي دوره بحذر مخافة البطاقة، وهذا من شانه أن يضعف مردود اللاعب و المباراة أيضا، فيحدث الاستفتاء على إنفصال الجنوب،
إذا تم ارتكاب الخطأ في منطقة ما من ملعب الخصم، يتم الإعلان عن ركلة جزاء تعني هدفا محققا، توضع الكرة في نقطة صعدة و ينتبه المسدد جيدا و يركز تركيزا كبيرا ثم يقذف بقوة و براعة و دعم من إيران، فيسجل الهدف، و أحيانا يخونه الحظ فتمر الكرة فوق المرمى أو يمسكها الحارس بكلتا يديه، فيجري نحوه اللاعبون يحيونه ويقبلونه على شجاعته في إغلاق كل الزوايا حتى معبر رفح
لا تخلو المباراة من سوء تفاهم أو مشاحنات بين لاعبي الفريق الواحد، فينطلق الرصاص في غزة بين فتح وحماس، ربما ينتهي بإنذار شفوي من الحكم المتحيز دائما إلى الفريق الآخر.
عندما تقع الكرة في الشبكة يلتهب نصف الجمهور ويغضب النصف الآخر، فهناك اتفاق على أن لا يتحدوا ولو على هلال رمضان.
المباراة تتكون من شوطين، تحدث في الأول أمور كثيرة من إصابات خفيفة وبالغة، وتضييع متعمد للوقت في الإدارات والمصانع والوزارات، وعند نهاية الشوط يحتسب الأسود الوقت بدل الضائع، الذي تجري فيه مفاجآت عديدة، قد تقلب النتيجة فيصبح قائد الانقلاب رئيسا شرعيا، ويصبح الشرعي مجرما ينتظر المحاكمة مع عصبته.
ومن الغريب الجائز أنه لللاعب أن يكون خصما عنيدا لأخيه.
المخالفات أنواع متعددة منها ما هو مباشر: أي يتم تنفيذه بقذفة واحدة من خلف ستار بوضياف أو من أمام منصة السادات، وأحيانا تكون المخالفات غير مباشرة، فتنفذ على مرحلتين: الثانية يجد فيها اللاعب نفسه في سجن تازمامارت.
ولمدرب الفريق، الحق في ثلاثة تغييرات، تكون عادة بعد نظرة حكيمة منه، أساسها إما الحفاظ على النتيجة أو إحداث تغيير فيها أو لإراحة بعض اللاعبين،
و قد يكون التبديل اضطراريا، عندما لا يستطيع المهاجم إكمال المباراة، فيحمله فريق الإسعاف على محفة بعيدا ويعوض بالسادس، أو بشار أو محترف إنجليزي.
وقد يكون التغيير تكتيكيا، يمكن توقعه بملاحظة ضعف من جناح ما، فيقحم جمال في مكان المدافع الرئيسي، و سيف الإسلام مكان وسط الميدان.
اللاعب الجديد لا يدخل إلا بعد خروج الأول و بإذن من الحكم الرئيسي، وربما يصاب بعض الأساسيين فيخرج من الميدان للإسعاف في ألمانيا، ولا يسعف داخل الملعب إلا الحارس للمصالح الصهيونية والأمريكية.
في حالة الدورات الإقصائية وعندما تنتهي المباراة بالتعادل يلجأ الفريقان إلى الوقت الإضافي، وهو شوطان من المعارك وسط بيروت أو في نهر البارد، أو في الصومال.
وبعد الشوطين الإضافيين الأقصر نسبيا، اللذين يكونان قد استنزفا و أنهكا الأمة، يحتكم الجميع إلى الضربات الترجيحية وهي التي تحدد الفريقين الخاسرين.
يتناوب اللاعبون في تسديد ضربات تسمى ركلات البهجة، وركلات المرارة، و لكن يغلب هذا الاسم الأخير الذي يفيض بالألم.
أما سيلان الدموع في هذه المرحلة فهو مضمون للجميع، ولكن للركلات الأخيرة بين الجزائر ومصر طعم مؤلم جدا، خاصة عندما تم التعدي على قانون اللعبة إذ تجاوز البعض الخط الأبيض أثناء التسديد.
وإذا لم تحسم النتيجة، يبقى تداول ركلات الترجيح، و عشرات الملايين تعيش على الأعصاب حتى يأتي المخلص لينقل العالم العربي إلى وضع أفضل يكون فيه الحكام أقل من الآلهة والشعوب أكبر من الصفر.

يونس قريب، الجزائر11/11/2010

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
يونس قريب غير متصل   رد مع اقتباس