قصيدة النثر موجودة وإن كره الكارهون
[align=justify]
حتى الآن لا أعي ولا أستوعب ما القصد من نفي أو إلغاء قصيدة النثر وما جدوى مثل هذا النفي أو الإلغاء ؟؟.. لماذا لا نفتح أبواب الحضور أمام كل فن وشرطنا الوحيد أن يكون فنا جميلا جيدا يستطيع أن يأخذ المتلقي إليه .. فالفنون والأجناس الأدبية يفترض النظر إليها من باب قدرتها على التواجد الثر .. وللناقد الحق في مناقشة النص والتعامل معه من جميع الوجوه دون اللجوء إلى الإلغاء والنفي والمحو..وكأنّ النقد عملية اغتيال لجنس أدبي وقتله بدم بارد دون الرجوع إلى أساسات ثابتة راسخة ..!!..
قد يقفز البعض إلى التسمية معارضين أن يقال " قصيدة نثر " لأن هذه التسمية تخلط بين الشعر والنثر!!.. وباعتقادي أنه لا يوجد تسمية أخرى تستوعب وتفي بالغرض كهذه التسمية ، ووجه الاعتراض مردود لأنه يقوم على دعوى أنّ النثر نثر ، والشعر شعر ، وهنا لم يقل أحد عن قصيدة النثر إنها نثر ، بل هي شعر تم تحديده بكلمة " قصيدة " وجاءت مفردة " النثر " لتميز هذا الشعر عن " العمودي " و" التفعيلة " ولتبين أنه قد تخلى عن الوزن واحتفظ بالإيقاع وشكل من خلال حريته جنسا أدبيا تبناه شعراء كثيرون كان بعضهم ، بل الكثير منهم ، يكتبون العمودي أو التفعيلة، ووجدوا في هذا الجنس الأدبيّ ضالتهم فهجروا " قيد " الوزن - كما يرون - إلى آماد تتسع وتكبر وتحلق بالشاعر .. وسؤال " لماذا ؟؟" هنا لا معنى له ، فهم يكتبون عن قناعة مطلقة بأنهم وجدوا أنفسهم في قصيدة النثر، مع قدرتهم على كتابة الوزن ببساطة ويسر ..
وهناك اعتراض بأن نصوص قصيدة النثر ضعيفة متهالكة غير متماسكة.. أيضا هذا القول غير دقيق ، لأن الجيد وغير الجيد موجود في الشعر العمودي وشعر التفعيلة والقصة والرواية والمسرح وكل جنس أدبيّ.. فالمعول عليه أن ندرس النص بمعزل عن حكم مسبق ، لنصل من بعد إلى تحديد الجودة أو نفيها بالرجوع إلى النص محل الدراسة وليس الجنس الأدبي بمجمله .. فمن غير المنطقي أن أنفي الشعر العمودي كله ، لأنني وجدت كما ً من القصائد السيئة فنيا وموضوعا وما إلى ذلك ، إذ عليّ أن أحدد القصائد التي قرأت وأقول أهي جيدة أم غير جيدة ، أكانت مكتوبة على الشكل العمودي أو التفعيلة أو النثري .. فالحكم لا يكون على جنس أدبيّ ، لأن مثل هذا الحكم لا يمكن أن يكون نقدا، لأنه يفقد الميزان والدراسة والفهم والذوق .. وأن نستند في الحكم فقط على الوزن ، متجاوزين كل شيء ، أو مسقطين كل شيء ، كوننا لا نرضى غير الوزن ولا نؤمن بالشعر الذي يبتعد عن الوزن ، أمر غير دقيق ، لأنه حكم عاطفيّ لا نقديّ.. وإذا كانت العاطفة جزء من النقد في كثير من الأحيان ، فهي بالتأكيد ليست النقد كله .. ولنا أن نسأل حين نأخذ الوزن لا سواه : هل الشعر يضمّ الوزن ، أم أنّ الوزن يضمّ الشعر ؟؟!!..
قصيدة النثر موجودة بشكل ثر .. ووجودها تجاوز إمكانية النفي أو الإعدام أو الإنكار.. فإغماض العين لا يعني أن الموجود غير موجود!!.. وعلينا أن ندرس الموجود دون نفيه ، أن نناقشه بهدوء وروية واستيعاب وفهم لجوانبه .. والدراسة ، أي دراسة ، تبقى مقيدة بما تدرسه لا بكل ما يتعلق بقصيدة النثر.. أما العاطفة والميل والحب ، فهي من حق كل شخص ، لكن لا يفترض أن تتحول إلى حكم قطعي بوجود جنس أدبي أو عدم وجوده !!..
[/align]
نشرت في صحيفة البعث دمشق 10/1/2011
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|