الموضوع
:
جثة في المركب
عرض مشاركة واحدة
22 / 11 / 2010, 22 : 07 PM
رقم المشاركة : [
1
]
يونس قريب
مهندس / شاعر وأديب
بيانات موقعي
اصدار المنتدى
: الجزائر
جثة في المركب
جثث في المركب
من الصعب على الإنسان أن يقف في لحظة عزلة عن العالم و يواجه ذاته
,
لأنه إن فعل اكتشف الحقيقة. و الجنس البشري لا يطيق الكثير من الحقيقة و ربما القليل أيضا و لهذا كانت السلبية هي السمة الغالبة في العالم.
.
الثمن الباهظ
و ما يقال عن الفرد يقال عن الأمة
.
و إذا كان الفرار من الذات لفرد لا يضر إلا صاحبه فإن ذلك للأمة كارثة عظيمة جدا تجعلها تدفع الثمن الباهظ..
جثة في
المركب
هناك اعتقاد لدى البحارة الأقدمين كانوا إذا ركبوا البحر ثم فجأة إدلهم الجو و عصفت الريح و اضطربت الأمواج فأصبحت تصفع السفينة فتجعلها تترنح على البحر كالسكران و ظن الجميع أن ساعة الهلاك قد أزفت كانوا يقولون
:
لابد أن في مركبنا جثة ثم يسرع الجميع باحثين عنها حتى إذا وجدوها و ألقوها إلى البحر عاد السلام و رجعت السفينة تتهادى فوق الماء كالعروس ونجا الجميع
.
في مركبنا مقبرة
.
و نحن هذه الأمة المسكينة قد ركبنا البحر منذ دهر طويل و هذه سفينتنا تحملنا في رحلتنا الشاقة و ها قد اضطرب الجو و اسود الأفق و هذه السحب الداكنة بعضها فوق بعض و مركبنا تدفعه الأمواج و ترفعه و تخفضه بعنف و الظلام المرعب مخيم علينا ولا نكاد نستقر في سفرنا الحضاري أبدا أفلا يحسن بالعقلاء من أمتنا أن يبحثوا في هذا المركب عن الجثة التي جلبت علينا هذه اللعنة عسانا نلقيها إلى البحر فيهدأ و نسير بسلام.
و لكن هل في سفينتنا جثة واحدة أم فيها مقبرة وهل تحتاج إلى بحث أم أن كل شيء واضح للجميع
هذه أم تلك
إنني الحظ هذه الأمة و أتسائل
:
ما الذي يدفع شابا في ربيع الحياة أن ييمم شطر الضفة الأخرى وهو يعلم يقينا أنه إن لم يكن طعاما لوحوش البحر فسيكون لقمة لسجون البر ؟
ما الذي يدفع إنسانا متعلما أن يترك دفء الأسرة و الوالدين و المدرسة و يتجه إلى الجبل كي يعيش بين الوحوش ثم يعتقد أن سفك الدماء دين يأخذ إلى الجنة و الإفساد في الأرض صك غفران ينجي من النيران و يقود الإنسان إلى الرضوان؟
ما الذي يجعل الفساد كائنا يعيش في كل المناخات و كل المناخات لا تهلكه الحرارة العالية ولا يجمده الصقيع الشديد هذا الكائن الكريه المدلل الذي يعيش في قصور الأغنياء و يحيا في أكواخ الفقراء نجده خلف مكاتب الإدارات وفي أقسام الدرس وفي دواوين الوزارات و في ملاعب الرياضة وفوق منابر المساجد ونلقاه من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا و عن شمائلنا قاعدا لنا صراط الله المستقيم ؟
ما الذي يجعل خريج المدرسة أميا لا يحل رموز اللغة و خريج الجامعة بائسا علميا يثير الشفقة والاشمئزاز أيضا؟
أين نعلق الجرس
و أتساءل بعد
:
من المسئول عن هذه المأساة و من السبب في هذه الفاجعة ؟
أهو الاستعمار الذي ترك إرثه المسموم يسري في أوصال الأمة كما يسري الشيطان من ابن آدم بعد أن جثم بثقله اللعين على صدر هذه البلاد لعقود طويلة لم يكل أبدا ولم يمل عن محاولة مسح ومسخ عقيدة الشعب و قيمه و ثقافته وحقنه بعفن كريه هذه نتائجه الحقيقة أن الاستعمار على سوءه إنما هو مظهر من مظاهر المرض
أهو النظام السياسي بعد الاستقلال الذي لم يزل يتخبط و الذي فتح للامة أبواب جنة موهومة سرعان ما تبين أنها جحيم تكتوي البلاد بنارها اليوم و الذي انتقل من ديكتاتورية الرأي الواحد إلى جبروت الفساد الواحد الحقيقة أن النظام السياسي إنما هو مظهر من مظاهر المرض
أهو الفقر الذي يعض بأنيابه أغلب الأمة و الفقر منذ بدء الخليقة كان أب كل الرذائل و أمه و المحض الذي فيه يترعرع الفساد و الفوضى و يشب و يقوى و يتحول إلى وحش كاسر لا يبقي ولا يذر الحقيقة أن الفقر مظهر من مظاهر الداء
و الكسل و التواكل و عدم إتقان العمل والنفاق وتحويل ملك الأمة إلى الجيوب الخاصة و الدعارة و الجريمة و غير ذلك كثير إنما هي من مظاهر الداء
أين الداء إذن
تكلم المفكر العظيم مالك بن نبي رحمه الله تعالى عن ظاهرة القابلية للاستعمار وهي بكل بساطة أن الأمة التي تكون مهيأة لأن تستعبد تستعبد فعلا إن العبد الذي لا يهيئ ظهره للركوب لا يركبه أحد وما يقال عن القابلية للاستعمار يقال عن القابلة للاستعمال و القابلية لتفشي الفساد و القابلية للانخداع وأول خطوات معرفة المرض و تشخيصه أن نعرف هذه الحقيقة
:
إننا أمة تعيش فيها خاصة القابلية للفوضى و الفساد
.
و بعد معرفة هذه الحقيقة التي لا تحتاج إلى دليل أو برهان أو فلسفة عميقة
و ليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
فالسؤال الآن كيف تسرب إلي كياننا هذا الكائن الخبيث
كيف عرف الطريق
عندما يقف المرء على القمة ثم يتحرك لابد له أن ينحدر و نحن شعب ينتمي إلى أمة انطلقت من تحت الصفر و راحت تتطور رويدا رويدا حتى ملكت العالم ثم بدأ يدب إليها داء الأمم فبدأت في الانحدار في أيام ارتفاعها قال شاعرها ا يصف معركة
:
ذي المعالي فليعلون من تعالى هكذا هكذا و إلا فلا لا
وبعد أن تربعت الأمة على عرش العالم بدأت تعيش الترف و البذخ و خرجت شاعرة تقول
:
أنا و الله اصلح للمعالي
و أمشي مشيتي و أتيه تيها
أمكن عاشقي من صحن خدي
و أعطي قبلتي من يشتهيها
المعالي هي حضارة الأمة وتطورها و عظمتها و قوتها و عندما تكون قناعة الأمة أن المعالي تعيش بين صليل السيوف التي تسل على الظالمين فتذهب عنهم جنونهم
وكان بها مثل الجنون فأصبحت
و من جثث القتلى عليها تماتم
وتقلم أظافر الجبروت ليزدهر وجهها و يضيء و يخسا الظالمون
أبقت بني الأصفر الممراض كاسمهم صفر الوجوه و جلت اوجه العرب
و لكن عندما يتسرب إلى ذات الأمة مفهوم جديد للمعالي قوامه أن تتصدر المستهترات ت لتعرض على الجميع صحن الخد و توزع القبل على من يريدها هنا فقط تكون الأمة قد انطلقت إلى المنحدر الآسن ولكن...... ألا يعيش في فترة قوة الأمة مستهترات؟ و بالمقابل في فترة ضعفها ألا يوجد الجادون؟ بلى. إنما السمة الغالبة للأمة في عصر انحدارها تعبر عنها المستهترة و الرويبضة و في عصر قوتها يعبر عنها العظماء و العباقرة ويبقى أولئك منبوذون في النظرة العامة للمجتمع
ولكن لماذا
الأمة وهي تشب و تسير في طريق تطورها تعيش حالات مختلفة من اختلاط شعوب وقبائل و من ثم قناعات و أفكار جديدة تراها. و في صراعها الدائم هناك مؤامرات أغلبها خفية و متسترة و عندما تنداح الدائرة يبدأ في داخلها الصراع و في المحصلة العقيدة الأولى التي انطلقت بها تبدأ في الصدأ و الذوبان و الفتور و تتحول بفعل عوامل الحت الحضاري إلى هيكل لا روح فيه و تقوم في ذاتها عقيدة جديدة هي عقيدة صراع الأخوة و الترف و البذخ و التجبر و غير ذلك من الأمراض الحضارية ثم لا تشعر الأمة إلا وهي تترنح من ضربة خارجية هيأت لها ضربات داخلية عديدة
ثقب في النفس و آخر في العقل
إن أي مصلح نجح في مسيرة إصلاحه لابد أن يكون فعل مع أمته أمرين اثنين
-:
تخليصها من عفن قديم
-
و ملئها بعقيدة جديدة هي قوام الانطلاق وهذه العقيدة لها جناحان أو قائمتان يكشفان عن الخلل فأي شعب متخلف يعاني من أمرين خطيرين أو مرضين عضالين هما
01
-خلل في النفس و هذه هي أخلاق الأمة فالفساد الاجتماعي من سرقة و رشوة و دعارة و فسق و امتداد اليد إلى الملك العام و تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة و الترف و غياب ميزان الكفاءة في إسناد المسئوليات كل ذلك يشكل ثقبا في ذات الأمة
02-خلل في العقل وهذا مستوى الأمة العلمي و الثقافي فأي بلد متخلف لابد أن تسود فيه الخرافة و الشعوذة و الجهل بقسميه البسيط و المركب و الاعتماد على الغير في كل شيء من اللبس إلى الطعام إلى المركب و غير ذلك وهذا يشكل الثقب الآخر في عقل الأمة
عود على بدء
إنني أتساءل هل تنتشر في بلادنا مظاهر الفساد الأخلاقي من مجون وبذخ تقابله معاناة مرة و فسق و فساد و رشوة و جريمة هل تنتشر في بلادنا خرافات بسيطة أحيانا تعيش في بيت مشعوذ بسيط و أخرى تعيش في قصر كبير
إن الاعتقاد أن تدوير الملح على المريض يشفي من الألم هو الوجه الآخر للاعتقاد أن كرة القدم وسيلة إسعاد الأمم إنني أظن أن هذه جثة كبيرة متعفنة فمن يلقيها إلى البحر
Jackobrd@gmail.com
أبو أنفال ، بئر العاتر في :01/06/2010
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
يونس قريب
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن كل مشاركات يونس قريب