-7-
الى أين ترحل يا قبطان؟
من تجرّأ على طرح هذا السؤال؟
لا أدري
ربّما صاحب الدرك .. الجنرال
الرجال بدأوا يشعرون بالسأم من رحلتي البحرية
الطويلة
لم تعد ليلى قادرة على إسكات جوعهم وعطشهم لليابسة
ومن بعيد لاحت لنا جزيرة
كانت الفرحة عارمة لا توصف
أخيراً بانت يابسة بعد طول غياب
شعرت بقوّة هائلة تحيط يالجزيرة
كانت منطقة محميّة
وكانت جُمانة حارستها وملكتها
لماذا كان علينا أن نحطّ في هذه الجزيرة بالذات
وما ان اقتربنا الى شواطئ الجزيرة حتّى ارتفعت
رمالٌ في المياه لتوقف محرّكات المركب
كان المنظر مخيفاً للغاية
رمالٌ جافّة ساخنة وسط المياه
هل هو زِنّار؟
لو كان زِنّار لهانت لكن جُمانة امرأة من نار
امرأة من نار
سمعنا صوتها تغنّي وسمعنا صوت المشط
في رأسها
قالت جُمانة بعد حين
أنا في انتظارك يا قبطان .. تعال بمفردك
عندها شعرت بخوف لا يوصف
أخشى هذا النمط المتسلّط من النساء
كان بإمكان جُمانة أن تتقمّص أيّما جسد تشاء
لكنّها وبالرغم من كلّ هذا شديدة الجمال
عنيدة .. تحقّق إرادتها بسهولة
لم يكن هناك بدّاً من وداع مركبي
شعرت بالشفقة على أصدقائي
التقت عيناي جيهان
شعرت بقلبي يخفق مرّة أخرى
كانت الطريق قد انفتحت أمامي
نفق طويل مضيء وعلى مداخله
الكثير من الورود المنثورة
رائحة العطر كانت تملأ المكان
شعرت بحالة من فقدان الجاذبية
كنت أتدفّق الى هناك
وكأنّ مغناطيساً عملاقاً يشدّني نحو
المجهول
شعرت بالخدر يهاجم مفاصلي
كنت وكأنّي أولد من جديد
نفق يحاكي رحم الأمّ
كلّي لهفة للخروج الى ذلك العالم الجديد
كانت جُمانة في الانتظار
فاتحة ذراعيها والابتسامة تملأ وجهها
مرحباً .. مرحباً يا حلمي الجديد
-8-
تلّقيت ضربة ثقيلة عند أصل رقبتي من الخلف
شعرت بالدنيا تدور وتدور
وكانت جُمانة هناك ما تزال تبتسم
لماذ ترغبين الانتصار على رجل ضعيف
أنا الفاني يا جُمانة
أنا الذي لا يمتلك سوى وهماً حسبته يوماً
جميلاً
لا أدري كم مضى على غيبوبتي
فقدت القدرة على الإحساس بالزمن
كنت كمن حكموا عليه بالنسيان
حتّى الأحلام حُرِمْتُ منها
أخبرتني جُمانة فيما بعد بأنّني قضيت شهراً كاملاً
ما بين الموت والحياة
وكانت جُمانة تضحك
كانت تعلم بأنّي لن أموت
أنا جائع
ما الذي حصل لمركبي وأصدقائي؟
أصدقائك!
صمتّ طويلاً .. لا يمكن أن يكونوا أصدقائي
بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى
جميعهم حضروا لغرضٍ في ذاتهم
جميعهم مسؤولون عن أنفسهم
كان الضياع والبحث عن المجهول هدفنا
كانت الحريّة وإن كانت نسبية مآلنا
كنا نهرب من الهرب
مضينا في طريق سرمدي وكنّا نعلم بأنّ هناك
مخاطر
لماذا قمت بتزيين المسخ زِنّار؟
حاولت مماطلته .. شيءٌ من الرشوة يا جُمانة
وهل تظنّ بأنّي قد اوافق على مرافقته؟
يا لك من ساذج!
هذا امرٌ لا يهمّني .. هو حرٌ بحياته وقلبه
لا .. بل يهمّك كثيراً
أنا قلق على المركب
لا تخشى سوءاً .. معاونيّ يشرفون على تقديم اللازم لمركبك
لن يموتوا جوعاً .. بل على العكس من ذلك
إنّهم متخمون يا قبطان
وتلك الفاجرة ليلى
لم تترك رجلاً دون أن تتقلّب في فراشه
قدّمت لي جُمانة شراباً لذيذاً
شعرت بالخدر يهاجم كافّة خلايا جسدي
كنت أطير في فضاء جُمانة
وأخذت جُمانة تَخْلَعُ عنّي ملابسي
ثمّ اعتلتني وأخذت تقبّل كلّ جزء من جسدي
ولم أكن أملك من أمري سوى مجاراتها في تلك
اللعبة
وكان زِنّار في تلك اللحظة يُراقِبُ كلّ هذا العبث
وأخذ أعدائي يزدادون يوماً بعد يوم
بعضهم نصف آلهة
بعضهم عمالقة
وأنا نصف إنسان
وأنا نصف إنسان