التسجيل قائمة الأعضاء اجعل كافة الأقسام مقروءة



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 138,655
عدد  مرات الظهور : 163,063,767

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > نور الأدب التخصصي > الأقسام > منتديات.التاريخ.والجغرافيا > التاريخ > تنقيح وتوثيق التاريخ
تنقيح وتوثيق التاريخ (هيئة إعادة توثيق وتنقيح التاريخ) بإشراف هدى الخطيب ود. منذر أبو شعر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10 / 01 / 2014, 44 : 03 PM   رقم المشاركة : [1]
د. منذر أبوشعر
محقق، مؤلف، أديب وقاص

 الصورة الرمزية د. منذر أبوشعر
 





د. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

محاضرة نادرة للأستاذ جودت سعيد لم تُنشر من قبل

جودت بن سعيد بن محمد تسي أبزاخ: مفكر إسلامي سوري، من عشيرة الأبزاخ، أحد أهم القبائل الشركسية في جبال القفقاس / القوقاز. ولد في قرية بئر عجم التابعة للجولان في سورية (عام 1350 هـ / 1931م)، ويعتبر امتداداً لمدرسة المفكرين الإسلاميين الكبيرين: الأستاذ مالك بن نبي (ت: 1393 هـ / 1973 هـ) ومن قبله محمد إقبال (ت: 1357 هـ / 1938 هـ).
أتم دراسته الابتدائية في مدينة (القنيطرة) في سورية، وتابع دراسته في الأزهر الشريف بمصر، فأتم بها المرحلة الثانوية (عام 1366 هـ / 1946م)، والتحق بعدها بكلية اللغة العربية، وحصل على إجازة الليسانس.
بعد تخرجه عمل في السعودية، وقضى فيها نحو عام، وخلال إقامته في المملكة تمَّت الوحدة بين سورية ومصر (سنة 1378 هـ / 1958 م)، فعاد إلى سورية لتأدية الخدمة العسكرية الإلزامية. وأثناء تأديته لخدمة العلم تمَّ الانفصال بين سورية ومصر (سنة 1381 هـ / 1961 م)، فأعلن معارضته للمشاركة في أي تحرك عسكري، مما دفع القادة المسؤولون عنه إلى فرض الإقامة الجبرية عليه، فلم يغادر بلدته إلاّ بعد انقضاء عهد الانفصال (سنة 1382 هـ / 1963 م).
ولمَّا أتمَّ خدمته العسكرية، عيّن مدرساً للغة العربية في ثانويات دمشق، وما لبث أن اعتقل لنشاطه الفكري. وتكررت الاعتقالات، وفي كل مرة كان يُنقل إلى منطقة جديدة من محافظات سورية، حتى تمَّ اتخاذ قرار صرفه من العمل في نهاية الستينات.
وبعد حرب (سنة 1393 هـ / 1973 م)، وتحرير مدينة (القنيطرة) وبعض قرى الجولان السوري المحتل، كانت قرية بئر عجم من ضمن القرى المحررة، فقرر العودة إليها والاستقرار هناك وإعادة ترميم منزله مع عائلته ووالده وإخوته. وما زال يعيش هناك، يعمل في تربية النحل، والزراعة، ويمارس نشاطه الفكري والثقافي، متابعاً للتطورات والنقاشات في الساحة العربية والإسلامية والعالمية.
له بنت اسمها: كوثر، وولدين هما: سعد وبشر.
ويعد جودت سعيد داعية اللاعنف في العالم الإسلامي أو غاندي العالم العربي، وأول ما كتب في مطلع الستينيات كتابه:
1 مذهب ابن آدم الأول، أو مشكلة العنف في العمل الإسلامي عام (1386 هـ / 1966 م) وكان عمره خمس وثلاثون عاماً، شرح فيه قصة ابني آدم الواردة في القرآن الكريم، مستنبطاً منها فكرة اللاعنف، وعلاقته الجذرية بالإسلام، بقصد استخدام العقل والدعوة إليه؛ موضحاً أن مسلمي اليوم يفكرون بطريقة الخوارج: اختلط عندهم مفهوم (الجهاد) الذي هو ذروة سنام الإسلام، بـ (الخروج) الذي يجعل صاحبه يمرق من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية؛ مؤكداً أن (خروج) المسلمين اليوم هو إمَّا بالمشاركة الإيجابية العملية بأعمال العنف، أو خروج (القَعَدة) وهم طائفة من الخوارج يعتقدون صواب ما يفعله الخوارج دون أن يمارسوا العنف عملياً؛ فتنوسي ـ بحماسهم ـ ما ينادون به من إصلاح، وجُعلوا في صف المفسدين؛ مُبيّناً الفرق بين الجهاد في مرحلة بناء الدولة، وبين الجهاد بعد ذلك. فالجهاد يأتي في مرحلة بناء الدولة أو الحكم الراشد أو الديمقراطية، جهاداً لا عنفياً، فلا يجوز الوصول إلى السلطة والحكم بالقوة وبالسيف، وكل من أخذ السلطة بالسيف يهلك، لأن التغيير بالقوة لا يغير المجتمع، فرهقل يذهب ويأتي هرقل. لذلك منع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه من الدفاع عن أنفسهم أثناء وجودهم في مكة، ولم يسمح لهم بالجهاد بالسيف إلاّ بعد تشكيل المجتمع الراشد في المدينة دون ممارسة عنف، لنصرة المظلومين والدفاع عن سلامة الدين. ومن أفكار الكتاب: فكرة «الزيادة في الخلق»، فالعالم لم يُخلق وانتهى، أي لم يكتمل خلقه، وإنما لا يزال يُخلق، فالقرآن يقول: (يزيد في الخلق ما يشاء) و(يخلق ما لا تعلمون). واعتماداً على ذلك وضع مرتبة جديدة من مراتب الوجود، وهي «الوجود السنني»؛ أي وجود الشيء كقانون وسنة حتى قبل وجوده بالفعل.
كما يتكرر عنده «مفهوم النفعية»، معتمداً على النص القرآني (كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) فيعتبر أن «النافع» هو ما سيبقى في الأرض وأن «الزبد» هو ما سيذهب «جفاء»، وأن «النافع» هو «المقدس»، وأن الحق والباطل إذا ما أعطيا فرصاً متكافئة فإن الباطل سيزول والحق سيبقى.
‏2 وبعد ست سنوات، في سنة (1392 هـ / 1972 م)، وكان في الواحدة والأربعين من العمر، أصدر كتابه: حتى يغيروا ما بأنفسهم، وهو محاولة لتخليص مفهوم التغيير الاجتماعي من قيود السببية المقيدة التي يرى أصحابها أن حركة التاريخ تسير طبقاً لسببية مرحلية. فسنن التاريخ قد تسير فعلاً كذلك إنْ تُركتْ لشأنها؛ لكن التغيير، يخضع أيضاً لقانون النفوس. فالسُّنَّة في قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، سُنّة عامة تنطبق على كل البشر، ليست خاصة بالمسلمين؛ فهي سُنَّة اجتماعية لا سُنَّة فردية، وأنَّ في الآية تغييران: تغيير يؤديه الله، وتغيير يقوم به القوم؛ والتغيير الأول نتيجة للتغيير الثاني، فالله لن يغيّر ما عليه القوم حتى يقوم القوم بالتغيير أولاً، لأن مجال التغيير الذي يحدثه الله، هو ما بالقوم، والتغيير الذي أسنده الله إلى القوم، مجاله ما بأنفسهم؛ وبالتالي فليس ضرورياً أن يتغير حال الفرد إذا تغير ما به، وليس ضرورياً أن لا يحدث التغيير؛ لكن الضروري أنَّ تغيير ما بالمجتمع يحدث إذا تغير ما بأفراده؛ لأنه سُنَّة دنيوية اجتماعية لا أخروية؛ وما بالقوم ـ سواءً كان خيراً أو شراً ـ هو نتيجة لما بأنفسهم (أفكارهم، أفعالهم، سلوكهم، إلخ) ولا يتغير إلاّ إذا تغير ما بالنفس؛ وقد تمَّ ذلك على مدار التاريخ، في الصراعات قديماً وحديثاً: ففي أميركا، توجد وحدة خاصة تابعة للرئيس الأمريكي مهمتها الاستفادة من القدرة على تغيير ما بأنفس المجتمعات أو شخصياتها الهامة لتحقيق مصالح أمريكا دون قتال. ثم يتحدث عن سنن التغيير، وعن أثر ما بالنفس على سلوكها ولو كان وَهْماً، وكم سيكون ذلك صعباً وضرورياً تغيير هذا الوَهْم لتغيير ما بالنفس؛ فما بالنفس يتفاوت في الرسوخ والثبوت، وكل فكرة لها تأثيرها على السلوك بشكل أو بآخر، وكلما كان ما بالنفس راسخاً كلما كان تأثيره كبيراً وتغييره صعباً. وكي تلقى السنن القبول عند المسلمين ينبغي أن تكون مؤصلة بالكتاب والسنة، فالعيب ليس في السنن ذاتها، لأن القرآن والسُنَّة دأبا على طرحها في حديثهم عن الأمم السابقة، لكن تغييب العقل وعدم إعماله لفهم السنن، أدى لخمس آفات سرت عليهم كما سرت على غيرهم: وهي: الغفلة، والإعراض، والتكذيب، واتباع الهوى، وأخيراً اتباع الآباء.
و(اتباع الآباء)، رغم عرضها كثيراً في القرآن، فالمسلمون لم يستوعبوا معناها، وظلوا يتبعون كثيراً من سنن آبائهم السابقة في القرون السابقة وعصور التخلف الإسلامي، فأوقفوا الاجتهاد، وهو ما أدى بالضرورة إلى عدم قدرتهم على القيام من كبوتهم. ولا يتحقق الخلاص من ذلك، إلاّ بفصل المنهج عن التطبيق، أي فصل الإسلام (المنهج) عن المسلمين (التطبيق)، وهذا يعني بالضرورة عدم إضفاء التقديس على أشياء أو شخصيات غير مقدسة، لأنه سيؤدي إلى الجمود والتخلف والإساءة لصورة الإسلام، وهي سُنَّة عامة، فالمسلمون ليس لهم قدسية أو امتياز خاص يجعلهم في وضع أفضل حينما لا يتقنون التعامل مع سنن الله.
3 فقدان التوازن الاجتماعي مشكلة الزي والملابس: طبع عام (1978 م) في (72 صفحة). ويدرس إنسان مجتمعنا الذي يتردد بين مبدئه وضغط الواقع. ويبين أن الانفصام الاجتماعي الذي يعانيه مسلم اليوم، هو الذي يفقده توازنه ويحمله على الانسحاب من المجتمع أو الذوبان فيه. وإن من الشروط الأساسية لتحقيق التوازن الاجتماعي:
- أن ندخل المجتمع ونحن نعتقد أن لدينا عقيدة تنقذه.
- أن ندخل المجتمع لنغيرِّه، لا لنقلِّده.
- أن نقدم الإيمان بأدلته من عالم الشهادة.
ويناقش مسألة اللباس الإسلامي، فلو فُهم ما يتطلبه هذا اللباس من الثقافة أو الروح التي تعطي المبرر والمسوّغ له، لساعد هذا الفهم على حل كثير من المشكلات، لكن الانفصام الاجتماعي الذي يعانيه مسلم اليوم هو الذي يفقده توازنه في هذا الموضوع، فلا يتمكن من أن يكيَّف ضغط الواقع مع مقتضيات المبدأ إلاّ بشيء من التلفيق؛ شارحاً ذلك من خلال أربع فصول رئيسة:
فالفصل الأول: بين المبدأ وضغط الواقع، بيَّن فيه أن المسلم لم يعد يشعر بأنه يحمل شيئا يحتاج العالم إليه، مما شكَّل ضغطاً عليه، فحاول اللجوء إلى التقليد هرباً من واقعه.
وفي الفصل الثاني: عالم الغيب والشهادة، يذكر فيه أن الإيمان مرحلتان: مرحلة إيمان بالغيب: فيه حلاوة الذوبان، مع نوع من مرارة الشعور بالحرمان الخفي، وليس لها تأثير إيجابي إلاّ من جانب التطهر والتضحية. ثم مرحلة الإيمان بالشهادة: وهي مرحلة الوعي، التي تعطي ذلك الذوبان بريقاً خاصاً؛ رغم أن الإيمان بالغيب ـ المفتقر إلى عالم الشهادة ـ لا يجلب احترام الآخرين وإعجابهم، وإن جلب شيئاً فإنما يجلب التعجب من شدة الإيمان؛ وهذا النوع من الإيمان يمكن أن يوجد عند الوثنيين.
وفي الفصل الثالث: أثر المسوغ، يبيّن فيه أن الإنسان إذا شعر بقيمته يدفعه ذلك للتغيير والعمل، بينما فقدانه للدافع يفقده حتى الرغبة في الحياة.
وفي الفصل الرابع: الشعور بالمنبوذية، يسقط فكرة الشعور بالمنبوذية على المتحجبة التي تخلت عن حجابها، بسبب شعورها بالمنبوذية في المجتمع، وليس اللباس بحد ذاته مصدر للمنبوذية بل هو مثير لحالة المنبوذية التي وصل لها المسلم، وشأن اللباس في هذه الحالة كشأن الجرس في تجربة بافلوف.
4 كن كابن آدم الأول: نشر عام (1979 م)، وهو دعوة إلى الأخذ بالحوار، وتفهم التاريخ الذي يجب على الإنسان العاقل الانتفاع بدروسه: فيفهم (الكلمات) أولاً، فإن لم يفهمها ولم ينتفع بها فستفهمه النتائج الوخيمة، بعد فوات الأوان. ويقول: إن البشرية قد اقتربت بعد تجارب طويلة من فهم قضية ابني آدم، حين وصلت إلى طريق مسدود مع العنف. وقد آن لها أن تتعلم. ولعل الدعوة إلى السلام والحوار اليوم هما البداية. ومن خلال قضية ابني آدم استفاض في الحديث عن السلطة والمعرفة، وعن الإنسان والتاريخ، وعن اللغة والمعاني، وعن الرشد (الديموقراطية) والإكراه، مشيراً إلى آيات الاعتبار القرآنية: كعاد إرم ذات العماد، وتحديد الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الأوتاد، بما استجد من آيات في الأمم المتحدة، والوحدة الأوربية، والاتحاد السوفياتي - سابقاً -، والصين، واليابان، وفي حرب الخليج.
5 العمل قدرة وإرادة: نشر عام (1980 م)، ويقول إنه إذا ما توافرت للعمل الإرادة الجازمة، والقدرة التامة، مع استيفاء شروطه وانتفاء موانعه، وجب وجود الفعل ضرورة، وتم حصول العمل بإذن الله. ولدى المسلمين اليوم من الإرادة والقدرة المادية ما يمكنهم من الانطلاق نحو حل مشكلاتهم والمشاركة في التأثير في أحداث العالم ومواجهة الغزو الاستعماري والفكري؛ لكن عوزهم الحقيقي في القدرات الفهمية لسنن تغيير النفس والمجتمعات، إذ إنهم يسلكون - في سبيل التغيير - سبيل المطالبة بالحقوق، لا سبل أداء الواجبات، ويهتمون بتنظيم الدولة لا بإنشاء المجتمع، ويعتمدون أسلوب العنف والإكراه - في العمل الإسلامي - لا أسلوب الإقناع العلمي والتفهيم.
6 الإنسان حين يكون كلاً وحين يكون عدلاً: نشر عام (1984 م)، وهو تبيان أن البشر بإمكانهم استخدام السنن المتعلقة بتغيير النفس، من رفع أو خفض مستوى الأفراد والمجتمعات، حسب الهدف الذي يرمي إليه الإنسان الذي يقوم بهذه المهمة. ففي هذا العصر برزت مشكلة (توجيه الإنسان)، واحتل ذلك مكان الصدارة بين الأمور التي يمتاز بها العصر. فإنْ كنا نُسمي عصرنا عصر البخار والكهرباء، والذرة والفضاء، فإنَّ ما تنبه إليه هذا العصر من سنن (توجيه البشر) أهم من كل ما سبق، ولا قيمة لما سبق إن لم ينجح الإنسان في التوجيه الصحيح للإنسان؛ وهذا الذي جعل ابن خلدون يحتل مكان الصدارة بين العلماء العالميين: لتنبهه إلى السنن، أي منظومة القوانين، التي تجعل البشر يرتفعون في مستوى العمران (الحضارات والنهضة) أو ينخفضون؛ بشرط: أن نبحث أسباب الأحداث، ونعترف بجهد الإنسان فيها. وأن يتحرك الإنسان بين حدّي الرجاء والخوف، من أجل خير يجلبه أو شر يدفعه.
فإذا ما توافرت للعمل الإرادة الجازمة، والقدرة التامة مع استيفاء شروطه وانتفاء موانعه، وجب وجود الفعل ضرورة، وتم حصول العمل بإذن الله. فللمسلمين من الإرادة والقدرة المادية ما يمكنهم من الانطلاق نحو حل مشكلاتهم والمشاركة في التأثير في أحداث العالم ومواجهة الغزو الاستعماري والفكري، وإنما عوزهم الحقيقي في القدرات (الفهمية) لسنن تغيير النفس والمجتمعات، إذ إنهم يسلكون - في سبيل التغيير - سبيل المطالبة بالحقوق، لا سبل أداء الواجبات، ويهتمون بتنظيم الدولة لا بإنشاء المجتمع، ويعتمدون أسلوب العنف والإكراه - في العمل الإسلامي - لا أسلوب الإقناع العلمي والتفهيم.
7 اقرأ وربك الأكرم (طبع عام 1408 هـ / 1988 م) وكان عمره سبع وخمسون عاماً، يؤكد فيه أن قانون سير العلم مرتبط بالقراءة، وأن العلم لم يأخذ دوره الواسع إلاّ باكتشاف الكتابة، لأن التجارب كانت تضيع وتموت بموت أصحابها. ولأن الذاكرة ليست مأمونة للحفظ، فمع ظهور الكتابة ملك الإنسان ذاكرة غير قابلة للموت. وأن الكشف والحفظ والتعميم من منتجات العلم ومولدات له، ومن هنا صار العلم بالقلم والقراءة لا فكاك له.
والعلم متوقف على القراءة، فهي رَحِمه التي بها ينمو ويتطور. والعلم المحفوظ هو الذي يولد العلوم الجديدة، لهذا كان أول ما نزل في آخر رسالة من السماء كلمة (اقرأ) قبل أي كلمة أخرى في العقيدة والإيمان أو العبادة؛ معتبراً أن الأمية ليست فقط أمية القراءة والكتابة، بل أمية الأفكار، قال تعالى: (ومنهم أميون)، أي غير عارفين بمعاني الكتاب يعلمونها حفظاً وقراءة بلا فهم.
لكن مشكلة القراءة هي مشكلتنا الأساسية، لأن القراءة المطلقة والموجهة، أو المجردة، مما لا فائدة منه. فالقرآن الكريم يؤكد دائماً أن العلم الحقيقي: هو علم الأنفس، ومعرفة العواقب والحكمة من التاريخ؛ مرتكزاً على قوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)، فيفهم منها أن آيات الآفاق والأنفس، أي سنن الله في الكون، وتجارب البشر والأحداث والتاريخ البشري، جميعها ستكون الدليل على صحة وصدق القرآن. مما يعني، أن التاريخ والتجارب هي مرجع القرآن ودليل صدق ما فيه من قوانين، وهذا ما دفع البعض لاعتباره مفكراً مادياً، يبشر بمذهب مادي.
والنص القرآني يدل على الأمر بالقراءة، ويعقب الأمر بأن الرب أكرم، فصار هنا اجتماع بين القراءة وكرم الرب، أي أن القراءة وكرم الرب اقترنا في مكان واحد، وحين ننظر إلى العالم جغرافياً أي مكانياً، سنرى هذا الاقتران متلازماً، أي أن الذين ينالون كرم الرب وغناه هم القراء أو أكثر الناس قراءة في العالم وأشدهم اتصالاً بالكتاب، وقرَّر توينبي أن ارتفاع نسبة قراء الكلمة المطبوعة هو الأساس الحضاري لتصنيف البلدان في العالم إلى دول متخلفة أو نامية أو متقدمة. وما امتاز به العلماء المعاصرون حصولهم بيسر على خبرات متراكمة من الأجيال الماضية حفظت لنا بالكتابة، واستفيد منها بالقراءة، ولن تجد إنساناً ذا ذوق إلاّ وجدت وراءه نهماً في القراءة.
والقراءة الواسعة العميقة الشاملة لتراث البشرية التي تمناها قوله تعالى: (ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم) هي التي تجعل الإنسان عالمياً يتجاوز الألوان واللغات والمعتقدات، والذين يضربون في عالم القراءة بسهام وافرة هم الذين يمكنهم أن يتسامحوا مع الباحثين والمخالفين. والقراءة الواسعة العميقة الملحة في التتبع والاستقصاء هي التي تخلص من النموذج والتقليد وعالم الأشخاص.
وأهمية القراءة تبدو في معجزة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، فكون خاتم النبيين أمياً إشارة إلى أن أحداً من الناس بعد خاتم النبيين لن يكون مصلحاً وهادياً بدون قراءة، وبخاتم النبيين النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم ختم الله عهد الأمية، وفتح عهد القراءة في الحياة البشرية: فبالقراءة يمكن اختزال التاريخ، واختزال عصور المعرفة والتجارب. ويقول: عمر القراءة خمسة آلاف عام تقريباً، وعمر الورق الذي أعطي الفاعلية للقراءة ألف وخمسمائة عام، أما عمر الطباعة فأربعمائة عام فقط.
ويقول: إن الأمية المركبة (أمية الأفكار) أخطر من الأمية البسيطة (الجهل بالقراءة والكتابة) ومشكلة القراءة مشكلتنا الأساسية. وإن التسرع في إدانة العلم يحمل إلى صاحبه خسارة كبرى، لأنه لن ينقذه غير العلم: لأن ما يُدينه إمَّا أن يكون علماً فيُقبل، أو جهلاً فيُرفض ونعرض عنه. فعلينا ألاّ نخلط بينهما فنظن الجهل علماً والخطأ صواباً فننكر العلم ونصوّب الخطأ، فنجني على العلم والصواب، ونحن نتوهم أننا نخدم آراءنا ونحمي عقائدنا ونبني دعائم المستقبل لنا ولأجيالنا ولبني آدم عامة، بينما نحن في الواقع نهدم أنفسنا ونبلبل أفهام الأجيال ونضع العقبات أمامهم.
وما يُشاع عند بعض كتبة المسلمين، أن العلم عاجز عن حل مشكلاتنا، مناقضٌ تماماً لمنهج القرآن الذي يقرر: (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق) ـ سبأ: 6ـ وقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) ـ الإسراء: 36 ـ.
8 رياح التغيير (طبع عام 1995 م) الكتاب يدور في مجمله حول التغيير، وفيه بحوث في اللغة وعلاقتها بالواقع، والتاريخ الإنساني وكيفية الاستفادة منه، والعنف والسلم، ومنهج الأنبياء في التغيير، وأهمية الشريعة والقانون في المجتمعات الإنسانية، وأصول نظام الحكم في الإسلام.. بهدف تغيير نظرة الناس إلى الأساليب الواجب اتباعها للتعامل مع النص والواقع بمنهج تاريخي وقرآني وعلمي، بتقديم نماذج لهذا التعامل القائم على دراسة الواقع، والاعتراف بحتمية وصرامة القوانين التي بثها الله في الآفاق والأنفس.
9 الإسلام والغرب والديمقراطية: نشر عام (1996 م)، يرادف فيه بين مفهومي (الديمقراطية)، و(الرشد)، فالديمقراطية في مستوي السياسة عودة إلى الرشد، أي أن الحاكم لا يأتي بالقهر والإكراه، ولا يذهب بالقهر والإكراه.ويبحث في مفهوم الإسلام و(الآخر)، و(الاجتهاد) في الإسلام، والخوف من الديمقراطية لماذا ؟، والإسلام والديمقراطية، ومفهوم الرشد، والعجز الديمقراطي، والديمقراطية والرشد.
10الدين والقانون: طبع سنة (1998 م)، وكتبه أساساً لينشر باللغة الإنكليزية في مجلة «الدين والقانون» التي تصدر في الولايات المتحدة الأمريكية كل ثلاثة أشهر منذ عام (1907م)، لذلك أخذ بعين الاعتبار نوعية القارىء الأمريكي الذي قدمت الدراسة له، فانطلق من الإنسان الذي يفرض كينونته الخاصة في مقولة «الدين والقانون» متناولاً النواحي البيولوجية والنفسية والتاريخية والناحية الدينية كما يقدمها القرآن الكريم.
فالناس قبل قرون قليلة كانوا يجهلون تاريخ الإنسان وتواجده على هذه الأرض، لكنهم يعرفون اليوم أنه عاش قبل اكتشافه للنار أو استئناسه الحيوان وحتى قبل أن يعرف الزراعة. ويمكن القول أنه كبقية الكائنات الحية لم يكن يتدخل في توجيه حياته أو إنتاج غذائه. ولكن هذه القوة الجديدة الممنوحة للإنسان متى بدأت ؟ وكيف انفصل عن بقية الكائنات بهذه الإمكانات ؟
فيرى أن الإمكانية العجيبة في سلطة الإنسان كامنة في جهازه العصبي النامي والقابل للاستيعاب. فهو الوحيد الذي يولد من دون معرفة مسبقة، فيكتسبها عبر استعداده، للتلقي من المجتمع الذي قدم له خلاصة التجارب. وعلى قدر معرفة الإنسـان بالماضي، فإنه يملك قدرة معرفة إمكانات المستقبل. ثم يستعرض طرق نقل (المعرفة) التي كانت عبر الصوت، ثم غدت مع اختراع الكتـابة تنتقل عبر الرمز الضوئي، ثم كان لاختراع الورق والمطبعة الدور الحاسم في انتقال المعارف بشكل سريع، وجاء في النهاية الحفظ الإلكتروني، فزاد من القدرة على حفظ المعارف واستعادتها بشكل سريع ومفيد في آن.
والخروج من خطأ فهم الخبرة المنقولة إلينا لا يتم إلا بالعودة للواقع الذي كوَّنا عنه صورنا الذهنية، وهذا ما يشكل مقدمة لفهم الإنسان وفق رؤية الدين والقرآن. فالفصل بين الوقائع والصور الذهنية أمرٌ جوهري في حياة الإنسان، ويبدو أصعب في المجال الديني، فالدين أو المقدس خاطبنا بلغتين: لغة الوقائع والقوانين التي تحكم وجودنا، ولغة الرموز التي تعبر بالتأويل عن الوقائع؛ مما يوجب فصل لغة الوقائع والقوانين، للوصل بين المتعالي الخالق الأعلى والكون الذي نعيشه، واعتبار أن الكون رمز للخالق المتعالي، ونتعرف عليه بواسطة الكون الذي خلقه؛ مسلطاً الضوء على نصوص القرآن الكريم، شارحاً رؤيتها الى الوجود الكوني والإنساني: ففكرة القرآن عن الأنبياء أنهم على نموذج واحد، جاؤوا برسالة واحدة، مستعرضاً الآيات التي تفرض الإيمان بجميع الأنبياء وعدم التفريق بينـهم. مشيراً أن في القرآن الكريم ظاهرة في ما يتعلق بالأنبياء، فبعد أن يذكر بعضهم بالتعيين يقول إن هناك أنبياء لم يذكرهم، فيفتح الباب بهذا لإمكان التعرف على أنبياء لم يذكروا في القرآن، وتتم معرفتهم عبر الخصائص المشتركة للنبوة. وهذا موضع دراسة للتعرف على الذين يحملون مثل هذه الخصـائص وكان لهم موقعهم في تاريخ الإنسان، وهو منهج يلغي العنصرية بين البشر ويعترف بكل الدعاة والداعين الى العدل والإحسان.
وبعد استعراض رؤية القرآن الى الأنبياء، يقول: إن فكرة ختم النبوة هي شكل تطوري له أهميته، إذ أنها انتقال في منهجية المعرفة وتلقيها ومصدرها، وهي إعلان ببلوغ البشر مرحلة من التلقي بواسطة الأحداث وعواقب التاريخ. فالأنبياء أسسوا ورسخوا فكرة التوحيد بأسلوب النبوات، وعلى أولي العلم أن يحولوا هذه الفكرة المحورية إلى علم وممارسة عملية، وفي هذا التسلسل إلغاء لادعاء أي شخص أن له مصدراً خاصاً للمعرفة لا يتيسر لبقية الناس. وهذا إغلاق أبدي لأسلوب التلقي من الغيب إلى المعرفة العلمية التاريخية البرهانية، كما أنه يعتبر خروجاً من منهج الخوارق إلى العالم العلمي الخاضع لقوانين واضحة.
شارحاً بعد ذلك مفهومين متعلقين بـ «كلمة السواء» و«لا اكراه في الدين»، فيجد أن القرآن الكريم شرح كلمة «السواء» وهي أن يكون لك مثل ما لي عليك وعليك مثل ما عليّ. فالدين لا يجوز نشره بالقوة والإكراه، والدين هو تفسير الكون أي الوجود كله بما فيه الإنسان، وأننا لا يمكن أن نفهم الدين والقانون إلاّ إذا فهمنا طبيعة الإنسان، ولا بد أن نؤمن بأن الإنسان يمكن أن يعرف الخير والشر، فهو وعاء نضع فيه الثقافة والدين والقانون. وإذا لم نعترف بهذا، فلا يمكن الخروج من الفساد وسفك الدماء، ولا يمكن أن نعترف بالمسؤولية عن الخطأ الذي نرتكبه كما اعترف آدم، بل سنبقى على ملة الشيطان !
فالكتاب يشكل نموذجاً مهماً في طبيعة عمليات إسقاط الحياة المعاصرة على مفاهيم الفكر الديني، وتقدم قراءة لمجموعة من المفاهيم المستحدثة ودراستها بجدية وفق رؤية القرآن، من زاوية جديدة للبحث، لإيجاد مصطلح خاص بالثقافة الإسلامية.
11 وله تعقيب ومداخلة عن مقالة في العبودية المختارة، تأليف: أتين دي لابويسيه، طبع عام (1998 م)، قدَّم في تعقيبه النموذج الحي للإنسان الذي يتوق إلى الانعتاق، وكيفية صناعته؛ فبلال بن رباح ذاك العبد المملوك الأسود، غدا مثلاً للحرية، فهو الذي لم يحارب سيده، ولكنه كف عن طاعته، وواجهه فقط بعبارة (أحدٌ.. أحد). فهو نموذج حي للإنسان الذي هاجر من العبودية إلى الحرية، ونال حريته دون أن يطلبها من الآخرين. فدعا، من خلال قصة بلال، جميع الأطراف المتنازعة، إلى نبذ العنف مقابل الإيمان بالإقناع، واستخدام العدل وكلمة السواء والإحسان والبر والحب، في مواجهة المشكلات التي تعاني منها البشرية.فالردع الدموي لا يؤدي إلى القضاء على الخصوم، بل إلى تفاقم العداوة تفاقماً يهدد البلاد بحرب أهلية.
ونحن لم نفهم قصة بلال، والأجدر أن يصير كل واحدٍ منا بلال !
ولابويسيه (1530 م ـ 1563 م) عانى ما يعانيه إنساننا اليوم، وقدم من وحي معاناته ورصيده المعرفي هذه الرؤى لصناعة الإنسان الحر والمجتمع الحر، وهي أفكار متجددة كأنها كتبت اليوم، وهي التي كتبت في القرن السادس عشر.
** ** **
وكان والدي، رحمه الله، من أصدقائه المقربين، ومن ندوة عقدت في دارنا سنة (1966م) وسجلت على شريط خاص كانت هذه المحاضرة:
سؤال: هل يصنع الإنسان التاريخ ؟
جواب: نعم يصنع الإنسان التاريخ بصناعة نفسه أولاً. وصناعة النفس مدارها أمران: العلم أولاً مع الفهم. والإخلاص ثانياً مع الصواب.
وحينما فقد العالم الإسلامي العلاقة بين هذين الأمرين - أي علاقة الإخلاص والعلم بعضهما مع بعض- فُقد كل شيء. إذ لايكفي أن يكون الإنسان مخلصاً، كما لايكفي أن يكون عالماً. وضرر الإخلاص بلا فهم كضرر الفهم بلا إخلاص بل هو أشد
ضرراً.
وحينما أصيب العالم الإسلامي، أصيب لا من كونه مخلصاً، بل من كونه غير عالم وغير فاهم. والله لا يقبل العمل إلا إذا كان خالصاً وصواباً: خالصاً لله، وصواباً على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولنضرب مثلاً على ذلك، وليكن هذا المثل من الطب: فلتشخيص حالة مرضيَّة ما وللوصول إلى العلاج السريع لتلك الحالة، ينبغي أن يكون الطبيب المعني في هذا الأمر قد اجتمع فيه أمران: (العلم) وهو ما نسميه فهمه لتشخيص المرض.
و(الإخلاص) وهو ما نسميه الحرص على إبراء المريض وشفائه.
فإذا لم يتوفر لهذا الطبيب العلم والإخلاص مجتمعان معاً، فلا برء ولا شفاء للمريض.
ومثل آخر، وليكن هذا المثل في شاهد يدلي بشهادته أمام القضاء لتقرير قضية مصيرية ما، فالذي ينبغي أن يتوفر في ذاك الشاهد: فهمه لما يشهد أولاً، وإخلاصه في تلك الشهادة ثانياً. فإذا شهد بدون فهم فسد الأمر ولو كانت نيته
حسنة. وإذا شهد وتعمَّد الكذب، فسد الأمر حتى ولو كانت شهادته منمَّقة وجميلة.
ولهذا قيل: فلان نرجو دعاءه ولا نقبل شهادته.
وإذا كانت علة العالم الإسلامي هي فقدان العلم مع وجود الإخلاص، حتى أصبح هذا العالم عنواناً على (الدروشة) والبساطة والإخلاص الجاهل والمسكنة الذليلة، فهو عالم درويش جداً ومسكين من الطراز الأول، ولكنه جاهل جداً.
وإذا كان العالم الإسلامي يمتاز بهذه الظاهرة، فإن العالم الغربي يمتاز بظاهرة أخرى، هي ظاهرة تخلف الضمير عن العلم. فالغربيون لا ينقصهم الفهم والمعرفة إنما ينقصهم الإخلاص ونقاء الضمير.
فحبذا لو أخذنا كمية من دروشة العالم الإسلامي وإخلاصه وطرحناها بطريقة المقايضة في الأسواق الغربية نظير ما يوازيها من العلم والمعرفة، إذن لاستقام الأمر وللحقنا بالعالم المتحضر، وقديماً قال عمر في هذا المعنى: إلى الله أشكو
ضعف المؤمن وجلد الفاجر.
وتذكرني هذه الحكمة بقول الشاعر المصري إسماعيل صبري باشا (1854 م - 1923 م):
أواه لو عقل الشباب
وآه لو قدر الشيوخ
ويتمثل ذلك في قوله تعالى: (أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) فبالرغم من التعطيل الذي يبدو لأول وهلة في مفهوم هذه الآيات، فهي لا تحمل سلباً لجهد الإنسان وتأثيره، إنما
هي تبيان لأهمية الجهد الإلهي حينما يقاس بالجهد الإنساني: فعملية الزرع تتم من قبل الإنسان بوضع البذرة في الأرض فقط، وأما خلْق الشجر وتكوين الثمر ونفخ الحياة فهو على المسبب الأعظم, وما أحقر الجهد الإنساني تجاه جهد الخالق، مع أنه جهد واجب دينياً، ووجوبه لا يتم دون خالق الكون.
وإذا كانت عملية الزرع تبدأ بالإنسان وتنتهي بوضع البذرة في الأرض، فعملية الحياة باسرها تبدأ بإفراغ النطفة في رحم المرأة، فيبدع الخالق الأعظم من هذه النطفة القذرة بشراً سوياً كامل الخلقة والتكوين. وقال ابن قيم الجوزية (محمد بن أبي بكر، ت: 756 هـ عن ثلاث وثلاثين سنة) في هذا المعنى: خلع الأسباب إيمان، وتعطيلها كفر وزندقة.
وخلعها: عدم إعطائها صفة القدرة المطلقة، أي خلع الفاعلية عنها.
وتعطيلها: عدم الإتيان بها، أي بالأسباب واللجوء إلى (القدرية) التي تخالف العقيدة الصحيحة. ومهما كانت الأسباب والمسببات - التي لها الوزن والثقل في عملية الخلق- يبقى المسبب، وهو الله، وراء كل حركة وخلف كل نأمة. وكلما ارتقى
الإنسان في عالم الإيمان والمشاهدة، كلما كان تمسكه بالأسباب جزءاً من عقيدته، دون أن تحجب عن بصره وقلبه حركة المبدع الأول وفعاليته. وهكذا حينما قال أتباع موسى لموسى: (إنا لمدركون) أجابهم باطمئنان: (كلا إن
معي ربي سيهدين) لأنه رأى رأي اليقين ما وراء هذه الظاهرة، حتى لو كان فرعون وقومه أوشكوا اللحاق بهم فعلاً.
ونفس المعنى كان يسيطر على قلب محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم حينما قال له أبو بكر: والله لو نظروا إلى مواطيء أقدامهم لرأونا؛ فقال له باطمئنان: «ما رأيك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما». فسيدنا موسى وسيدنا محمد كانا ينظران إلى ما وراء الأسباب مع العمل بها، وأتباعهما نظروا إلى الأسباب مشفقين مما يخبئه القدر.
فعدم فهم الأسباب والمسببات فهماً عقيدياً ثابتاً يقودنا إلى حيرة الصحابة حين لم يفهموا سر هزيمتهم يوم أحد، فقالوا: أنَّى هذا ؟ فجاءهم الرد سريعاً: (قل هو من عند أنفسكم)، فهم لم يلتزموا جانب الحذر واليقظة وتركوا الأسباب وعوَّلوا على
النصر، فهُزموا شر هزيمة.
إنَّ الذي يترك الأسباب كالتائه في الصحراء، لا يعرف متى يصل إلى هدفه. بينما الإنسان المؤمن الذي يقرُّ بالأسباب ويفهم تصريفها على الوجه الصحيح، يضع الأمور في مواقيتها، ويعرف متى يسير وكيف يسير، لأنه ليس في متاهة. وهل
يُقارن بين فعَّالية التائه في الصحراء، وفعَّالية الرجل العالم الذي يحمل بوصلة في
جيبه ترشده سواء الطريق وتنزله السبيل.
وآخر هذه النقاط: نقاط الانطلاق نحو صناعة التاريخ الإسلامي الحديث، بعدم لقاء التبعة على (غيرنا) ولو كانوا ظالمين طغاة، بالتركيز على تحمُّل المسؤولية، فالقرآن لم يقبل بإلقاء التبعة حتى على الشيطان، فقال: (ما كان لي عليكم من سلطان
إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) وفي الحديث: «إنما هي أعمالكم احصيها لكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلاّ نفسه» (صحيح مسلم 2577).
فحينما نذهب إلى صناعة التاريخ، ينبغي أن نصدَّ عن أولئك النفر الذين قادوا الأمة إلى مهاوي الجهالة، وألزموها جادة الخزي، وصدفوها عن حقيقة دينها، وشوَّهوا لها معتقداتها.. أعني طبقة العلماء الجهلة الذين باعوا بدينهم دنياهم وتزلفوا للطاغوت فحقت عليهم اللعنة. وقد نعى الله على اليهود إيمانهم بهذه الزمرة الخائنة الفاسقة بقوله: (يؤمنون بالجبت والطاغوت) وما الجبت إلاَّ طبقة الكهان المحرِّفة لما جاء من عند الله والمتسلطة روحياً على عباد الله. وما الطاغوت إلاَّ الحكام
المستبدُّون الذين يتسلطون سياسياً عليهم. لكن محاربة الجبت أوْلى من محاربة الطاغوت.
مع عدم الاستعجال في صناعة تاريخ الأمة الإسلامية لإعادة خلقه من جديد:
فالانتظار الطويل، والاستعداد المتقن، والنَّفس الطويل، والاستعداد المتقن المتريث، أجدى من السرعة المفتعلة المبتسرة، فالاستعجال في ذلك كمن يلجأ إلى الوسائل الاصطناعية لإتمام اكتمال خلق جنين خلال شهر أو شهرين من
بدء الحمل به، ويترك الدورة الطبيعية لتمام حمله ليصبح خلقاً سوياً، ويعلم أن الاستعجال بولادته ربما تهب الجنين الموت. أو ربما يكون الاستعجال مثل تلك
البدوية التي تمنت أن يكون لها جمل يمشي الهوينا ويكون الأول في قطيعه.
وإذا اعتبرنا المجتمع الإسلامي بمثابة الأم، وجنينها هو الحكومة المسلمة التي ستقيم شرع الله، فينبغي أن نهيئ لهذه الأم الرعاية التامة والجو الصحي الملائم لئلا تلد ولداً مشوَّه الخلقة غير مكتمل التكوين.
وكما أنَّ الجنين لا يلد أمه، كذلك الحكومة الإسلامية التي لا تنبثق عن مجتمع مركز لا تكتب لها الحياة والبقاء، فضلا عن إمكان حدوثها، فلا يمكن أن نضع المحراث أمام الثور في كل علاقة اجتماعية، إنما ينبغي وضع الثور أمام المحراث
لنصل إلى غرضنا المنشود.
** ** **
وعلى هامش هذه المحاضرة، سُئل سؤالان:
1 لماذا نؤمن بهذا الدين ؟
الجواب: لأنه استطاع أن يحل مشاكل النفس والمجتمع ومشاكل الإنسانية بأسرها. وقد تبقى بعض المشكلات بلا حل، لكن إلى وقت قصير أو بعيد (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) و(لتعلمن نبأه بعد حين).
ولو حلت المشاكل جميعاً، لما بقي لهذا الكون من معنى، لأن عبقرية الإبداع لا تتم إلاَّ ببعض الإبهام، ومتى أصبحت من الوضوح والبساطة بحيث يراها كل ناظر لفقدت العبقرية حينذاك إبداعها. فينبغي أن تبقى بعض المشكلات بلا حل
ليكون الباب مفتوحاً أمام الباحثين والمخترعين (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض).
2 هل التسليم المطلق واجب للأمور الغيبية دون مناقشة ؟
الجواب: التربية القرآنية للفرد كانت بطريقة غير قسرية. فهي لا تعني التسليم المطلق دون مناقشة، ففيها الكثير من المرونة العقلية المبنية على الفهم والملاحظة والمقارنة والاستشهاد والتأمل.
فالإيمان بنزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنَّ القرآن كلام الله لا لبس فيه، عقيدة دينية وحقيقة ثابتة لا مراء فيها، لكن لا يمنع أن يكون فهمنا لها في هذا العصر يختلف عن فهم الصحابة رضوان الله عليهم لهذه الحقيقة، وهذا لا يُعارض أن يظل ذلك حقيقة ثابتة وأنَّ طريقة فهمها تغيرت مع تغير الزمن:، فلمَّا قال بعض الكفرة: (إنما يعلمه بشر) قال تعالى: (لسان الذين يلحدون فيه أعجمي وهذا لسان عربي مبين)، مكتفياً بأن يحصر الرد باستحالة النبي صلى الله عليه وسلم بتلقي معلوماته التي تضمنها القرآن من أعجمي لا يجيد التعبير إلاَّ بلغته الأعجمية. وكان هذا الرد كافياً ومقنعاً في ذلك العصر. واليوم نستطيع أن نقول غير ذلك، كأن نقول: إننا إذا جمعنا الأدلة التاريخية التي عاصرت الرسول صلى الله عليه وسلم، وجمعنا الحقائق العلمية التي كانت معروفة في ذاك العهد، وقارنا ذلك بما جاء في القرآن، لدُهش العالم بأسره من الحقائق العلمية التي تضمنها ذلك البيان المعجز، لتوافقها توافقاً مدهشاً مع آخر ما توصَّل إليه العلم من قوانين ثابتة سهر على اكتشافها وكشف مغلقاتها وفك معمياتها كبار أدمغة العالم الحديث والقديم. وإنَّ الأجيال القادمة سيُناط بها على نطاق أوسع من نطاقنا فهْم الكثير من الحقائق القرآنية التي لم تظهر بعد (ولتعلمن نبأه بعد حين).
** ** **
وأقول: إنَّ فكرة أننا نعرف إعجاز القرآن أكثر، باكتشافات العلوم المذهلة، فكرة لا نرضاها، فالقرآن ليس كتاب علم أو اكتشافات، رغم أنَّ ما فيه يصحح مسارات العلم ويوجهها، فهو كتاب تشريع وأسلوب حياة، ومعجزاته إنما هي (بألفاظه) و(نمط) كتابته، فإنْ عجزنا عن فهم سر إبداع ألفاظه، بسبب قصورنا عن فهم سر تراكيبها، فذلك لابتعادنا عن معرفة دقائق الصيغ الجمالية في البيان العربي. ولهذا حديث آخر.
29 / 1 / 2014
نقد كتابات الأستاذ جودت سعيد
الأستاذ جودت سعيد يتعامل مع النصوص الشرعية وفق المنهج المادي: بإلغاء دلالتها، والحصول على المعرفة من مصادر التاريخ أو السير في الأرض أو أحداث الكون؛ معتمداً على قوانين تطور الطبيعة وقوانين تطور المجتمع في سلم الدلالات الموضوعية. مما استدعاه ـ بالتالي ـ إلى تقديم تفسير جديد لمفهوم الوحي ومفهوم التلقي من الله، وبالتالي إلغاء النبوة. وهذا هو منهج المدرسة المادية؛ لذلك كان طبيعياً أن يشيد بالمنهج المادي الماركسي عند شرحه لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) ـ الرعد:11ـ فيقول: إنَّ الفكر الماركـسي لبه ومبتدؤه ومنتهاه في إدراك محتوى هذه الآية، حيث لمحوا قدرة الإنسان على صنع التاريخ والقيام بعملية التغيير؛ وهذا الضجيج الذي أحدثه الفكر الماركسي خلال أكثر من مئة عام، إنما كان لتبنّيهم لهذه الفكرة وإدراكهم لها (اقرأ وربك الأكرم 219)؛ وغالى أكثر حينما شهد للفكر الماركسي بالأصالة، وأن مصدره من كتاب الله، فقال: إذا تذكرنا أن علينا أن لا نبخس الناس أشياءهم، وأن الحكمة لا تضر من أي وعاء خرجت، فإن الاعتراف بجانب الصواب الذي في النظرية الماركسية لا يضرنا شيئاً، وإذا رفضنا جانب الصواب بسبب جانب الكفر الذي عندهم لا نكون مصيبين (حتى يغيروا ما بأنفسهم 80)؛ وهي مغالطة بالطبع، فالماركسيون يسخرون من الحريصين على القيم ويقولون لهم: أيها المثاليون المغفلون، إنكم تبحثون عن سراب لا وجود له في الحقيقة.. حين تتكلمون عن الحق والفضيلة والصدق والأمانة، إنها كلمات جوفاء يملؤها كل جيل بما يحلو له، ولكنها هي في ذاتها ليست شيئاً ثابتاً محدداً يمكن التعرف عليها (الأيدولوجية الألمانية: كارل ماركس 56)؛ إضافة إلى أن الماركسية بمكوّنها: واقعٌ عمليٌ واعتقادي لا يمكن الفصل بينهما، شعارهم العريض: لا إله في الوجود والحياة مادة. فتقديم الأفكار الماركسية من خلال إلباسها العباءة الإسلامية، أو تقديم الإسلام إلى الناس في ثوب الاشتراكية، أو من خلال نظام الديمقراطية؛ أمر غاية في الخطورة، وحالة خداع كبيرة؛ فالإسلام ليس ديناً رأسمالياً، أو ديناً اشتراكياً، أو ديناً متوسطاً بينهما؛ هو دين له مبادئه المُستقلة تماماً، ومنهجيته الخاصة به: فداخل المنظومة الإسلامية توجد الملكية الخاصة وتوجد أيضاً الملكية العامة (بيت المال)؛ ولا يسحق الفرد لصالح الجماعة، ولا يسحق الجماعة لصالح الفرد؛ وهو في الحالات الاستثنائية ـ كالمجاعات ـ يتقاسم الجوعى ما معهم حتى لا يهلكوا جميعاً، لكن أن يتم تعميم ذلك داخل منظومة الإسلام ويصير )الفرع( أصلاً، فهو تقزيمٌ للصورة الكاملة، وتسليط الضوء على جانب يغفل الجوانب الأخرى، متناسياً أن (المشرع) في فرائض الإسلام هو الله وليس العقل البشري.كما أنَّ التلقي عن الآخرين، واقتباس مناهجهم وأوضاعهم يحمل ابتداء معنى الهزيمة الداخلية، والشك في كفاية نهج الله لقيادة الحياة وتنظيمها والسير بها صعداً في طريق الارتقاء. فالتصور الشيوعي للألوهية والكون والحياة والإنسان هو تصور مادي بحت: يسمون نظريتهم العامة «المادية الجدلية» ويسمون تفسيرهم للتاريخ «التفسير المادي للتاريخ». وماركس - أو الشيوعيين بصفة عامة - ليسوا هم الذين ابتدعوا الاتجاه المادي، إنما هم قمته ومنتهاه. فجذوره تمتد إلى بعض اتجاهات الفلسفة الإغريقية القديمة واتجاهات الحياة الرومانية قبل المسيحية. وقد قامت النهضة الأوروبية على أساس معاد للدين، فرجعت إلى الأصول الإغريقية الرومانية تستمد منها، بدلاً من الأصول الدينية المسيحية التي انقلبت عليها (عرض تاريخي للفلسفة والعلم: أ. وولف. مبادئ الفلسفة: أ. س رابوبرت).
ويقول الأستاذ جودت: إن الوجود الخارجي المادي هو الحقيقة الثابتة التي نرجع إليها عند الاختلاف، والصور الذهنية قابلة للزيادة أو النقصان (اقرأ وربك الأكرم 57) وهذا مطابق لقول ستالين (جوزيف فيساريونوفيتش ستالين، ت: 1953 هـ): إن المادة والطبيعة والكائن هي حقيقة موضوعية، موجودة خارج الإدراك أو الشعور بصورة مستقلة عنه، وأن المادة هي عنصر أول، لأنه منبه الإحساسات والتصور والشعور، بينما الإدراك هو عنصر ثانٍ مشتق لأنه انعكاس للمادة (المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية 29)، كما يطابق قول إنجلز (فريدريك إنجلز، ت: 1895 م): خارج الطبيعة والإنسان لا يوجد شيء (لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية: إنجلز 16). والنصوص الشرعية عندنا قسمٌ منها غيب، والغيبُ غيبٌ، لا يمكن الاستدلال عليه بقوانين المادة، إنما يستدل عليه بـ (صدق المخرج والخبر الصحيح)؛ فلا غرابة إن ألغى الأستاذ جودت مفهوم (الوحي) والتمسك به، فقال ساخراً من المسلمين المتمسكين بالنصوص الشرعية (الفرائض الثابتة منها): المسلمون - بكل سذاجة - يظنون أن لهم القدرة على الاتصال بالمعاني التي أرادها الله بواسطة هذه اللغة، دون الرجوع إلى الواقع الذي تتحدث عنه.. فينبغي أن نتعمق في فهم هذه الظاهرة: إن العودة إلى النصوص لم تكن لتحتل هذه الظاهرة؛ ولو اقتصر على فهم هذه الحقيقة من الكلام أو من اللغة أو من النص لاستمر القتال، ولوجد ولأمكن أن تؤول النصوص؛ لأن النصوص قابلة للتأويل. فكلام الله جاءنا بأسلوب الرمز؛ والرموز مساعدات مرحلية مؤقتة يمكن أن تختلف بحسب الزمان والمكان، لكن سننه الواقعية لن تتغير، وكلما رجعنا إليها نجدها كما هي ثابتة: (َلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ولَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) ـ الأحزاب 43 ـ. فاعتبر أن كلام الله رمزٌ هو اللغة، وأن الواقع يمثل الحقائق، وأن الله تعامل مع البشر بالرموز. وقال في نهاية كلامه: إن الرموز (مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ) ـ الأعراف:71 ـ (أي لا قدسية لها في ذاتها). وحين يلح القرآن الكريم على الرجوع إلى الكون المادي والاجتماعي لفهم سننه ونظامه، إنما يدل على أن الواقع أدل على ذاته في كلامه للرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا يعني انتهاء مهمة النبوة نفسها، والتعامل مع السنن، إيماناً بمراحل التاريخ، واعتبار مـرحلة البشرية خلال فترة الأنبياء مرحلة طفولية، والمرحلة المعاصرة مرحلة مراهقة، وأن البشرية بدأت اليوم تتجه نحو مرحلة الرشد. وينقل عن محمد إقبال (ت: 1938 م) المفكر الإسلامي: إن النبوة في الإسلام لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة - ختم - النبوة نفسها، وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمداً - إلى الأبد - على مقود يقاد منه. وأن الإنسان لكي يحصل على كمال معرفته لنفسه ينبغي أن يُترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو، فالكتاب والنبي الخاتم دلنا على الطريق الذي لا ينتهي، دلنا على الكلام الذي ليس هو كلام حروف، وإنما حقائق ملموسة: ففي طفولة البشرية، تتطور القوة الروحية إلى ما أسميه "الوعي النبوي" وهو وسيلة للاقتصاد في التفكير الفردي والاختيار الشخصي، بتزويد الناس بأحكام واختيارات جاهزة وأساليب للعمل أُعدت من قبل (العمل قدرة وإرادة 130، وانظر تجديد الفكر الديني: محمد إقبال، 143- 145). وهذه هي دعوة علماء أوربا الماديون، حينما استبعدوا كلام الله من العمل، واعتمدوا على الكلام الذي يمثل الحقائق الملموسة، أي الحقائق المادية الحسية؛ لأن النبوة عندهم: قوة روحية واستعداد شخصي واختيارات وأساليب للعمل أو وعي نبوي؛ وبالتالي فلا وحي مباشر من الله تعالى. ومن أجل هذا المفهوم أكَّد الأستاذ جودت على ضرورة انتهاء النبوة، وإلغاء دلالة النصوص الصادرة عنها، فقال: دلالة الكتاب يمكن أن تُلغى إلغاءً تاماً، كأنها غير موجودة؛ والذي سينبه المسلمين إلى هذا، ما جاء في الكتاب من الاهتمام بالتاريخ وأحوال البشر وحوادث التاريخ؛ أي أن الذي سيعلّمنا ليس القرآن، وإنما نفس حوادث الكون والتاريخ هي التي ستعلمنا، فإنَّ صخرة ما أدل على نفسها من كل كلام يقال عنها حتى لو كان كلام الله. ويقول: لم تعد ترهبني قعقعة الكلمات: الروح، النفس، الله أو الرسول أو قال فلان وفلان، نريد أن نتحدث ماذا يحدث لنا، وكيف يحدث الفهم ؟ كيف يعرف ما فهمناه أننا فهمناه ؟ وكيف انتقلت إليَّ هذه الأفكار ؟ دعونا من الحديث عن السماء، ولنبحث في الأرض، لنعد إلى الإنسان المولود على الفطرة: كيف تصوغ البيئة هذا المولود ؟!، إن ما يحدث أمامنا بقوى تحيط بنا وتصدر منا، وليس غيباً ولا خارقاً، كما أنها ليست مما لا يستطيع العقل فهمها.لذلك اهتم بتعريف كل مرتبة من مراتب الوجود، وبيان خصائصها، للاستدلال بتقديم المادة على العقل والنقل: فالوجود الخارجي - المادي - هو الثابت الذي كلما اختلفنا في تفسيره رجعنا إليه، ودققنا النظر والبحث والتعامل معه، لنصحح الصور الذهنية. ومنه فكل شيء خارج الواقع - المادة - هو قابل للزيادة والنقصان، لا يجوز الاعتماد عليه؛ ويشمل هذا المفهوم النصوص الشرعية (كتاباً وسنة). لكن البدء في الدراسة تكون من كتاب الله ، الذي في النهاية سيشهد بمعنى الكتاب وصدقه (اقرأ وربك الأكرم 47 وما بعدها).أي هو يحرص علـى تقديم المادة (الواقع) على العقل والنقل؛ كما يقدم العقل على النقل، لأن هذا التقديم ينسجم مع مفهوم مراتب الوجود الذي اعتمده في تقدم الصور الـذهنية - العقلية - على اللفظ والكتابة. بينما نجد أن مصدر المعرفة في الإسلام: القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، لا يتوصل إليهما ـ خاصة في أمور الغيب ـ عن طريق الحس ولا عن طريق العقل. فمن الأمور ما لا يمكن علمه إلاّ بالخبر المتواتر، ومنه ما يعلم بخبر الأنبياء ويمتنع أن يقوم دليل صحيح على أن كل ما أخبر به الأنبياء يمكن معرفته بدون الخبر (درء تعارض العقل والنقل 1 / 678)، فأهل السنة جميعاً يعارضون المعتزلة وغيرهم في تقديم العقل على النقل، كذلك يعارضون تقديم الحس على النصوص؛ فلا يبحثون المسألة مع الفـلاسفة أصلاً، ولا من خلال مراتب الوجود، فالله سبحانه عَلِمَ ما في الأذهان، وخلق ما في الأعيان وكلاهما مجعول له: فالذي في الخارج جعله جعلاً خلقياً، والذي في الذهن جعله جعلاً تعليمياً (مجموع فتاوى ابن تيمية 16 / 267).
واعتبر الأستاذ جودت أن مجال السنن في ثلاثة محاور: في المجتمع، وفي الأنفس، وفي الطبيعة. وفي كل آية في القرآن الكريم جاء فيها لفظ (السنة)، كانت الآية تدل على أحد جوانب الدين، ويكون فيها دعوة للاتباع أو موعظة للاعتبار. لكن في مجال الطبيعة، وفي الدلالة على أحداثها، كان القرآن يطلق على مثل هذه المواضيع لفظ "الآيات" كقوله تعالى: (وآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ) ـ يس 37 ـ؛ فتعميم مفهوم (السنن) وإخراجه عن إطاره الشرعي، وإلغاء النبوة والتعامل مع السنن، خروجٌ عن المنهج القرآني ومناقضٌ له. يقول الدكتور عبدالكريم زيدان (ت: 2014 م): إن البشر يخضعون لقوانين ثابتة يسميها القرآن بالسنن - في تصرفاتهم وأفعالهم وسكونهم في الحياة، كسنة الله في أمر الطغيان والطغاة، وسنة الله في بطر النعمة، وسنته في الذنوب والسيئات، وسنته في الترف والمترفين، وفي الظلم والظالمين، وسنته في الفتنة والابتلاء، وسنته في الأسباب والمسببات وهكذا (السنن الإلهية في الشريعة الإسلامية: عبدالكريم زيدان 15)، فالله سبحانه وتعالى جعل في خلقه سنناً، وأرشدنا إليها، وطلب منا التعرف عليها، والتعامل معها؛ فقال:(قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) ـ آل عمران: 137 ـ وبالنظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، نجد أن السنن ثلاثة أنواع:
أ- سنن خارقة للعادة ومألوف الناس: مثل الآيات والبراهين التي يجريها الله على أيدي الأنبياء عليهم السلام، والكرامات الصحيحة لأولياء الله من عباده المؤمنين.
ب - سنن جارية طبيعية: كسنة الله في تعاقب الليل والنهار، والشمس والقمر، فهي تجري وفق ناموس محدد، قدره الله لها.
ج - سنن جارية شرعية: تتعلق بأمر الله ونهيه، ووعده ووعيده، مثل نصر الله لأوليائه، وإهانته لأعدائه، وابتلائه لبعض عباده المؤمنينوهذا النوع يدرك ويرى متحققاً في الواقع من خلال النظر في التاريخ، وملاحظة مصائر الأمم وقيام الحضارات وسقوطها وأسباب ذلك (المدخل إلى علم التاريخ: محمد بن صامل السلمي ص 10 ـ 11)، قال تعالى: (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين) ـ الأنعام 6 ـوفائدة معرفة السنن الشرعية هو التجاوب معها أمراً ونهياً، عملاً وامتناعاً، فإذا كانت السنة الربانية تطلب منا عملاً وتأمرنا بأمر، مثل سنة التمكين وسنة تحقق النصر وسنة رفع البلاء والمكروه، نقم بذلك الأمر حتى نستجلب خير السنة الإلهية.وإذا كانت تنهانا عن شيء، وتطلب منا الإقلاع عنه، حتى لا تحيق بنا السنة الربانية، نتجاوب مع ذلك، ونتجاوز مواقع الخطأ التي قادت الجماعات البشرية السابقة إلى الدمار والهلاك، والتي قص الله علينا خبرها، وبين سبب هلاكها، وأخذها في كتابه الكريم (المدخل إلى علم التاريخ: محمد بن صامل السلمي ص 12).
ويربط الأستاذ جودت هذه القاعدة بمفهوم المشيئة، ويجعل مشيئة الله تابعة لمشيئة البشر، فيقول: كما قَلَبَ قوله تعالى: (إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) ـ الرعد 11ـ مفهوم الناس عن التغيير الذي كانوا ينتظرونه من الله، ويرى البشر أنفسهم مثل الطين بيدي الخزَّاف، تقيدهم الأقدار، قلبت هذه الآية الفكرة رأساً على عقب، فردت عملية التغيير إلى البشر واعتبرتهم مسؤولين عنها (اقرأ وربك الأكرم ص 218)، ويقول أيضاً: تغيير القوم وتغير الله لابد من توفرهما جميعاً، ليتحقق التغيير، كما أنه لابد من أسبقية التغيير الذي يحدثه القوم، إلا أن هنالك ترابطاً بين التغييرين، فإذا وقع التغيير الذي يخلقه الله، دل ذلك قطعاً على أن التغيير الذي يقوم به القوم، قد سبق أن حدث؛ لأن الله تعالى اشترط هذه الأسبقية.وإن الله يخلق الصفات في المادة، ويخلق الأفعال من الأفكار.. فمَن تمكَّنَ من معرفة الخواص التي يخلقها الله تعالى في المواد، يمكنه أن يسيطر عليها، كذلك من تمكَّنَ من معرفة الأفعال التي يخلقها الله تعالى مما بالأنفس، يمكن أن يسيطر على المجتمع (حتى يغيروا ما بأنفسهم ص 77)، لذلك وصف الماركسيين أنهم لمحوا قدرة الإنسان على صنع التاريخ والقيام بعملية التاريخ (اقرأ وربك الأكرم ص 219). فقرر بذلك قاعدة تتلخص في إعطاء البشر القدرة على التغيير على طريقة القدرية النفاة (الذين ينفون القدر)؛ونسب التغيير للإنسان، أنه هو الذي يصنع مصيره بنفسه وأنه يصنع التاريخ، وأن تغيير الله تابع لتغيير البشر، فالله سيغير ما بالقوم حتماً، إن هم غيروا ما بأنفسهم، فهي سنة الله. وهذا مسلك معبد بن عبد الله الجهني (صلبه هشام بن عبد الملك عام 80 هـ / 699 م) وغيلان الدمشقي (ت: عام 99 هـ / 717 م) والجعد بن درهم (ضحى به خالد بن عبد الله القسري والي الكوفة، تحت المنبر يوم عيد الأضحى، عام 120 هـ / 737 م)، يقولون: العبد فاعل للخير والشر، والإيمان والكفر. وهو المجازى على فعله، والرب تعالى أقدره على ذلك كله.فالله قد فرض علينا أن نقوم بهذه الأفعال، وأن الناس هم الذين يقدرون أكسابهم (الملل والنحل للشهرستاني 1 / 62). لكن الـتعامل مع الإنسان من خلال الأسس المادية، وقياس خواصه عـلى خواص الـمادة؛ وإخضاعه لما تخضع له من قوانين، فيه إغفال لتكريم الإنسان وتميزه عن سائر المخلوقات، ويخالف منهج أهل السنة الذي يقوم على إثبات مشيئتين: مشيئة الله، ومشيئة العبد. فعلى العبد أن يكون قلبه معتمداً على الله لا على سبب من الأسباب، والله ييسر من الأسباب ما يصلحه في الدنيا والآخرة. وكتابة الله عز وجل لأعمال العباد لا تقتضي جبرهم عليها أصلاً، وإنما هي تسجيل لما علم الله أن العباد يفعلونه باختيارهم، فإن العلم الأزلي المحيط قد كشف الله عز وجل كل الأمور المستقبلية، التي من جملتها أعمال العباد، فكتبها الله على الوجه الذي يتعلق به العلم. فالعلاقة بين الإنسان والكون، تقوم على مبدأ التسخير، وإدراك حقيقة أساسية هي أن الله هو الذي سخر هذا الكون للإنسان، فقدَّره وخلقه بعد أن لم يكن، كما تفرد الخالق بالتشريع، فالله هو الذي ينظم هذه العلاقة بين الإنسان وهذا الكون، كما نظمها بين الإنسان والإنسان. والتغيير يبدأ من النفوس، حسب منهج الكتاب والسنة، وليس على منهج العلوم التي تتمرد على خالق السماوات والأرض، فإذا كانت الأمة على خير واستقامة وبذل وسعي جاد في إقامة العدل والحضارة، مكن الله لها، واستمر تمكينه مادامت محافظة على ذلكإما إذا قصرت أو تولت عما ذكرت به وتركت وظيفتها من الدعوة إلى دين الله، وعمارة الأرض بشرع الله، فسوف يزول عنها التمكين.فلا بد من بذل الجهد، وتغيير واقع الأمة من التخلف والضعف، بامتلاك أسباب التقدم، حتى يبدأ التحول الاجتماعي والسياسي والثقافي نحو الحضارة المتكاملة، كما أقامها الأسلاف.
وغيَّر الأستاذ جودت مصادر المعرفة وجعلها في التاريخ وحده، مؤكّداً أن سبب انقطاع الوحي - ختم النبوة - أن التاريخ صار مصدراً للمعرفة، لأن التاريخ إذا شهد لأحدٍ استحق شهادة صحيحة، وإذا شهد على أحد أيضاً فهو الذي يَخْرُجُ من التاريخ. أي أن وظيفة القرآن انتهت، وبما أنَّ التاريخ هو مصدر المعرفة الذي يُعْتَدُّ به، وشهادته ذات اعتبار وتأثير، فالذي سيعلمنا ليس القرآن، وإنما نفس حوادث الكون والتاريخ. لذلك استبعد دلالة النصوص الشرعية كمصدر من مصادر المعرفة التي تقدم الحقيقة الموضوعية، محاولاً تغيير مصدرها من آيات الكتاب إلى آيات الآفاق والأنفس، فقال: إنَّ عدم فهم هذه الآيات هو الذي جعل مصدر أدلة العلم والإيمان مختلفة في أذهان العالم المعاصر؛ فجعلوا الدين غير العلم، وأن مصدر العلم من الواقع، وأن مصدر الدين من الغيب، لكن هذه الآية بهذه النقلة التاريخية التي لم يقدر البشر على تفهمها، تدمج الدين دمجاً كاملاً في العلم الواقعيِّ في المحيط الإنساني ليكون موضع تأمل الناس (اقرأ وربك الأكرم ص 217)، فآية الآفاق والأنفس حدَّدَتْ مكان الدليل ومصدره بأنه ليس الكتاب، فلا نطلب كيف بدأ الخلق من الكتاب، وإنما نطلبه من السير في الأرض والنظر، كما أمر بذلك الكتاب. فالحكم في الكتاب، والدليل في الواقع والأرض وآيات الآفاق والأنفس (اقرأ وربك الأكرم ص 221). وأصول العلم عند المسلمين ثلاثة: الحس والعقل، والخبر المركب منهما؛ كخبر الأنبياء عن طريق الوحي. والمتدبر للقرآن الكريم يجد أنه تعالى إنما جعل آيات الآفاق والأنفس تأكيداً وتوضيحاً، ولم يجعلها تغييراً أو نقلاً يردها إلى الوجود الخارجي المادي، أو إلى آيات الآفاق وإلى آيات الأنفس. وقد أخطأ أصحاب النزعة العقلية عندما قالوا: إن العقل هو الذي يشهد بالصدق والقبول لآيات القرآن والسنة، وجعلوا العقل حَكَماً على الدين؛ قال محمد إقبال: ومما لا شك فيه أن للفلسفة الحق في الحكم على الدين (تجديد الفكر الديني: محمد إقبال، ص 7)، فآيات الكتاب لا تؤدي دوراً، وإنَّ الواقع أو التاريخ وآيات الآفاق والأنفس هي التي تشهد لآيات الله بالصحة والثبات والقبول. ويقولالأستاذ جودت: في القضاء يطلبون البينة والأدلة والشهود، والله يقيم على دينه وكتابه شاهدي عدل، وهما آيات الآفاق والأنفس، وهما شاهدان معتبران لهما حق الشهادة. وقد يظن البعض أن هذه الشهادة كما نتصورها ـ نحن - شهادة تأكيد وتأييد، أو من العوامل التي تساعد الناس على فهم آيات الله في القرآن والاعتبار بها، لكن نلاحظ أنه يجعلها الحَكَمَ على آيات الله، وكأن آيات الله لا تكفي لوحدها لبيان الحقِّ وتقديم العلم. ويقول: وللمجادل أن يصادر آيات الكتاب، لكنه لا يمكنه أن يصادر آيات الافاق والأنفس، فمن هذا الجانب صار دليل الدين دليلاَ عالمياً إنسانياً علمياً، وليس دليلاً لطائفة معينة من الناس (اقرأ وربك الأكرم ص 221 ـ 222).
وجازف في موضوع العقيدة عندما تعرض لتعريف الإيمان وجعله مرتبطاً بالحقائق الخارجية، وأنَّ تحريره يتم من عالم الأشخاص والصور الذهنية (اقرأ وربك الأكرم ص 117)، جاعلاً الغيب حسياًّ، فقال: وهكذا يصبح الغيب علماً، عندما تكون طريقة إيماننا بالقيم السماوية كإيماننا بأي شيء محسوس (اقرأ وربك الأكرم ص 116)؛ رابطاً بين الإيمان ونتائج الأسباب فـي عالم الواقع سلباً وإيجاباً، فقال: إذا أدركنا معنى ربط الأسباب بالنتائج، وأنها ليست عقلية وإنما مشاهدية، نستطيع أن نربط الإيمان بالنتائج. فإذا شاهدنا الإيمان ونتائجه، جعلنا شروط العلم بكل محتوياته في موضوع الإيمان. جاعلاً للعلم - الذي وضع له شروطاً حسية - سلطاناً على دين الله، فقال: كما بسط العلم سلطانه على الفلك والكيمياء والطب فسيبسط سلطانه أيضاً على الدين (اقرأ وربك الأكرم ص 119 ـ 120).
وقرن مفهوم التوحيد بالوقائع الخارجية المادية، وأخضعه إلى مرحلية تاريخية، فالتوحيد في مبدئه ومنتهاه إنما هو إيقاظ ملكة العلم. وتوحيد الله يأمر بالنظر إلى الوقائع الخارجية لإعطاء معنى أقدس لظاهرة الكون كعملية إبداع. وبالتالي يصبح
العلم في نهاية الأمر هو الإيمان، والإيمان هو العلم والشرك هو الجهل، والجهل هو الشرك (اقرأ وربك الأكرم ص 117). وهذا مطابق لقول فلاسفة المعتزلة: فالكفر عندهم هو الجهل بالله، وحَصْر الإيمان في معرفة القلب، فالكفر ذهاب المعرفة أو التصديق، لأن الإيمان والكفر لا يكونان إلاّ في القلب دون الجوارح (الملل والنحل 1 / 74، مجموع الفتاوى 7 / 543)؛ بينما بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم معنى الإيمان في حديث جبريل المشهور، حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره (من حديث طويل أخرجه البخاري رقم 50، ومسلم رقم 8 ـ 10)؛ فجعل الأستاذ جودت للبشر سلطاناً على تصور وجود الروح من خلال كشف السنن فقال: هذا الوجود السنني هو نوع آخر من مراتب الوجود، وربما يكون مدخلاً لتصور وجود الروح، والله تعالى له الخلق والأمر والروح من أمر الله، (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ـ الإسـراء 85 ـ وأمر الله، وكلمة الله، وسنة الله، ألفاظ قد تكون متقاربة في مدلولها، لكن سنة الله قد توصف بأنها لا تتبدل ولا تتحول (اقرأ وربك الأكرم ص 93)، وسخر من المسلمين حين يعظمون التشكك بالاعتقاد فيقول: لكن السلوك هو الكافر (من ترك الصلاة فـقد كفر) والمسلمون عكسوا القضية فعظموا التشكيك في الاعتقاد، وتهاونوا بالتقصير بالأعمال (اقرأ وربك الأكرم ص 116). بينما المسلمون يعتمدون في تحديد المصطلحات الشرعية (الإيمان، والشرك، والكفر) على منهج القرآن الكريم في قوله تعالى: (إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ومَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إثْماً عَظِيماً) ـ النساء 48 ـ، يقول أبو جعفر الطحاوي (أحمد بن محمد، ت: 321 هـ / 933 م): ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله (العقيدة الطحاوية ص 316)، فالاستحلال أمر اعتقادي قلبي، وقد تَبَنَّى الخوارج المنهج المخالف واعتبروا مرتكب الكبيرة - المعصية أو السلوك ـ كافراً، وتجرأوا على تكفير الصحابة وتطـبيق الأحكام الخاصة بالكافرين في حق المسلمين.
وفي موضوع بداية الخلق عند تفسيره لقوله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ) ـ العنكبوت 20 ـ، يقول: تحتوي هذه الآية الكريمة على منهج محدد للبحث يشمل جوانب العالم المادية وغير المادية، الجواهر والأعراض حسب تعبير الأقدمين، فالموضوع يشمل كل الكائنات: من الذرة وما دونها من الصفر، إلى المجرة، بل عموم الكون من المواد العضوية، إلى الإنسان الذي هو في أحسن تقويم عضوياً وفكرياً واجتماعياً، ومن الأفكار الأولية التي هي أعقدها. ومعرفة كيف بدأ الخلق وفهم الأمور على هذا المستوى، ينبه الإنسان إلى أن الخلق قد ينمو ويتحسن؛ لأن من عرف كيف بدأ الخلق ضعيفاً وعاجزاً ثم نما نمواً بطيئاً وأن هذا النمو اقتضى دهوراً طويلة، قد يقوده التأمل في بدء الخلق إلى التفكير في مصير الخلق: كيف بدأ خلق الإنسان، وكيف بدأ الإنسان يدرك معنى الألوهية ؟ وبمقتضى ما تطلبه الآية ينبغي أن نعيد النظر في كل ما نراه من حيث كيف بدأ خلقه (اقرأ وربك الأكرم 204 ـ 212 )؛ فهذه الآية تنقل موضوع بحث معرفة كيف بدأ الخلق، من آيات كتاب الله إلى آيات الآفاق والأنفس والسير في الأرض (اقرأ وربك الأكرم 215). وتمام الآية: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير) ـ العنكبوت 20 ـ قال القرطبي (محمد بن أحمد، ت: 671 هـ / 1272 م): أولم يروا كيف يُبديء الله الثمار فتحيا ثم تفنى، ثم يعيدها أبداً، وكذلك سائر الحيوان ؟ أي: فإذا رأيتم قدرته على الإبداء والإيجاد، فهو القادر على الإعادة. ثم يقول: قل لهم يا محمد، سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، انظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم، كيف أهلكهم لتعلموا بذلك كمال قدرته (تفسير القرطبي 16 / 351). فالمخاطبون بهذه الآيات هم الملحدون بآيات الله والمنكرون للبعث بعد الموت، والخطاب دعوة للتفكير بمخلوقات الله الدالة على قدرته والاعتبار بالعاقبة كقوله تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين) ـ النمل: 69 ـ، وقوله تعالى: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) ـ آل عمران: 137ـ، وقوله تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين) ـ الروم: 42 ـ والآيات في لفت النظر إلى هلاك الأمم الكافرة والمكذبين بآيات الله كثيرة. فالآيات الكريمة إنما توجه أنظار الخلق ليعتبروا بما آلت إليه الأمم الكافرة بعد قوة ومنعة، وكيف دمر الله عليهم ديارهم فما ترى إلاّ آثارهم. قال تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) ـ غافر: 82 ـ
والله تعالى بيَّن لنا بطريقة واضحة كيف بدأ خلق الإنسان، وبيَّن لنا المادة التي كان منها الخلق، وتفصيلات عن طريقة الخلق، فلماذا نبحث هذه القضية في مصدر آخر ونُعدّل ما هو مقرر في كتاب الله، والنصوص الشرعية تُقدّم المعرفة العلمية الصحيحة ؟ هل نعود إلى الذين ساروا في الأرض وقاموا بالحفريات ثم قالوا بنظرية النشوء والارتقاء، أو الانتخاب الطبيعي، أو الصفات المكتسبة ؟ ومع أن الأستاذ جودت لا يؤمن إلاّ بما يصدر عن الواقع والأمر الحسي، إلاّ أنه في موضوع التطور يتخلى عن منهجه المادي ليقول بلغة التخيل: لو تيسر للإنسان أن يراقب فكرياً وضع الكرة الأرضية ونشوء الحياة فيها وأنواع الحيوان التي عاشت عليها، وأنها يوماً ما كانت الحياة كلها في الماء، ثم صارت في اليابسة ثم وجد الإنسان، لماذا لا يخطر لنا أن هذا الخلق لا يزال مستمراً ؟ لماذا لا يخطر لنا أن الخلق لم يتوقف ولا يزال يخلق، ويزاد في الخلق وأن هناك نشأة أخرى ؟ إن التاريخ سيضطر المسلمين أن يغيروا فهمهم للقرآن، لهذا يقفون من التاريخ موقفاً سلبياً. ويقول عن التاريخ: قطع الإنسان فيه مراحل ومراحل حين خرج من حياة الصيد إلى الرعي إلى الزراعة، وتقسيم تاريـخ البشر إلى عصور حجرية وقديمة وحديثة وعصر البرونز والحديد كل ذلك يدل على: كيف بدأ الخلق والعلم وخلق السيطرة والتسخير (اقرأ وربك الأكرم ص 90)، ويقول: إن الكون قبل عشرة آلاف سنة كان الإنسان يعيش في الكهف ويمشي على قدميه فقط، وبدأ خلقه ضعيفاً: تطارده الحيوانات ليتغذوا به، وهو يطاردها ليتغذى بها، وأن هذا الإنسان كان عرياناً.. وأن آخر المخلوقات كان أرقاها، والآن استطاع أن يفهم، وصار مصيره في يده. ويقول أيضاً: إن الآثار العظيمة التي كشفها الناس في أثيوبيا، تدل على الهيكل العظمي (لوسا) منذ ثلاثة ملايين أو أربعة ملايين سنة، لأن الحجر يتكلم بهذا، وبعلم لا ينكره أحد، فإذا بهذا العالم بدأ يأخذ معلوماته من واقعه، وكان الناس قبل ذلك يأخذون المعلومات بطريقة الوحي من السماء (النزعة المادية: عادل التل. 214- 215).
وإدراك الإنسان الأول - آدم عليه السلام - لمعنى الألوهية لم يكن موضوع اختلاف بين المسلمين، لأن هذه الحقيقة واضحة عندهم، فهم يتلقونها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن علماء الاجتماع الوضعيين، يرفضون تلقي هذه العقيدة من مصدر الوحي. فآدم عليه السلام كان نبياً وكان موحداً خالصاً، تلقى عقيدة التوحيد من الله تعالى: (إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ ونُوحاً وآلَ إبْرَاهِيمَ وآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ) ـ آل عمران 33 ـ؛ فمنهج التوحيد بمعرفة الله تعالى، هو منهج آدم ومنهج الأنبياء من بعده، وكلما أتى على هذا المنهج طارئ من المعتقدات المنحرفة، كان يستدعي إرسال رسول جديد. فظن الماديون أن هذه الانحرافات في تاريخ البشر، هي تطور في تاريخ العقيدة، فوضعوا على أساس هذا الفهم الخاطئ تصورات عن تطور مفهوم هذه الألوهية، من التعددية إلى التثليث إلى الثنائية إلى التوحيد، وأنكروا أن يكون أول البشر مهتدياً موحداً، فقالوا: الأديان العليا، والأديان السفلى (اقرأ وربك الأكرم ص 193)، وقد ردَّ القرآن الكريم هذا الافتراء بقوله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ومُنذِرِينَ وأَنزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ومَا اخْتَلَفَ فِيهِ إلاَّ الَذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإذْنِهِ واللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) ـ البقرة 213 ـ. فآدم عليه السلام نبي مكلم من الله سبحانه وتعالى فكيف بهذا النبي يمشي عرياناً، وكذلك أبناؤه المؤمنون ؟ قال تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون) ـ الأعراف 26 ـوتقسيمات التاريخ عند أصحاب المدرسة الوضعية، هي تقسيمات جاهلية ظنية، تهمل تاريخ النبوات وأثرها على حياة البشرية، لأن النظر الشرعي، يقتضي تقسيم تاريخ البشرية بحسب موقفها من الرسل إلى قسمين:
1 المؤمنون: الذين استجابوا للرسل، وأفردوا الله بالعبادة وأخلصوا له التوحيد، وأقاموا حضارتهم على هذا المنهج. ولهؤلاء ولتاريخهم سمات وخصائص، يجب ملاحظتها، وأخذها بعين الاعتبار عند تقسيم العصور التاريخية.
2 الكفار: الذين كذبوا الرسل، وأشركوا مع الله غيره فهؤلاء أقاموا تاريخهم وحضارتهم على هذا المنهج الكفري، ويشترك تاريخهم في سمات وخصائص نابعة من منهجهم ونظرتهم للكون والحياة.
فتوحيد الله هو الأصل في حياة البشر، والشرك طارئ عليهم، وتاريخ آدم عليه السلام وذريته إلى عهد نوح عليه السلام، يبين لنا أن البشرية كانت على التوحيد، ولا تعرف الشرك أبداً، وأول ما ظهر الشرك كان في القوم الذين بعث إليهم نوح عليه السلام (المدخل إلى علم التاريخ: محمد بن صامل السلمي 24 ـ 26، 45 ـ 46). ومن مجموع كتب الأستاذ جودت، من الممكن تلخيص هذه النقاط عنده:
1 العالم ينبغي أن يعيش في سلم عام، يتحقق له عن طريقاحترام وجهات النظر والرأي الآخر مهما كان.
2 حرية الإنسان في الدعوة إلى ما يعتقده في كل مكان.
3 حرية الإنسان في التنقل بين العقائد والأديان.
4 إلغاء ما يعارض ذلك، وهو حد الردة.
5 الحقيقة المطلقة لا يملكها أحد من البشر.
6 التغيير عنده يشمل المسلم وغير المسلم. ويشمل إلغاء الفوارق بين الأديان لصالح دين الإنسانية العالمية والتقارب بينها.
7 الإشادة بالفضل لمحور (واشنطن - موسكو) في كشف قوانين التغيير، يقول: وأما الكشف العلمي بأن هذه السنن تخضع لسلطان الإنسان بشكل من الأشكال، فقد تنبه إليه في العصر الحديث إنسان محور "واشنطن - موسكو" قبل غيره (حتى يغيروا ما بأنفسهم ص 25).
8 يؤكد نظريته في التغيير الاجتماعي، حينما يشيد بالأفكار الغربية، ويبدي اهتمامه بتطويع الدين ليتلاءم مع نظريات علم النفس وعلم الاجتماع، وأنه لا سبيل إلى تغيير ما في النفوس البشرية، إلا باتباع هذه العلوم الإنسانية.يقول: إن هذا العلم لا يزال في توحشه، ولم يستأنس بعد عند المسلمين، حتى يسخروه لتغيير ما بأنفسهم، ولكشف ما ينبغي أن يغيروا ما بأنفسهم (حتى يغيروا من أنفسهم ص 114)، ويقول: إن آيات الكتاب قد تكف عن أدائها لدور العلم في ظروف معينة(اقرأ وربك الأكرم ص 229).
9 يعتبر أن المعارف القديمة ظنية وتابعة للأهواء قبل أن تشهد لها العلوم المعاصرة. فيقول: حينما بدأ علم النفس والاجتماع يأخذ أدلته من الآفاق والأنفس صار علماًوكذلك سيكون شأن الدين، حين يصير علماً في ظل آيات الآفاق - أي علوم الطبيعة – والأنفس (اقرأ وربك الأكرم ص 222 ـ 223)، ويقول: إن منهج آيات الآفاق والأنفس هو الذي سيحدد معنى الكتاب، ومعنى السنة ومعنى فهم الناس لهما على مر التاريخ.. وإن لهما - أي آيات الآفاق والأنفس - نوعاً من الوحي والأسلوب الذي يعلن به الله إرادته لخلقه.. وهما طريقان لتحويل الدين إلى العلم والعالمية (اقرأ وربك الأكرم ص 224 ـ 225).

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع د. منذر أبوشعر
 تفضل بزيارتي على موقعي الشخصي

http://drmonther.com

التعديل الأخير تم بواسطة د. منذر أبوشعر ; 21 / 10 / 2017 الساعة 03 : 07 PM.
د. منذر أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10 / 01 / 2014, 01 : 05 PM   رقم المشاركة : [2]
محمد الصالح الجزائري
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام


 الصورة الرمزية محمد الصالح الجزائري
 





محمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

رد: محاضرة نادرة للأستاذ جودت سعيد لم تُنشر من قبل

محاضرة قيّمة فعلا..ومفكّر كبير حقّا..فما أحوج الأمة إلى مثل مالك بن نبي ومحمد إقبال وجودت سعيد !!! شكرا لك أخي منذر فمثل هذه الدروس العميقة نريد..
توقيع محمد الصالح الجزائري
 قال والدي ـ رحمه الله ـ : ( إذا لم تجد من تحب فلا تكره أحدا !)
محمد الصالح الجزائري غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10 / 01 / 2014, 06 : 08 PM   رقم المشاركة : [3]
نوره الدوسري
أستاذة تاريخ - أديبة وقاصّة
 





نوره الدوسري is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: السعودية

رد: محاضرة نادرة للأستاذ جودت سعيد لم تُنشر من قبل

الاستاذ القدير // منذر ابو شعر


الانسان هو من يصنع التاريخ ويصيغه

وهذا كله يبدأ بصناعة نفسه وحملها على الاخلاص والفهم والعلم

وان اجتمع هذا المثلث كان بلاشك تاريخاً عظيماً

استاذي القدير //

شكرا على هذا الادراج الرائع بهذه المحاضرة النادرة بقيمتها

التي ازددنا بها وعياً ومعرفة

شاكرة لك هذا الجهد

ولصاحبها جودت سعيد الرحمة والغفران

تقديري

نورة الدوسري
نوره الدوسري غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11 / 01 / 2014, 51 : 02 AM   رقم المشاركة : [4]
د. منذر أبوشعر
محقق، مؤلف، أديب وقاص

 الصورة الرمزية د. منذر أبوشعر
 





د. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

رد: محاضرة نادرة للأستاذ جودت سعيد لم تُنشر من قبل

الشاعر الحر أخي الأديب محمد الصالح الجزائري صوت الجزائر:
أديبتنا الواعدة الفراشة الحالمة ابنتي نورة الدوسري:

نمشي معاً، ونتساعد لفتح نوافذ أكلها الصدأ ونخرها السوس.
والخير كله لكم، وأمنياتي بطيب هناءة البال لأيامكم الآتية.
لكن ملاحظتي لابنتي نورة: أن جودت سعيد لايزال بيننا - أطال الله عمره - لكنه معتكف في كسر بيته ولايخالط أحداً.
توقيع د. منذر أبوشعر
 تفضل بزيارتي على موقعي الشخصي

http://drmonther.com
د. منذر أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17 / 01 / 2014, 53 : 01 AM   رقم المشاركة : [5]
علي ابو حجر
شاعر
 





علي ابو حجر has a reputation beyond reputeعلي ابو حجر has a reputation beyond reputeعلي ابو حجر has a reputation beyond reputeعلي ابو حجر has a reputation beyond reputeعلي ابو حجر has a reputation beyond reputeعلي ابو حجر has a reputation beyond reputeعلي ابو حجر has a reputation beyond reputeعلي ابو حجر has a reputation beyond reputeعلي ابو حجر has a reputation beyond reputeعلي ابو حجر has a reputation beyond reputeعلي ابو حجر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: فلسطين

رد: محاضرة نادرة للأستاذ جودت سعيد لم تُنشر من قبل

بارك الله فيك على ما نشرت .

فائق احترامي
علي ابو حجر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29 / 01 / 2014, 21 : 12 AM   رقم المشاركة : [6]
د. منذر أبوشعر
محقق، مؤلف، أديب وقاص

 الصورة الرمزية د. منذر أبوشعر
 





د. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

رد: محاضرة نادرة للأستاذ جودت سعيد لم تُنشر من قبل

الأستاذ الأديب علي أبو حجر:
مرورك باقات ورد، أضعها على مقالي، فيزداد جمالاً وخيراًً. فالشكر كله لك.
توقيع د. منذر أبوشعر
 تفضل بزيارتي على موقعي الشخصي

http://drmonther.com
د. منذر أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
للأستاذ, نادرة, محاضرة, تُنشر, دوحة, سعيد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
محاضرة في التسويق ( هامة جداً ) ناهد شما أمثال - دبابيس- طرائف 3 20 / 09 / 2011 22 : 11 PM
(الخرز الملون) للأستاذ محمد سلماوي رواية نادرة مضموناً وإبداعاً ـــ د. يوسف جاد الحق د.يوسف جاد الحق نقد أدبي 1 08 / 06 / 2010 56 : 03 AM
يوم ميلاد سعيد للأستاذ القدير حسن الحاجبي د. ناصر شافعي تهنئة، تعزية، معايدات 11 08 / 05 / 2010 07 : 04 PM
محاضرة انا و كافل اليتيم في الجنة للشيخ محمود المصري نصيرة تختوخ الملف الصوتي و المرئي الديني 0 03 / 04 / 2009 06 : 11 AM
محاصرة نوراحمد قصيدة النثر 0 04 / 11 / 2008 55 : 07 PM


الساعة الآن 38 : 10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|